
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) اقترن الأمر بالتقوى مع الأمر بالصدق والدخول في زمرة الصادقين؛ لأن التقوى هي
صفحة رقم 3476
امتلاء النفس بخشية اللَّه تعالى، والوقاية مما يغضبه ولا يرضيه، فهي وقاية من العذاب، ومن هذه الوقاية طلب الرضا، فلا يقي من غضب اللَّه إلا طلب رضاه بطاعته ومحبته وعبادته، وإن الصدق طريقها، وهما معا، " ولقد سئل النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم: أيكون المؤمن جبانا؟ فقال: يكون، فقيل: أيكون بخيلا؟ قال) يكون، فقيل: أيكون كذابا؟ قال - ﷺ -: لَا يكون المؤمن كذابا " (١) وقال في الأمر بالصدق (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أي كونوا في صحبتهم رحمهم اللَّه، مثل الذين صدقوا في تخلفهم وغيرهم من الصادقين، و (أل) للاستغراق تشمل كل صادق من المؤمنين، فلا يقصد جمع معين؛ لأنه لَا عهد ليعين ذلك الجمع، فاللفظ يكون على عمومه، وتكون للاستغراق وعموم أصل الصدق الذين يصير الصدق وصفا ملازما لهم، ولقد قال - ﷺ -: " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند اللَّه صديقا "، ويقول - ﷺ -: " إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابا " (٢).
والصدق ليس مقصورا في معناه على الصدق في الخبر، بل إن ذلك أظهره وأقربه، وإن كان يشمل صدق الإيمان بأن يؤمن باللَّه ورسوله، وأن يقوم بما يوجبه الإيمان، ويصدق في الجهاد، ويصدق أمام الناس في إيمانه، فلا يخالف لسانه قلبه ولا عمله قوله، ومن الصدق صدق النفس فلا يكذب على نفسه، فيحسن عمله وهو قبيح، ولا يخدع نفسه، ومن الصدق الإخلاص في كل ما يظهر على لسانه، فلا يخادع ولا ينافق، وفي الجملة الصدق ملاك الأخلاق الفاضلة، والإيمان الصحيح، والعمل الصالح.
________
(١) موطأ مالك: الجامع (١٨٦٢) عن صفوان بن سليم رضي الله عنه.
(٢) سبق تخريجه.

وقوله تعالى: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) يفيد أن اللَّه تعالى يحث المؤمن على أن يعيش في بيئة يكون فيها الصدق سائدا، والبر مسيطرا، فإن فساد البيئة الفكرية والخلقية يؤدي إلى عموم الفساد، والبيئة الصالحة، تهذب آحادها، وتجعل الشر يختفي والخير يظهر، وظهور الخير يدعو إليه، وظهور الشر يحرض عليه.
وقد حرض الله تعالى أهل المدينة بعد الأمر بالصدق على الجهاد؛ لأن الجهاد من صدق الإيمان كما أشرنا عند الكلام في معنى الصدق، فقال تعالى: