آيات من القرآن الكريم

مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (١٢١) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
شرح الكلمات:
ومن حولهم من الأعراب: وهم مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم.
ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه: أي يطلبون لأنفسهم الراحة ولنفس رسول الله التعب والمشقة.
ظمأ.: أي عطش.
ولا نصب: أي ولا تعب.
ولا مخمصة: أي مجاعة شديدة.
يغيظ الكفار: أي يصيبهم بغيظ في نفوسهم يحزنهم.
نيلا: أي منالاً من أسر أو قتل أو هزيمة للعدو.
وادياً: الوادي: مسيل الماء بين جبلين أو مرتفعين.
لينفروا كافة.: أي يخرجوا للغزو والجهاد جميعاً.
طائفة.: أي جماعة معدودة.
ليتفقهوا في الدين: أي ليعلموا أحكام الدين وأسرار شرائعه.
ولينذروا قومهم: أي ليخوفوهم عذاب النار بترك العمل بشرع الله.
لعلهم يحذرون: أي عذاب الله تعالى بالعلم والعمل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في آثار أحداث غزوة تبوك فقال تعالى ﴿ما كان لأهل المدينة﴾ ١

١ هذه الآية نزلت تحمل العتاب للمؤمنين أهل المدينة والأحياء المجاورة لها كمزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم على التخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك.

صفحة رقم 436

أي سكانها من المهاجرين والأنصار ﴿ومن حولهم من الأعراب﴾ أي ومن النازلين حول المدينة من الأعراب كمزينة وجهينة وغفار وأشجع وأسلم ﴿أن يتخلفوا عن رسول الله﴾ إذا خرج إلى جهاد ودعا بالنفير العام وفي هذا عتاب ولوم شديد لمن تخلفوا عن غزوة تبوك وقوله ﴿ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه﴾ أي بأن يطلبوا لأنفسهم الراحة دون نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله ﴿ذلك﴾ أي النهي الدال عليه بصيغة ما كان لأهل المدينة وهي أبلغ من النهي بأداته (لا) لأنه نفي للشأن أي هذا مما لا ينبغي أن يكون أبداً. وقوله ﴿بأنهم لا يصيبهم﴾ بسبب أنهم لا يصيبهم ﴿ظمأ﴾ أي عطش ﴿ولا نصب﴾ أي تعب ﴿ولا مخمصة﴾ ١ أي جوع شديد في سبيل الله أي في جهاد أهل الكفر لإعلاء كلمة الإسلام التي هي كلمة الله ﴿ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار﴾ أي ولا يطأون أرضاً من أرض العدو يغتاظ لها العدو الكافر ويحزن ﴿ولا ينالون من عدو﴾ ٢ أي لله تعالى ﴿نيلاً﴾ أي منالاً أي أسرى أو قتلى أو غنيمة منه أو هزيمة له ﴿إلا كتب لهم به عمل صالح﴾ فلهذا لا ينبغي لهم أن يتخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يفوتهم هذا الأجر العظيم. وقوله ﴿إن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾ تعليل لتقرير الأجر وإثباته لهم إن هُم خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحسنوا الصحبة والعمل وقول تعالى ﴿ولا ينفقون نفقة﴾ أي في سبيل الله الذي هو هنا الجهاد ﴿صغيرة ولا كبيرة﴾ أي قليلة ولا كثيرة ﴿ولا يقطعون وادياً﴾ ذاهبين إلى العدو أو راجعين ﴿إلا كتب لهم﴾ ٣ أي ذلك المذكور من النفقة والسير٤ في سبيل الله. وقوله تعالى ﴿ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون﴾ أي جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه قبل خروجهم في سبيل الله. وقوله تعالى ﴿فلولا نفر من كل فرقة﴾ ٥ أي قبيلة منهم طائفة أي جماعة ﴿ليتفقهوا في الدين﴾ بما

١ أصل المخمصة: ضمور البطن يقال: رجل خمص الباطن أي: ضامره وامرأة خمصانة.
٢ يقال: نال الشيء يناله: إذا أصابه، فينالون: بمعنى يصيبون.
٣ قال ابن عباس بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. وجاء في الصحيح في شأن الخيل وفيه: "وأمّا التي هي له أجر فرجلٌ ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إلا كتب عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات".
٤ روى مسلم وأبو داود أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم في المدينة؟ قال حبسهم العذر".
٥ هذه الآية دليل على أن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا إذا عيّنة الإمام أو هاجم العدو دار قوم مؤمنين فيجب عليهم قتاله كافة كما هي نص في وجوب طلب العلم وهو بالرحلة الطويلة إليه. وفي الحديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهذا الحديث دليل على أن طلب العلم يكون فرض عين ويكون فرض كفاية.

صفحة رقم 437

يسمعون من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتعلمونه منه ﴿ولينذروا قومهم﴾ عواقب الشرك والشر والفساد ﴿لعلهم يحذرون﴾ ذلك فينجون من خزى الدنيا وعذاب الآخرة هذه الآية نزلت لما سمع المسلمون ورأوا نتائج التخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا لن نتخلف بعد اليوم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً ولا نتخلف عن غزو ما حيينا فأنزل الله تعالى هذه الآية يرشدهم إلى ما هو خير وأمثل فقال ﴿فلولا﴾ أي فهلا نفر من كل فرقة منهم أي قبيلة أو حيّ من أحيائهم طائفة فقط وتبقى طائفة منهم بدل أن يخرجوا كلهم ويتركون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده فإن خروجهم على هذا النظام أنفع لهم فالذين يبقون مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يخرجون معه إذا خرج يتفقهون في الدين لصحبتهم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والباقون هم في مهام دينهم أيضاً ودنياهم فإذا رجع أولئك المتفقهون علموا إخوانهم ما فاتهم من العلم وأسرار الشرع كما أن الذين ينفرون إلى الجهاد قد يشاهدون من نصر الله لأوليائه وهزيمته لأعدائه ويشاهدون أيضاً ضعف الكفار وفساد قلوبهم وأخلاقهم وسوء حياتهم فيعودون إلى إخوانهم فينذرونهم ما عليه أهل الكفر والفساد فيحذرون منه ويتجنبونه وفي هذا خير للجميع وهو معنى قوله تعالى ﴿ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
١- وجوب إيثار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النفس بكل خير بل بالحياة كلها.
٢- بيان فضل السير في سبيل الله، وما فيه من الأجر العظيم.
٣- فضل الإحسان وأهله.
٤- تساوي فضل طلب العلم والجهاد على شرط النية الصالحة في الكل وطالب العلم لا ينال هذا الأجر إلا إذا كان يتعلم ليعلم فيعمل فيعلم مجاناً في سبيل الله والمجاهد لا ينال هذا الأجر إلا إذا كان لإعلاء كلمة الله خاصة.
٥- حاجة الأمة إلى الجهاد والمجاهدين كحاجتها إلى العلم والعلماء سواء بسواء.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)

صفحة رقم 438
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية