آيات من القرآن الكريم

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)
(... كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)، (... لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا...)، (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)، تلك قواعد قرآنية توجب ألا يغني عمل إنسان عن إنسان غيره، ولقد كان بعض المؤمنين لمحبة رابطة بين أحد المؤمنين والمشركين يطلب المؤمن المغفرة لمن يحبه من المشركين لرحم جامعة أو قرابة رابطة، أو لمودة موصولة، فنهى الله نبيه صلى اِلله تعالى عليه وسلم عن ذلك هو ومن معه من المؤمنين، فقال تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) أي أصحاب قربى قريبة، فقربى مؤنث أقرب، أي ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم، وقد رد الله تعالى استغاثة نوح لابنه، وقال: (... إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحً...).
يقول (مَا كَانَ لِلنَّبِي...)، أي ما ساغ له، وما صح للنبي الذي يدعو إلى الحق أن يستغفر لمن يصد عنه، ويعانده، ويقاومه، ما دام قد ضل لَا يحل الاستغفار له إذا مات على ضلاله، ولقد روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في حال شدة قومه عليه في واقعة أحد عندما كسرت ثنيته: " اللهم اغفر

صفحة رقم 3458

لقومي فإنهم لَا يعلمون "، ألا يعد هذا استغفارًا؛ ويرد على ذلك بأن دعوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دعوة بالمغفرة التي تلازمها التوبة، والتوبة محتملة وقريبة، ما داموا أحياء، فإذا ماتوا فقد انقطعت التوبة وصاروا من أصحاب النار، وهذا موضع النهي، فالاستغفار للأحياء يجوز لرجاء التوبة، والاستغفار دعوة بها، والتعبير للمشركين في قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ).
والتعبير بالمشركين لبيان عدم شفاعة ربهم، وضلالهم في أن جعلوا الأحجار أندادا لله تعالى، وقوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى) أي مهما ربطتكم بهم الروابط كما ذكرنا، وذلك لتوثيق المنع، وتأكيده.
وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) أي ما كان للنبي والمؤمنين أن يستغفروا للمشركين من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم، وذلك بوفاتهم مشركين معاندين لرب العالمين، فإنه بعد الوفاة لَا رجاء في توبتهم، حتى يستغفر لهم، ولذلك قالوا: إن الأحياء من المشركين يجوز الاستغفار لهم، لأنه طلب المغفرة لهم، وطلب المغفرة يستدعي الدعاء لهم بالتوبة، والدعاء بالتوبة جائز، وأما الاستغفار لمن مات فقد تبين أنه في الجحيم، ولا توبة، لأنه انتقل من دار التكليف إلى دار الحساب والجزاء، وفي قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) ملاحظتان بيانيتان:
الأولى: في قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ) فإنها تشير إلى ما فعلوا من أذى عاينوه، وعناد قاوموا به الحق، ثم ماتوا وهم كارهون للحق وأهله مقاومين كافرين بالله ورسوله.
الثانية: في التعبير بـ (أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)، أي الذين يلازمونها، والتعبير يشعر بأنهم مقصورون عليها ومقصورة عليهم أي لَا يتجاوزونها أبدا، وهي لازمة لهم ولأمثالهم.

صفحة رقم 3459

قال تعالى:

صفحة رقم 3460
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية