آيات من القرآن الكريم

قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ

صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل شعراؤهم الذين أهدر النبي ﷺ دماءهم فقاتلوهم فهم أئمة الكفر وحملة لوائه المقدّمون على غيرهم بزعمهم، فهم الأجدر بالقتل والقتال.
(إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) أي إن عهودهم لا قيمة لها. فهى مخادعة لسانية لا يقصد الوفاء بها كما قال سبحانه «يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ» فما أسرع ما تنقض إذا وجدت الفرصة سانحة.
(لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) أي قاتلوهم رجاء أن ينتهوا بقتالكم إياهم عن الكفر ونكث الأيمان ونقض العهود والعودة إلى قتالكم كلما قدروا عليه.
وفى ذلك إيماء إلى أن القتال لا يكون اتباعا لهوى النفس، أو إرادة منافع الدنيا من السلب والنهب وإرادة الانتقام، وهذه ميزة الإسلام، إذ جعل الحرب ضرورة لإرادة منع الباطل وتقرير الحق.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٣ الى ١٥]
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه يقتال أئمة الكفر- ذكر السبب الذي يبعث على قتالهم، ولعل الله قد علم أن فى نفس جماعة من المؤمنين كرها لقتال من بقي من المشركين بعد فتح

صفحة رقم 66

مكة وظهور الإسلام لأمنهم من ظهورهم عليهم ورجائهم فى إيمانهم، وعلم أنه يوجد من المنافقين من يزيّنون لهم ذلك، والله يريد أن تطهر جزيرة العرب من خرافات الشرك وأدران الوثنية، ويمحّص المؤمنين من النفاق ومثالبه.
من جراء هذا أعاد الكرة بإقامة الأدلة على وجوب قتال الناكثين للعهد المعتدين عليهم بالحرب الذين بدءوهم بالقتال وهمّوا بإخراج الرسول أو حبسه أو قتله.
الإيضاح
(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟) أي قاتلوا هؤلاء المشركين لأسباب ثلاثة:
(١) إنهم نكثوا الأيمان التي حلفوها لتأكيد عهدهم الذي عقدوه مع النبي ﷺ وأصحابه على ترك القتال عشر سنين يأمن فيها الفريقان على أنفسهم، ويكونون فيها أحرارا فى دينهم، لكنهم لم يلبثوا أن ظاهروا حلفاءهم بنى بكر على خزاعة حلفاء النبي ﷺ ليلا بالقرب من مكة على ماء يسمى الهجير، وكان هذا من أفظع أنواع الغدر، ولما علم بذلك
رسول الله ﷺ قال: «لا نصرت إن لم أنصركم»
وتجهز إلى مكة سنة ثمان من الهجرة.
(٢) إنهم هموا بإخراج الرسول ﷺ من وطنه أو حبسه حتى لا يبلغ رسالته، أو قتله بأيدى عصبة من بطون قريش ليتفرق دمه فى القبائل، فتتعذر المطالبة به، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ».
(٣) إنهم بدءوا بقتال المؤمنين فى بدر حين قالوا بعد العلم بنجاة عيرهم: لا ننصرف حتى نستأصل محمدا وأصحابه ونقيم فى بدر أياما نشرب الخمر وتعزف على رءوسنا القيان، وكذا فى أحد والخندق وغيرهما.

صفحة رقم 67

وبعد أن أورد البراهين والحجج الموجبة لقتالهم قال:
(أَتَخْشَوْنَهُمْ؟) أي أبعد هذا كله تتركون قتالهم خوفا منكم وجبنا؟.
(فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي فالله أحق أن تخشوا مخالفة أمره وترك مخالفة عدوه، إذ المؤمن حق الإيمان لا يخشى إلا الله، لأنه يعلم أنه هو الذي بيده النفع والضر، ولا يقدر أحد على مضرة أو نفع إلا بمشيئته، فان خشى غيره بمقتضى سننه تعالى فى أسباب الضر والنفع، فلا ترجح خشيته على خشية الله، بأن تحمله على عصيانه ومخالفة أمره، بل يرجّح خشيته تعالى على خشية غيره.
وهذا احتجاج آخر على جماعة المسلمين الذين لا يخلو أن يكون بينهم جماعة من المنافقين ومرضى القلوب الذين يكرهون القتال إذا لم توجبه الضرورة كما قال:
«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ» أو رجاء انتشار الإسلام بدونه بعد فتح مكة والطائف وهدم دولة الشرك.
وخلاصة ما سلف- إنه بعد تلك الحجج التي تقدم ذكرها، لم يبق من سبب يمنع قتالهم إلا الخشية لهم والخوف من قتالهم، وخشية الله أحق وأجدر إن كنتم مؤمنين حقا، كيف وقد نصركم الله عليهم فى مواطن كثيرة مع ضعفكم وقوتهم وقلّتكم وكثرة عديدهم.
وفى الآية إيماء إلى أن المؤمن يجب أن يكون أشجع الناس وأعلاهم همة ولا يخشى إلا الله وبعد أن أقام الأدلة على وجوب قتالهم، وفنّد الشبه المانعة من ذلك- أمرهم به أمرا صريحا مع وعده لهم بالنصر وإظهار المؤمنين عليهم، وهذه العدة من أخبار الغيب فى وقعه معينة، وقد صدق الله وعده فقال:
(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) أي قاتلوهم كما أمرتكم، فإنكم إن فعلتم ذلك يعذبهم الله بأيديكم ويمكّنكم من رقابهم قتلا، ومن صدورهم ونحورهم طعنا، ويخزهم بذلّ الأسر والقهر والفقر لمن لم

صفحة رقم 68
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية