آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

إلي. فلما قضى نحبه جاء ابنه إلى النبي ﷺ مع رفيق له فأسلما. واستدعى النبي مالك بن عوف فعهد إليه بثقيف فقال له أنا أكفيكهم حتى يأتوك مسلمين. ثم صار يغير على سرحهم ويقاتلهم حتى أعجزهم فاتفقوا على إرسال وفد إلى النبي ﷺ لمفاوضته على التسليم والإسلام وجاء الوفد وكانوا سبعين رجلا وعلى رأسهم زعماؤهم عبد ياليل وابناه وكنانة وشرحبيل بن غيلان وغيرهم فسرّ النبي بمقدمهم وضرب لهم قبة في المسجد. وقد حاولوا الحصول على بعض الامتيازات فلم يتساهل معهم فاستعفوه من هدم أصنامهم بأيديهم فأعفاهم فأسلموا. وغدت الطائف في حوزة السلطان النبوي وكان ذلك في رمضان أو شوال من السنة التاسعة للهجرة «١».
[سورة التوبة (٩) : آية ٢٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)
. (١) عيلة: فقرا أو فاقة.
عبارة الآية واضحة. وقد تضمنت:
(١) خطابا للمسلمين تؤذنهم فيه بأن المشركين نجس فلا ينبغي أن يقربوا المسجد الحرام بعد هذا العام الذي أنزلت فيه الآية.
(٢) وتطمينا لهم فإذا كانوا يخافون الفاقة وضيق العيش من هذا المنع فليطمئنوا فإن الله عزّ وجلّ قادر على إغنائهم من فضله. وإنه لهو العليم الحكيم الذي يعلم مقتضيات الأمور ويأمر بما فيه الحكمة والصواب.

(١) انظر تفصيل فتح الطائف في ابن هشام ج ٤ ص ١٩٤- ٢٠٠، وابن سعد ج ٢ ص ٧٧- ٧٨.

صفحة رقم 391

تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وما روي في صددها من أقوال وما ينطوي فيها من صور وتطور وتلقين وأحكام
لقد روى الطبري أن النبي ﷺ لما أمر بالنداء بأن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك قال المسلمون كنّا نصيب من بياعاتهم في الموسم فأنزل الله الآية. كما روي أنه لما نزل شطر الآية الأول وشقّ على المسلمين وقالوا من يأتينا بطعامنا ومن يأتينا بالمتاع فنزل شقّها الثاني. هذا في حين أن الطبري روى في جملة ما روى في سياق الآيات الأولى من السورة أن هذه الآية نزلت مع ما قبلها من أول السورة وكان حكمها في جملة ما نودي به يوم الحج الأكبر وهو أن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك.
ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أن الآية على كلّ حال لم تنزل لحدتها ولم تنزل مجزأة وإنما هي جزء من السياق السابق أو نتيجة من نتائجه. فالآيات السابقة أمرت بقتال المشركين الناكثين وقررت عدم أهلية المشركين كافة لعمارة مساجد الله. ولقد كان من جملة ما أمر النبي ﷺ بإعلانه يوم الحج الأكبر أن لا يحج بعد الآن مشرك على ما رويناه قبل.
ولقد علم الله أن حياة أهل مكة كانت تقوم على الخارج تجارة وغذاء. وأن أهلها سوف يستشعرون خوفا من أن يضيق بالمنع رزقهم ومعيشتهم فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بالآية تبريرا للمنع من جهة وتطمينا لأهل مكة من جهة أخرى.
ولما كان نزول الآيات والنداء يوم الحج الأكبر الذي أمرت الآية الثالثة من السورة وتنفيذ النبي ﷺ له بواسطة أبي بكر وعلي رضي الله عنهما قد وقع بعد سنة من فتح مكة وبعد فتح الطائف ودخول هوازن وثقيف أقوى قبائل منطقة الحجاز في الإسلام بالإضافة إلى أهل مكة ومعظم من حولها من القبائل فإن معنى هذا أن ذلك قد وقع بعد أن صارت هذه المنطقة جميعها في حوزة السلطان الإسلامي

صفحة رقم 392

وصار معظم أهلها مسلمين حيث صار في الإمكان منع من بقي على شركه من العرب من دخول منطقة المسجد الحرام وممارسة طقوس تتنافى مع دين الله الذي توطّد فيها. وينطوي في هذا صورة لتطور الدعوة الإسلامية وانتشارها وقوتها وسلطانها تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد حجّ النبي ﷺ بعد هذه السنة الحجة التي سميت حجة الوداع لأنه مات بعدها بقليل. ومن الممكن أن يلمح من ذلك أن النبي ﷺ أن لا يحجّ ويكون في من يشهدون الحجّ مشركون فأرسل أبا بكر أميرا للحج وأرسل معه الأمر بمنع المشركين بعد هذه السنة من دخول المسجد الحرام تنفيذا لهذه الآية. فلمّا تمّ ذلك بادر النبي ﷺ إلى الحجّ في السنة التالية حيث لم يشهد الحجّ معه إلا المسلمون.
ولقد تعددت أقوال المفسرين وأهل التأويل من التابعين الذين يروي المفسرون أقوالهم في مفهومهم لنجاسة المشركين. وتحديد المنطقة المحرمة.
وشمول التحريم:
١- فبالنسبة للنقطة الأولى فهناك من قال إن نجاستهم عينية كنجاسة الكلب والخنزير وإن على من يمسّهم ويصافحهم أن يغسل يده أو يتوضأ. وهناك من قال إنها نجاسة حكمية. وأكثر المذاهب الفقهية على القول الثاني. وهو الأوجه إذ المتبادر أن الوصف منبثق من ما كان عليه المشركون من عقائد باطلة. وما كانوا يمارسونه من تقاليد شنيعة من جملتها الطواف في حالة العري وأكل الميتة والتزوج بزوجات الآباء وعدم التطهر من الجنابة إلخ. وكل هذا نجاسة معنوية مما يتنافر مع قدسية المسجد الحرام وطهارته.
٢- وبالنسبة للنقطة الثانية هناك حديث مرفوع أخرجه الإمام أحمد وأورده ابن كثير عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ «لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا إلّا أهل العهد وخدمهم» حيث يفيد ظاهر هذا الحديث أن المنع هو للمسجد. وهناك قول يرويه الزمخشري عن عطاء أحد كبار التابعين بأن المراد بالمسجد هو الحرم

صفحة رقم 393

أي منطقة الحرم بل هناك قول رواه الزمخشري أيضا عن مالك أن المنع شامل لكلّ مساجد المسلمين.
ولما كان نصّ الآية قطعيا بأنها في صدد المسجد الحرام فإن تشميل المنع لكل مسجد أو لغير المسجد الحرام هو غلوّ لا مبرر له. ولما كان على القادم إلى مكة أن يحرم من حدود الحرم المعروفة خارج مكة فالمتبادر أن المنع هو لمنطقة الحرم ويكون قول عطاء هو الأوجه وهو ما عليه الجمهور. وليس في هذا نقض للحديث المروي عن جابر في حالة صحته. فإن روح الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر المسجد الحرام تلهم أن المقصد من التعبير منطقة المسجد الحرام «١» وآية العنكبوت هذه أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [٦٧]. وآية القصص هذه وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا [٥٧] بنوع خاص تلهمان ذلك بكل قوة.
٣- وبالنسبة للمسألة الثالثة فإن الحديث الذي رواه جابر وأورده ابن كثير يفيد أن المنع للمشركين دون الذميين «٢». وقد روى الطبري عن جابر مع ذلك قولين متناقضين أحدهما يجعل المنع شاملا للذميين. وثانيهما لا يشمله. وروي عن قتادة أن المنع للمشركين وأن الذميين وعبيد المسلمين مستثنون منه. وروي أن عمر بن عبد العزيز أمر بمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام بهذه الآية. ويظهر أنه لم يثبت عنده حديث جابر من جهة واجتهد بأن قول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله هو شرك بوجه ما. ومنع اليهود والنصارى بالإضافة إلى المشركين من دخول المسجد الحرام هو الذي عليه التعامل المتواتر منذ صدر الإسلام إلى اليوم. ولقد قال البغوي وتابعه الخازن إن علماء الإسلام يقسمون بلاد الإسلام بالنسبة للكفار إلى ثلاثة أقسام:

(١) اقرأ آيات سورة الفتح [٢٥] وسورة الحج [٧٥] وسورة الأنفال [٣٤] مثلا. فالصدّ في هذه الآيات كان عن منطقة الحرم وعن الحج ويدخل في ذلك الكعبة وفناؤها.
(٢) والمقصود بكلمة الذميين في الأعمّ الأغلب أهل العهد من الكتابيين.

