
﴿وَبَشِّرِ المؤمنين﴾.
أي: بشر من آمن، وفعل هذه الصفات من التوبة والعبادة وغيرهما، وإن لم يغزوا.
وقال الحسن في هذه الآية: ﴿العابدون﴾: الذين عبدوا الله تعالى، في أحايينهم كلها، أما والله ما هو بشهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين، ولكن كما قال العبد الصالح: ﴿وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة مَا دُمْتُ حَيّاً﴾ [مريم: ٣١].
قال: و ﴿السائحون﴾ الصائمون. وقال: ﴿الآمرون بالمعروف﴾، أما والله، ما أمروا بالمعروف، حتى أمروا به أنفسهم، ولا نهوا عن المنكر، حتى نهوا عنه أنفسهم، ﴿والحافظون لِحُدُودِ الله﴾، قال: هم القائمون على فرائض الله.
قوله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ﴾، إلى قوله: ﴿حَلِيمٌ﴾.
والمعنى: ما ينبغي للنبي ﷺ، والمؤمنين: ﴿أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى﴾ منهم، ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجحيم﴾، أي: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله سبحانه، وقد قضى القرآن (أنّ) من مات على الشرك، أنَّه من أهل النار.
وهذه الآية نزلت في شأن أبي طالب، أراد النبي عليه السلام، أن يستغفر له بعد موته، فنهاه الله، تعالى، عن ذلك.

وروى الزهري عن ابن المسيب عن أبيه، أنه قال: " لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة، دخل عليه النبي ﷺ، وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أمية: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أُحاجُّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيءٍ تكلم به: أنا على ملة عبد المطلب، فقال النبي ﷺ: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنه عنك. فنزلت: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ "، الآية، ونزلت: ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦]، الآية.
الزهري عن ابن المسَيَّب قال: لما أحتضر أبو طالب أتاه النبي عليه السلام، وعنده عبد الله بن أبي أمية، وأبو جهل بن هشام، فقال له رسول الله ﷺ، أي عم إنك أعظم الناس عليّ حقاً، وأحسنهم يداً، لأنت أعظم من والدي، فقل كلمة تجب لي يوم القيامة بها الشفاعة لك، قل: لا إله إلا الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟

فسكت، فأعادها عليه رسول الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ومات.
فقال النبي ﷺ: والله لأستغفرنَّ له ما لم أُنه عن ذلك، فأنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ﴾، الآية.
وقال مجاهد قال المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا، وقد استغفر إبراهيم لأبيه كافراً؟ فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ﴾، الآية.
وقال عمرو بن دينار: قال النبي عليه السلام، استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني الله عنه.
فقال أصحابه: فلنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي عليه السلام، لعَمِّه، فأنزل الله، تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا﴾، إلى: ﴿حَلِيمٌ﴾.
وقيل: نزلت في أُمِّ رسول الله عليه السلام أراد أن يستغفر لها، فمنع من ذلك.
رُوي أن النبي ﷺ، لما قدم مكة، وقف على قبر أُمه حتى سَخِنَت عليه الشمس، رجاء أن يُؤْذن له فيستغفر لها/، حتى نزلت: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ﴾، الآية قال ذلك ابن

عباس، وغيره.
ولم يختلف أهل العلم في الدعاء للأبوين ما دام حيين، على أيّ دين كانا، يدعى لهما بالتوفيق والهداية، فإذا ماتا على ك فرهما لم يستغفر لهما.
رُوي أن الآية نزلت في أبوي النبي عليه السلام، وذلك أنه ﷺ، سأل جبريل، عليه السلام، عن قبر أبويه، فأرشده إليهما، فذهب إليهما، فكان يدعو لهما، وعلي رضي الله عنهـ، يُؤَمِّنُ، فنهي عن ذلك، وأُعلم أنّ إبراهيم، صلوات الله عليه، إنما أستغفر لأبيه؛ لأن أباه وعده أن يُسْلِمَ، ويترك عبادة الأصنام، فكان إبراهيم يستغفر له طمعاً أن يؤْمن، فلما مات على كفره، تبرأ منه.
و" المَوْعِدَةُ " التي وعد إبراهيم أبوه هو أنه وعده أن يؤمن.
وقيل: بل هي كانت من إبراهيم لأبيه وعده أن يستغفر له، حكى الله عنه أنه قال: ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي﴾ [مريم: ٤٧]، فلزمه إتمام وعده.

وقوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ﴾.
فنهى الله، تعالى، عن الاستغفار له تبرؤاً منه.
وقيل: لما مات على كفره تبرأ منه.
[فدل قوله: ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾] على هذا المعنى، أنه (إنما) استغفر له وهو حي لوعد وعده، أنه يؤمن، فلما رآه لا يؤمن، وأنه متماد على الكفر تبرأ منه.
وقيل: لما مات على كفره، (ولم يؤمن)، تبرأ منه، وترك الاستغفار له، قال ذلك ابن عباس، وغيره.
وقال ابن جبير: إنما تبرأ منه في الآخرة، وذلك إنَّ إبراهيم عليه السلام يسأل في والده يوم القيامة ثلاث مرات، فإذا كانت الثالثة، أخذ بيده، فليتفت إليه، فيتبرأ منه.
و" الأَوَّاهُ " الدَّعَّاء.

وقيل: الرحيم. قال ذلك قتادة، والحسن، وروي ذلك عن ابن مسعود.
وعن ابن عباس: أنَّه: الموفق، بلسان الحبشة، (وكذلك قال مجاهد وعطاء.
وعن ابن عباس أيضاً: " الأوّاه " بلسان الحبشة)، المؤمن التواب.
وقال كعب: " الأوَّاهُ " الذي إذا ذكر النار تأوّه.
وعن ابن جبير: أنه المُسبِّحُ، الكثير الذكر لله تعالى.
وروي ذلك عن النبي ﷺ.
وروي عن النبي، أنه قال لرجل: " يرحمك الله إن كنت لأواهاً " يعني

تلاءً للقرآن.
وقال كعب " الأوَّاه " الكثير التَّأوُّهِ.
وعن مجاهد أيضاً: أنه الفقيه..
وروى شَدَّاد بن الهادي، قال رجل لرسول الله ﷺ،: ما لأواه فقال: المتضرع.
وفي حديث آخر: الخاشع المتضرع.
ومعنى ﴿حَلِيمٌ﴾، أي: حليم عمن ظلمه.
وعن النبي ﷺ، أيضاً " الأوّاه "، الدَّعّاء.