
الرسول فيها وجهان أظهرهما أنها معطوفة على قربات والمعنى أن ما ينفقه سبب لحصول القربات عند الله وصلوات الرسول لأن الرسول كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم، وثانيهما أنها عطف على ما ينفق وتقديره وصلوات الرسول قربات، وقربات مفعول ثان ليتخذ. (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ألا حرف تنبيه والجملة مستأنفة مؤكدة بألا وانها لثبات الأمر. وإن واسمها وخبرها ولهم صفة لقربة وسيدخلهم السين حرف استقبال ويدخلهم الله فعل مضارع ومفعول به وفاعل وفي رحمته جار ومجرور متعلقان بيدخلهم وإن واسمها وخبراها. (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) السابقون مبتدأ والأولون صفة ومن المهاجرين والأنصار حال والذين عطف على السابقون واتبعوهم صلة وبإحسان جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال. (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) الجملة خبر السابقون وهناك وجهان في الخبر ذكرهما أبو البقاء وتبعه أكثر المفسرين لا أعلم كيف استساغهما، الأول أن الخبر هو الأولون وهو ظاهر التهافت والثاني أنه من المهاجرين والأنصار وهو أشد تهافتا. (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) تقدم إعراب نظائر هذه الجملة كثيرا فلا حاجة للإعادة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠١ الى ١٠٤]
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)

اللغة:
(مَرَدُوا) : تمرنوا عليه ولجوا فيه يقال: تمرد فلان إذا عتا وتجبر ومنه الشيطان: المارد، وتمرد في معصيته أي ثبت عليها واعتادها ولم يتب عنها، وأصل مرد وتمرد اللين والملاسة والتجرد، فكأنهم تجردوا للنفاق، ومنه غصن أمرد لا ورق فيه عليه وفرس أمرد لا شعر فيه وغلام أمرد لا شعر بوجهه وأرض مرداء لا نبات فيها وصرح ممرد مجرد. فالمعنى أنهم أقاموا على النفاق وثبتوا عليه ولم ينثنوا عنه.
(سَكَنٌ) : السكن: الطمأنينة فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض.
الإعراب:
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان حال منافقي أهل المدينة ومن حولها من الأعراب بعد بيان حال

أهل البادية، وممن خبر مقدم وحولكم الظرف صلة الموصول ومن الأعراب حال ومنافقون مبتدأ مؤخر. (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) ومن أهل المدينة يجوز أن يكون معطوفا على من المجرورة بمن فيكون المجروران مشتركين في الإخبار بهما عن المبتدأ وهو منافقون كأنه قيل المنافقون من قوم حولكم ومن أهل المدينة ويجوز أن يكون الكلام تم عند قوله منافقون ويكون قوله ومن أهل المدينة خبرا مقدما والمبتدأ بعده محذوف قامت صفته مقامه وحذف الموصوف وإقامة صفته مقامه مطرد نحو منا ظعن ومنا أقام ونحو قوله:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا | متى أضع العمامة تعرفوني |
وآخرون عطف على منافقون أو مبتدأ وجملة اعترفوا بذنوبهم صفته وجملة خلطوا خبره وعملا مفعول خلطوا وصالحا صفة وآخر عطف على عملا وسيئا صفة وسيأتي في باب الفوائد كيفية هذا الخلط وما فيه من أسرار. (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) عسى من أفعال المقاربة وتفيد الرجاء صفحة رقم 167

والله اسمها وأن وما في حيزها خبر وعليهم جار ومجرور متعلقان بيتوب وإن واسمها وخبراها. (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) خذ فعل أمر وفاعله أنت ومن أموالهم جار ومجرور متعلقان بخذ ويكون معنى «من» التبعيض وصدقة مفعول به ويجوز أن تتعلق بمحذوف حال لأنها كانت في الأصل صفة لصدقة فلما قدمت نصبت حالا منها وجملة تطهرهم حال من فاعل خذ إذا كانت التاء في تطهرهم خطابا للنبي ﷺ أو صفة لصدقة إذا كانت التاء للغيبة وتزكيهم بها عطف على تطهرهم. (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وصلّ عطف على خذ وعليهم متعلقان بصلّ وإن واسمها وخبرها ولهم صفة لسكن والله مبتدأ وسميع عليم خبراه.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) الهمزة للاستفهام التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم ويعلموا مضارع مجزوم بلم وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي يعلموا وأن واسمها، وهو مبتدأ وجملة يقبل خبره، والجملة خبر أن، ولا يجوز أن يكون هو فصلا لأن ما بعده لا يلتبس بالوصفية، وعن عباده متعلقان بيقبل. (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) عطف نسق على ما تقدم ويجوز في «هو» هنا أن يكون ضمير فصل وأن يكون مبتدأ.
الفوائد:
١- حذف المنعوت واقامة النعت مقامه:
يجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم وكان النعت صالحا لمباشرة العامل نحو قوله تعالى: «أن اعمل سابغات» أي دروعا سابغات، أو كان النعت جملة أو شبهها وكان المنعوت مرفوعا وبعض

اسم متقدم عليه مخفوض ب «من» أو «في» فالاول كقولهم: منا ظعن ومنا أقام، فظعن وأقام جملتان في موضع رفع وهما نعتان لمنعوتين محذوفين مرفوعين على الابتداء أي منا فريق ظعن ومنا فريق أقام، والثاني كقول أبي الأسود الحماني يصف امرأة:
لو قلت ما في قومها لم تيثم | يفضلها في حسب وميثم |
هذا ويجوز حذف النعت إن علم كقوله تعالى: «وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا» أي كل سفينة صالحة وقول عباس ابن مرداس:
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ | فلم أعط شيئا ولم أمنع |
ورب أسيلة الخدين بكر | مهفهفة لها فرع وجيد |
بقي أنه يجوز حذف المنعوت والنعت معا كقوله تعالى: «لا يموت فيها ولا يحيا» أي حياة نافعة، وقد يحذفان إذا قام مقام النعت معموله صفحة رقم 169