
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)
شرح الكلمات:
ما كان للمشركين: أي ليس من شأنهم أو مما يتأتى لهم.
حبطت أعمالهم: أي بطلت فلا يثابون عليها ولا ينجحون فيها.
يعمروا مساجد الله: أي بالعبادة فيها، وصيانتها وتطهيرها.
ولم يخش إلا الله: أي لم يخف أحداً غير الله تعالى.
فعسى: عسى من الله تعالى كما هي هنا تفيد التحقيق أي هدايتهم محققة.
المهتدين: أي إلى سبيل النجاة من الخسران والظفر بالجنان.
معنى الآيتين:
لا شك أن هناك من المشركين من ادعى أنه يعمر المسجد الحرام بالسدانة والحجابة والسقاية وسواء كان المدعى هذا العباس يوم بدر أو كان غيره فإن الله تعالى أبطل هذا الادعاء وقال ﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله﴾ ١ أي لا ينبغي لهم ذلك ولا يصح منهم، وكيف وهم كفار شاهدون٢ على أنفسهم بالكفر، وهل الكافر بالله يعمر بيته وبماذا يعمره؟ وإذا سألت اليهودي ما أنت؟ يقول يهودي، وإذا سألت النصراني، ما أنت؟ يقول نصراني، وإذا سألت الوثني ما أنت؟ يقول مشرك فهذه شهادتهم على أنفسهم٣ بالكفر، وقوله تعالى ﴿أولئك﴾ أي البعداء في الكفر والضلال ﴿حبطت أعمالهم﴾، أي
٢ قيل الأصل: وهم شاهدون فحذف ﴿وهم﴾ فنصب ﴿شاهدين﴾ على الحال.
٣ قال ابن عباس: شهادتهم بالكفر هي: سجودهم للأصنام مع إقرارهم بأنها مخلوقة والله خالقها.

بطلت وضاعت لفقدها الإخلاص فيها لله تعالى ﴿وفي النار هم خالدون﴾ لا يخرجون منها متى دخولها أبداً، إذ ليس لهم من العمل ما يشفع لهم بالخروج منها. ثم قرر تعالى الحقيقة وهي أن الذين يعمرون١ مساجد الله حقاً وصدقاً هم المؤمنون الموحدون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويخشون الله تعالى ولا يخشون سواه هؤلاء هم الجديرون بعمارة المساجد بالصلاة والذكر والتعلم للعلم الشرعي فيها زيادة على بنائها وتطهيرها وصيانتها هؤلاء جديرون بالهداية لكل كمال وخير يشهد لهذا قوله تعالى ﴿فعسى٢ أولئك أن يكونوا من المهتدين﴾ إلى ما هو الحق والصواب، وإلى سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- حرمة دخول الكافر المساجد إلا لحاجة وبإذن من المسلمين.
٢- فضيلة عمارة المساجد بالعبادة فيها وتطهيرها وصيانتها.
٣- فضيلة المسلم وشرفه، إذ كل من يسأل عن دينه يجيب بجواب هو الكفر إلا المسلم فإنه يقول: مسلم أي لله تعالى فهو إذاً المؤمن وغيره الكافر.
٤- وجوب الإيمان بالله واليوم الآخر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والخشية من٣ الله تعالى.
٥- أهل الأمن والنجاة من النار هم أصحاب الصفات الأربع المذكورة في الآية.
أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
٢ قالت العلماء: "عسى من الله واجبة أي: ما يرجى بها واجب الوقوع، وقيل: هي هنا بمعنى: خليق أي: فخليق أن يكونوا من المهتدين.
٣ تساءل البعض وقالوا: قوله تعالى: ﴿ولم يخش إلاّ الله﴾ دال على أن المؤمن الكامل الإيمان لا يخشى إلا الله وإذا بالواقع أن الأنبياء يخشون الأعداء فضلا عن غيرهم فقال بعضهم معناه: أنهم لا يخشون إلاَّ الله مما يُعبد، وقال بعضهم:
أي لم يخف إلا الله في باب الدين. والجواب الصحيح أنّ الإنسان نبيا كان أو غيره من المؤمنين العاملين لا يخشون إلا الله تعالى فإذا خافوا عدواً، ليس معناه أنهم خافوه لذاته وإنما خافوا من الله أن يكون سلطة عليهم فخوفهم عائد في الحقيقة إلى الله تعالى فهو الذي بيده الأمر، والخوف منه لا من غيره.