آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۚ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

وقوله سبحانه: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ: قِيل: هو لفظ عامّ، أمر صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يبشِّر أمته جميعاً بالخير من اللَّه، وقيل: بل هذه الألفاظ خاصَّة لمن لم يَغْزُ، أي: لما تقدَّم في الآية وعْدُ المجاهدين وفضلهم، أمر صلّى الله عليه وسلّم، أنْ يبشِّر سائر المؤمنين ممَّن لم يَغْزُ بأنَّ الإيمان مُخَلِّص من النَّار، والحمد للَّه رب العالمين.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٣ الى ١١٦]
مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦)
وقوله سبحانه: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ... الآية:
جمهورُ المفسِّرين أنَّ هذه الآية نزلَتْ في شَأْن أبي طالب، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دَخَلَ عَلَيْهِ حين احتضر، فَوَعَظَهُ، وقَالَ: «أَيْ عَمِّ قُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ»، وَكَانَ بالحَضْرة أَبو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّه بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقالا لَهُ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَترغَبُ عن ملَّة عَبْدِ المطَّلِبِ؟ فَقالَ أبو طَالِبٍ: يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ، لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يُعَيَّرَ بِهَا وَلَدِي مِنْ بَعْدِي، لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ إذ لم يسمع منه صلّى الله عليه وسلّم ما قال العبَّاس، فنزلَتْ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: ٥٦] فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وَاللَّهِ، لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»، فَكَانَ يستغفر له حَتَّى نَزَلَتْ هذه الآية «١»، فترك نبيُّ اللَّه الاستغفار لأَبي طالب، وروي أنَّ المؤمنين لما رأَوْا نبيَّ اللَّه يستغفرُ لأبي طالب، جعلوا يَسْتَغْفِرُونَ لموتاهم، فلذلك دَخَلُوا في النّهي، والآية على هذا ناسخة

(١) أخرجه البخاري (٣/ ٢٦٣) كتاب «الجنائز» باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلّا الله، حديث (١٣٦٠)، وفي (٧/ ٢٣٢) كتاب «مناقب الأنصار» باب: قصة أبي طالب، حديث (٣٨٨٤)، وفي (٨/ ١٩٢) كتاب «التفسير» باب: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، حديث (٤٦٧٥) وفي (٨/ ٣٦٥) كتاب «التفسير» باب: إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، حديث (٤٧٧٢) وفي (١١/ ٥٧٥) كتاب «الأيمان والنذور»، حديث (٦٦٨١)، ومسلم (١/ ٢٤٤- ٢٤٥) - شرح النووي، كتاب «الإيمان» باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، حديث (٣٩/ ٢٤)، والنسائي (٤/ ٩٠- ٩١) كتاب «الجنائز» باب: النهي عن الاستغفار للمشركين، حديث (٢٠٣٥)، وأحمد (٥/ ٤٣٣)، والطبري (٦/ ٤٨٨) رقم: (١٧٣٣٩)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢/ ٣٤٢- ٣٤٣) كلهم من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبيه به، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٠٥) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ، وابن مردويه.

صفحة رقم 221

لفعله صلّى الله عليه وسلّم إِذ أفعاله في حُكْم الشرعِ المستقِرِّ، وقال ابن عبَّاس وقتادة «١» وغيرهما: إِنما نزلَتِ الآية بسببِ جماعةٍ من المؤمنين قالوا: نَسْتَغْفِرُ لموتانا كما استغفر إِبراهيمُ عليه السلام، فنزلَتِ الآية في ذلك، وقوله سبحانه: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ...
الآية: المعنى: لا حجَّة أَيُّها المؤمنون في استغفار إِبراهيم عليه السلام، فإِن ذلك لم يكُنْ إِلا عن موعدةٍ، واختلف في ذلك، فقيلَ: عن مَوْعِدَةٍ من إِبراهيم، وذلك قوله: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا [مريم: ٤٧] وقيل: عن موعِدَةٍ من أبيه له في أنَّهُ سيؤمن، فَقَوِيَ طمعه، فحمله ذلك على الاستغفار له حتى نُهِيَ عنه، ومَوْعِدَة مِنَ الوَعْدِ، وأما تبيُّنه أنه عَدُوٌّ للَّه، قيل: ذلك بموت آزر على الكُفْر، وقيل: ذلك بأنه نُهِيَ عنه، وهو حيٌّ، وقوله سبحانه: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ثَنَاءٌ مِنَ اللَّه تعالَى على إِبراهيم، و «الأَوَّاهُ» معناهُ الخَائِفُ الذي يُكْثِرُ التَّأَوُّهَ مِنْ خَوفِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، والتَّأَوُّهُ: التوجُّع الذي يَكْثُرُ حَتَّى ينطق الإِنسان معه ب «أَوَّهْ» ومن هذا المعنَى قولُ المُثَقِّب العَبْدِي: [الوافر]

إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحُلُهَا بِلَيْلٍ تَأَوَّهُ أَهَّةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ «٢»
ويروى: آهَة.
وروي أن إبراهيم عليه السلام كان يُسْمَعُ وَجِيبُ قَلْبِهِ «٣» من الخشية، كما تُسْمَعُ أَجنحة النُّسُور، وللمفسِّرين في «الأَوَّاه» عباراتٌ كلُّها ترجعُ إِلى ما ذكرتُه.
ت: روى ابن المبارك في «رقائقه»، قال: أخبرنا عبدُ الحميدِ بْنُ بَهْرَام، قال:
حدَّثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّاد، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الأَوَّاهُ؟ قالَ: «الأَوَّاهُ الخَاشِعُ الدَّعَّاءُ المُتَضَرِّعُ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ» «٤» انتهى.
وحَلِيمٌ مَعناه: صابرٌ، محتملٌ، عظيمُ العَقْل، والحِلْمُ: العقل. وقوله سبحانَهُ:
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ... الآية: معناه التأنيسُ للمؤمنين، وقيل: إن
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» عن قتادة، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٠٦)، وعزاه أيضا لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٩١). [.....]
(٣) وجب القلب يجب: وجبا ووجيبا ووجوبا، ووجبانا: خفق واضطرب.
ينظر: «لسان العرب» (٤٧٦٧).
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٤٩٨) برقم: (١٧٤٣١) من حديث عبد الله بن شداد، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٠٩)، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.

صفحة رقم 222
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية