
كَيْفَ تأكيد للأولى، وحذف الفعل بعدها للعلم به تقديره: كيف يكون لهم عهد؟
لا يَرْقُبُوا أي لا يراعوا إِلًّا وَلا ذِمَّةً الإلّ القرابة، وقيل: الحلف، والذمة العهد وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ استثنى من قضي له بالإيمان أَئِمَّةَ الْكُفْرِ «١» أي رؤساء أهله قيل:
إنهم أبو جهل لعنه الله، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحكى ذلك الطبري وهو ضعيف لأن أكثر هؤلاء كان قد مات قبل نزول هذه السورة، والأحسن أنها على العموم لا أَيْمانَ لَهُمْ أي لا أيمان لهم يوفون بها، وقرئ لا إيمان «٢» بكسر الهمزة لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ يتعلق بقاتلوا وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ قيل: يعني إخراجه من المدينة حين قاتلوه بالخندق وأحد، وقيل: يعني إخراجه من مكة إذا تشاوروا فيه بدار الندوة ثم خرج هو بنفسه وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني: إذايتهم للنبي صلّى الله عليه واله وسلّم والمسلمين بمكة يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ يريد بالقتل والأسر وفي ذلك وعد للمسلمين بالظفر قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ قيل: إنهم خزاعة والإطلاق أحسن وَيَتُوبُ اللَّهُ استئناف إخبار فإن الله يتوب على بعض هؤلاء الكفار فيسلم أَمْ حَسِبْتُمْ الآية:
معناها أن الله لا يتركهم دون تمحيص يظهر فيه الطيب من الخبيث، وأم هنا بمعنى بل والهمزة، يَعْلَمِ اللَّهُ أي: يعلم ذلك موجبا لتقوم به الحجة وَلِيجَةً أي بطانة
ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ أي ليس لهم ذلك بالحق والواجب، وإن كانوا قد عمروها تغليبا وظلما «٣»، ومن قرأ مساجد بالجمع أراد جميع المساجد، ومن قرأ «٤» بالتوحيد أراد المسجد الحرام شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أي أن أحوالهم وأقوالهم تقتضي الإقرار بالكفر، وقيل: الإشارة إلى قولهم في التلبية: لا شريك لك إلا شريكا هو
(٢). وهي قراءة ابن عامر فقط.
(٣). كذا في الأصل المطبوع فلعلها محرفة.
(٤). قرأ ابن كثير وأبو عمرو: مسجد في الآيتين.

لك أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ الآية: سببها أن قوما من قريش افتخروا بسقاية الحاج، وبعمارة المسجد الحرام فبين الله أن الجهاد أفضل من ذلك، ونزلت الآية في علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة افتخروا فقال طلحة أنا صاحب البيت وعندي مفاتحه.
وقال العباس: أنا صاحب السقاية، وقال علي: لقد أسلمت قبل الناس، وجاهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ الآية قيل: نزلت فيمن ثبط عن الهجرة ولفظها عام وكذلك حكمها فَتَرَبَّصُوا وعيد لمن آثر أهله أو ماله أو مسكنه على الهجرة والجهاد بِأَمْرِهِ قيل: يعني فتح مكة، وقيل: هو إشارة إلى عذاب أو عقاب وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عطف على مواطن أو منصوب بفعل مضمر، وهذا أحسن لوجهين: أحدهما أن قوله: إذ أعجبتكم كثرتكم مختص بحنين، ولا يصح في غيره من المواطن فيضعف عطف يوم حنين على المواطن للاختلاف الذي بينهما في ذلك، والآخر أن مواطن ظرف مكان، ويوم حنين ظرف زمان، فيضعف عطف أحدهما على الآخر، إلا أن يريد بالمواطن الأوقات، وحنين: اسم علم لموضع عرف برجل اسمه حنين وانصرف لأنه مذكر إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ كانوا يومئذ اثنا عشر ألفا، فقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة، فأراد الله إظهار عجزهم ففرّ الناس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى بقي على بغلته في نفر قليل، ثم استنصر بالله، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوه الكفار وقال: شاهت الوجوه، ونادى بأصحابه فرجعوا إليه، وهزم الله الكفار وقصة حنين مذكورة في السير بِما رَحُبَتْ أي ضاقت على كثرة اتساعها وما هنا مصدرية وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها يعني: الملائكة ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ إشارة إلى إسلام هوازن الذين قاتلوا المسلمين بحنين.