صفحة رقم 394

(١) الحرم المكي: فلا يجوز لكافر أن يدخله ذميا كان أو مستأمنا. وننبه على أن كلمة الكافر تطلق على كل جاحد برسالة محمد ﷺ والقرآن. فيدخل في ذلك أهل الكتاب وغيرهم.
(٢) الحجاز: فيجوز للكافر دخولها بإذن ولمدة مؤقتة دون الإقامة. لأن النبي ﷺ أمر بإخراج المشركين واليهود والنصارى من جزيرة العرب. وعدم السماح بوجود دينين فيها. ومعنى هذا منعهم من الإقامة فيها.
(٣) سائر بلاد الإسلام: فيجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة أو أمان. على أن لا يدخل مساجد المسلمين إلّا بإذن منهم. وهو تقسيم وجيه مع التنبيه على أن التعليل بالنسبة للقسم الثاني يقتضي أن يكون منع الإقامة الدائمة شاملا لجميع جزيرة العرب وليس للحجاز فقط. وقد يكون الجاري في الحجاز هو هذا حيث إن أهلها جميعهم مسلمون وإن غير المسلمين الذين يقيمون في جدة إنما يقيمون إقامة مؤقتة. ولا يمكن أن يقال هذا بالنسبة لليمن مثلا التي كان وما يزال يسمح لليهود بالإقامة فيها إقامة دائمة. ولعلّ شيئا من هذا جار في أنحاء جزيرة العرب الجنوبية والشرقية والغربية الأخرى.
ولم يذكر أصحاب التقسيم المسجد النبوي بخاصة والمساجد في جميع جزيرة العرب بعامة. واقتصر كلامهم على أن دخول غير المسلمين إلى مساجد المسلمين في غير جزيرة العرب منوط بإذن المسلمين.
وما دام النص القرآني محصورا في المسجد الحرام وليس هناك أثر ثابت صحيح عن النبي ﷺ عن غيره فالمقتضى أن يكون دخول غير المسلمين إلى مساجد المسلمين غير محرّم باستثناء المسجد الحرام. والجاري اليوم بالنسبة للمسجد النبوي هو التحريم مع أن من المتواتر الذي بلغ حدّ اليقين أن النبي ﷺ ظل يستقبل في مسجده إلى آخر حياته طوائف من الكفار مشركين وكتابيين ومعاهدين وغير معاهدين لمصالح ومقاصد متنوعة وأن خلفاءه الراشدين فعلوا ذلك أيضا.
والآية [٢٨] من هذه السورة التي تأمر النبي ﷺ بإجارة من يستجيره من

صفحة رقم 395

المشركين حتى يسمع كلام الله تنطوي على قرينة قرآنية بالإباحة لأن النبي إنما كان يستقبل جميع الناس من غير المسلمين في مسجده.
ولقد روى مسلم والترمذي عن عبد الله بن زيد بن عاصم عن النبي ﷺ قال:
«إنّ إبراهيم حرّم مكة ودعا لأهلها. وإني حرّمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكة.
وإني دعوت في صاعها ومدّها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة»
«١».
وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن علي قال: «من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلّا كتاب الله وهذه الصحيفة فقد كذب. فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات. وفيها قول النبي ﷺ المدينة حرم ما بين عير إلى ثور. فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم. زاد في رواية فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» «٢» وروى الشيخان والترمذي عن أبي هريرة قال: «حرّم رسول الله ما بين لابتي المدينة. فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها. وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى» «٣». ومع أن المتبادر من هذه الأحاديث هو تحريم سفك الدماء فيها وضمان الأمن لمن يكون فيها كما هو الأمر بالنسبة للحرم المكي ومداه قد يكون ما درج عليه المسلمون منذ العهود القديمة من عدم السماح لغير المسلمين بدخول المدينة مستمدا من ذلك. والله تعالى أعلم.
وأمر النبي ﷺ المذكور في الفقرة الثانية بعدم السماح بوجود دينين في جزيرة العرب وإخراج اليهود والنصارى منها جاء في أحاديث عديدة. منها حديث رواه ابن هشام والطبري والبلاذري ونصّه: «لا يترك بجزيرة العرب دينان» «٤».

(١) التاج ج ٢ ص ١٦٧ و ١٦٨.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) انظر ابن هشام ج ٤ ص ٣٤٥ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٣٤ و ٥٣٥ وفتوح البلدان للبلاذري ص ٧٣.

صفحة رقم 396
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية