
﴿تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [الأحزاب: ٥] أي: فهم إخوانكم" (١).
قال أبو حاتم: "قال أهل البصرة أجمعون: "الإخوة" في النسب، و"الإخوان" في الصداقة، قال: وهذا غلط، يقال للأصدقاء وغير الأصدقاء: إخوة وإخوان قال الله سبحانه (٢) وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠] لم يعن (٣) النسب، وقال -عز وجل-: ﴿أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ﴾ [النور: ٦١] وهذا في النسب" (٤).
قال ابن عباس: "حرمت هذا الآية دماء أهل القبلة" (٥).
﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [أي: نبينها، يعني آيات القرآن ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾] (٦) أنها من عند الله.
١٢ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ يقال: نكث فلان عهده: إذا نقضه بعد إحكامه كما ينكث خيط الصوف بعد إبرامه (٧)، وهو الغزل من الصوف والشعر يُبرم وُينسج، فإذا أخلقت (٨) النسيجة قطعت ونكثت (٩) خيوطها المبرمة وخلطت بالصوف وميشت (١٠)، ثم غزل ثانية،
(٢) في (ح): (قال الله تعالى)، وفي "تهذيب اللغة": قال الله جل وعز.
(٣) في (ى): (يعني).
(٤) "تهذيب اللغة" ١/ ١٢٨ بنحوه.
(٥) رواه ابن جرير ١٠/ ٨٧ وفي سنده رجل لم يسم.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ى).
(٧) في (م): (انبرامه).
(٨) في (ى): (اختلفت)، وما أثبته موافق لما في "تهذيب اللغة" (نكث) ٤/ ٣٦٥٨، وفي "مجمل اللغة" (نكث) ٤/ ٨٨٤: النكث: أن تنقض أخلاق الأكسية، وتغزل ثانية.
(٩) في (م): (ونكث).
(١٠) الميش: خلط الشعر بالصوف، انظر: "تهذيب اللغة" (ماش) ٤/ ٣٣٢٦، و"القاموس المحيط"، فصل الميم، باب الشين ص ٦٠٦.

ومنه قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [النحل: ٩٢] والأيمان: جمع يمين، بمعنى الحلف والقسم، وقيل للحلف يمين باسم اليد، وكانوا يبسطون أيمانهم إذا حلفوا أو تحالفوا أو تعاقدوا، وقيل: سمي القسم يميناً ليمن البرّ فيه.
قال (١) المفسرون: يعني مشركي قريش، يقول: "إن نقضوا عهودهم" (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [قال ابن عباس: يريد: اغتابوكم وغمصوا عليكم في دينكم] (٣)، يقال: طعنه بالرمح يطعنه، وطعن بالقول السيىء (٤) يطعن (٥)، قال الليث: "وبعضهم يقول: يطعُن بالرمح ويطعَن بالقول، فيفرق بينهما" (٦)، وقال الزجاج: "وهذه الآية توجب قتل الذمي إذا أظهر الطعن في الإسلام؛ لأن العهد معقود عليه ألا يطعن فإن طعن فقد نكث" (٧).
(٢) انظر: "تفسير ابن جرير" ١٠/ ٨٧ - ٨٩، والبغوي ٤/ ١٧، و"زاد المسير" ٣/ ٤٠٤.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ي) والغمص: الاحتقار والاستصغار. انظر: "لسان العرب" (غمص) (٧/ ٦١.
(٤) في (م): (السيء الذي).
(٥) بضم العين. قال الكسائي: لم أسمع أحدًا من العرب يقول: يطعَن بالرمح ولا في الحسب، وإنما سمعت "يطعُنُ". وقال الفراء: سمعت أنا "يطعَن" بالرمح. انظر: "تهذيب اللغة" (طعن) ٣/ ٢١٩٥.
(٦) "تهذيب اللغة" (طعن) ٣/ ٢١٩٥، ونحوه في كتاب "العين" (طعن) ٢/ ١٥، وقد رد الخليل هذا القول، وقال: كلاهما مضموم.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٤.

قال أصحابنا (١): "إذا بلغنا عن طائفة من أهل الذمة الطعن في ديننا انتقض بذلك عهدهم لقوله: ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾.
قال ابن عباس والمفسرون: "هم رؤوس قريش وصناديدها" (٢)،
وقال الزجاج: "أئمة الكفر: رؤساء الكافرين وقادتهم لأن الإمام متبع (٣)، وذكرنا معنى (٤) الإمام عند قوله: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا (٥)﴾ (٦) وفي:
(٢) انظر أقوال المفسرين سوى ابن عباس في: "تفسير ابن جرير" ١٠/ ٨٨، وابن أبي حاتم ٦/ ١٧٦١، وروياه عن ابن عباس بلفظ مغاير، قال: يعني أهل العهد من المشركين، وأثر ابن عباس الذي ذكره المصنف ذكره أيضًا في "أسباب النزول" ص ٢٤٦، ورواه أبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٣/ ٣٨٨، والبغوي ٤/ ١٧، قال القرطبي ٨/ ٨٤: هذا بعيد؛ فإن الآية في سورة "براءة" حين نزلت وقرئت على الناس كان الله قد استأصل شأفة قريش فلم يبق إلا مسلم أو مسالم". قلت: ومما يؤيد قول القرطبي -رحمه الله- ما رواه ابن جرير ١٠/ ٨٨، وابن أبي حاتم ٦/ ١٧٦١ عن حذيفة قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد، وأصله في صحيح البخاري (٤٦٥٨)، كتاب التفسير: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ..﴾.
ولا يقال إن هذه الآية نزلت قبل فتح مكة ثم ضمت إلى سورة "براءة" لثبوت بعث علي -رضي الله عنه- بصدر سورة "براءة" وقت نزولها، وثبوت أن المبعوث معه كان أربعين آية. انظر: "تفسير ابن جرير" ١٠/ ٦٥، وقد صحح المحقق السند كما في المصدر نفسه ٥/ ١٧٠.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٤.
(٤) ساقط من (ى).
(٥) ساقط من (ح).
(٦) من الآية: ١٢٤ من سورة البقرة. وانظر "النسخة الأزهرية" ١/ ٨٥ أ، وقد قال هناك: "الإمام: كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين، والنبي إمام أمته، والخليفة إمام رعيته، والقرآن إمام المسلمين... إلخ".

"أئمة" قراءتان (١) بتحقيق الهمزتين، وقلب الثانية ياء (٢).
قال أبو إسحاق: "الأصل في أئمة أَأْمِمَة (٣)؛ لأنها جمع إمام، مثل: قال وأمثلة، ولكنّ الميمين لما اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية وأُلقيت حركتها (٤) على الهمزة فصارت أئمة فأبدل من الهمزة المكسورة الياء (٥)؛ لكراهة اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة، هذا هو الاختيار عند جميع النحويين (٦)، وذكرنا وجه هذا عند قوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة: ٦].
قال الزجاج: ومن قرأ بهمزتين فينبغي (٧) أن يقرأ أَأْدم بهمزتين، والإجماع أن آدم فيه همزة واحدة، والاختلاف يرد إلى الإجماع وليس "أئمة" باجتماع الهمزتين من مذهب (٨) أصحابنا (٩) وإلا ما يحكى عن ابن
(٢) ساقط من (ى).
(٣) في (ى): (أممة)، وما أثبته موافق لما في "معاني القرآن واعرابه" و"تهذيب اللغة" (أم) ١/ ٢٠٦.
(٤) في (ى): (لحركتها)، وما في (ح) موافق لما في "معاني القرآن وإعرابه" و"تهذيب اللغة" (أم) ١/ ٢٠٦.
(٥) اهـ. كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٥.
(٦) نسبه للنحويين أيضًا الزجاج في "معاني القرآن" ٢/ ٤٣٤، وانظر: "كتاب سيبويه" ٣/ ٤٤٣، و"المقتضب" ١/ ١٥٩، و"تهذيب اللغة" (أم) ١/ ٢٠٦، و"الخصائص" لابن جني ٣/ ١٤٣، و"أوضح المسالك" ٣/ ٣٢٤ - ٣٢٦.
(٧) في (ح): (فينبغي له)، والزيادة غير موجودة في "معاني القرآن وإعرابه" ولا في "تهذيب اللغة" (أم).
(٨) في (م): (مذاهب).
(٩) يعني البصريين، انظر: "كتاب سيبويه" ٣/ ٥٥١، وكتاب "التكملة" ص ٢١٩.

أبي إسحاق (١) أنه كان يُجيز اجتماعها" (٢).
واختلفوا في التفضيل في الإمامة فعند المازني يقال: "هذا أومّ من هذا بالواو؛ لأن الأصل أأمّ فلم يمكن أن يبدل من الهمزة الثانية ألفاً لاجتماع الساكنين فجعلت واوًا مفتوحة كما قالوا في جمع آدم: أوادم، وآخر: أواخر (٣).
وعند الأخفش يقال: أيمّ (٤)؛ لأن الهمزة الثانية من هذه الكلمة كلما تحركت (٥) أبدل (٦) منها ياء، نحو: أيمة، قال الزجاج: "والقياس
والصواب ما ذكره الواحدي؛ إذ هو عبد الله بن أبي إسحاق زيد بن الحارث الحضرمي مولاهم البصري النحوي المقرئ، من قدماء النحويين، وهو أول من مد القياس في النحو، وشرح العلل، وتوسع في ذلك، توفي سنة ١١٧هـ، وقيل ١٢٩ هـ. انظر: "طبقات النحويين واللغويين" ص٣١، و"غاية النهاية" ١/ ٤١٠.
وانظر: مذهب ابن أبي إسحاق في اجتماع الهمزتين في "كتاب سيبويه" ٣/ ٤٤٣، و"المقتضب" ١/ ١٥٩، و"إعراب القرآن للنحاس" ٢/ ٧، و"الحجة" ١/ ٢٧٤.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٤ - ٤٣٥ بتصرف.
(٣) انظر رأي المازني في "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٥، و"لسان العرب" (أمم) ١/ ١٣٣، هكذا نقل عن المازني وفي "المنصف شرح التصريف" ٢/ ٣١٨: قال أبو عثمان -يعني المازني-: "والقياس عندي أن أقول في "هذا أفعل من هذا" من "أممت" وأخواتها: هذا أيم من هذا".
(٤) انظر: "معاني القرآن" له ١/ ٣٥٥، و"معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٢/ ٤٣٥، وفي "المنصف شرح التصريف" ٢/ ٣١٥، سألت أبا الحسن -يعني الأخفش- عن. "هذا أفعل من هذا من أممت، أي قصدت" فقال: أقول: "هذا أوم من هذا".
(٥) في (ح): (تحرك).
(٦) في (ي): (أبدلت).

هو الأول" (١).
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾، قال الفراء: "أي لا عهود لهم" (٢)، وفيه قراءتان: فتح الهمزة وكسرها (٣).
قال الزجاج: "من قرأ: ﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ فقد وصفهم بالنكث في العهود وهو أجود القراءتين (٤) " (٥).
والذي يقوي الفتح قوله: ﴿قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ [التوبة: ١٣] ولأنه إذا قال: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ عُلم أنه لا إيمان لهم، فالفتح في قوله: ﴿لَا أَيْمَانَ﴾ أولى؛ لأنه لا يكون تكريرًا إذ لم يقع عليه دلالة من الكلام الذي تقدمه كما وقع على الكسر.
ومعنى ﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ أي لا أيمان لهم صادقة؛ لأنه قد أثبت لهم الأيمان في قوله: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ [وفي قوله: ﴿قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾] (٦) [التوبة: ١٣] فالمنفي هاهنا غير الموجب هناك؛ لأن معنى المنفي: لا أيمان لهم يفون بها، ولا أيمان لهم صادقة كما قال (٧):
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٤٢٥.
(٣) قرأ ابن عامر بكسر الهمزة من كلمة "إيمان" وقرأ الباقون بفتحها.
انظر: "كتاب السبعة" ص٣١٢، و"الغاية في القراءات العشر" ص١٦٤، و"التبصرة في القراءات" ص ٢١٤، و"تقريب النشر" ص ١٢٠.
(٤) كلا القراءتين سبعيتان متواترتان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد خفي ذلك على الإمام ابن جرير -رحمه الله- فرد قراءة ابن عامر، وزعم أن القراءة بها لا تجوز.
انظر: "تفسيره" ١٠/ ٨٩، وانظر الرد عليه في كتاب: "القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير" ص ٤٥٢.
(٥) اهـ. كلام الزجاج. انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٥.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).
(٧) لم أهتد إلى القائل، والبيت بلا نسبة في "تفسير الثعلبي" ٦/ ٨٣ أ، و"الجامع=

وإن حلفت لا ينقض النأيُ عهدها | فليس لمخضوب البنان يمين |
ومن قرأ بالكسر فقال الفراء: "يريد: أنهم كفرة لا إسلام لهم" قال: "وقد يكون المعنى: لا تُؤمنوهم، فيكون مصدر قولك: آمنته إيماناً" (٢).
وذكر أبو إسحاق أيضًا الوجهين (٣).
وشرح أبو علي هذا فقال: "الإيمان ههنا يراد به الذي هو ضد التخويف، أي: ليس لأئمة الكفر من المشركين إيمان كما يكون لذوي الذمة من أهل الكتاب؛ لأن المشركين لا يقرون على دينهم، فلا يكون على هذا: الإيمان الذي هو خلاف الكفر، فيكون تكريرًا لدلالة ما تقدم من قوله: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ على أن أهل الكفر لا إيمان لهم" (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾، قال ابن عباس: "يريد: كي ينتهوا عن الشرك بالله" (٥).
وقال الزجاج: "أي ليرجى منهم الانتهاء" (٦).
(١) ساقط من (ح).
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٤٢٥، وفي "لسان العرب" (أمن) ١/ ١٤١: "يقال: آمن فلانٌ العدو إيمانًا، فأمن يأمن والعدو مؤمن".
(٣) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٥، ٤٣٦.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٤/ ١٧٨ باختصار وتصرف.
(٥) ذكر الأثر المصنف في "الوسيط" ٢/ ٤٨١.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣٦.