آيات من القرآن الكريم

وَادْخُلِي جَنَّتِي
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸ ﭺﭻ

ألم تر أنّ الله أظهر دينه وصبّ على الكفّار سوط عذاب «١»
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ قال ابن عبّاس: سبحانه يرى ويسمع، وقال مقاتل: ترصد الناس على الصراط، فجعل رصدا من الملائكة معهم الكلاليب والمحاجن والحسك، وقال الضحّاك:
بمرصد لأهل الظلم والمعصية، وقيل: معناه مرجع الخلق ومصيرهم إلى حكمه وأمره، وقال الحسن وعكرمة: ترصد أعمال بني آدم، وعن مقاتل أيضا: ممرّ الناس عليه. عطاء ابن أبي رياح: لا يفوته أحد. يمان: لا محيص عنه. السدي: أرصد النار على طرقهم حتّى تهلكهم، والمرصاد والمرصد الطريق وجمع المرصاد مراصيد وجمع المرصد مراصد.
وروى مقسم عن ابن عبّاس قال: إنّ على جهنّم سبع مجاسر يسأل العبيد عند أوّلهنّ عن شهادة أن لا إله إلّا الله، فإن جاء بها تامّة جاز بها إلى الثاني، فيسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثالث، فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامّة جاز إلى الرابع، فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تامّا جاز إلى الخامس، فيسأل عن الحجّ فإن جاء به تامّا جاز إلى السادس، فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامّة جاز إلى السابع، فيسأل عن المظالم فإن خرج منها وإلّا يقال انظروا، فإن كان له تطوّع أكمل به أعماله، فإذا فرغ به انطلق به إلى الجنّة.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٥ الى ٣٠]
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩)
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ امتحنه رَبُّهُ بالنعمة والوسعة. فَأَكْرَمَهُ بالمال وَنَعَّمَهُ بما وسّع عليه من الأفضال فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ فيفرح بذلك ويسر ويحمد عليه ويشكر، وإِذا مَا ابْتَلاهُ بالفقر فَقَدَرَ وضيّق وقتّر عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ أذلّني بالفقر، ولم يشكر الله على ما أعطاه من سلامة الجوارح ورزقه من العافية والصحّة. قال قتادة: ما أسرع كفر ابن آدم.
وقراءة العامّة فَقَدَرَ بتخفيف الدال، وقرأ أبو جعفر وابن عامر بالتشديد، وهما لغتان وكان أبو عمرو يقول: قدر بمعنى قتّر وقدر هو أن يعطيه ما يكفيه ولو فعل ذاك ما قال: رَبِّي أَهانَنِ، ثمّ ردّ عليه فقال: كَلَّا لم أبتله بالغنى لكرامته عليّ ولم ابتله بالفقر لهوانه عليّ
(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٤٩.

صفحة رقم 200

وأنّ الفقر والغنى من تقديري وقضائي. فلا أكرم من أكرمته بالغنى وكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنته بالفقر وقلّة الدنيا، ولكني إنّما أكرم من أكرمته بطاعتي، وأهين من أهنته بمعصيتي، وقال الفراء: معنى كلا لم ينبغ «١» له أن يكون هذا ولكن ينبغي أن يحمده على الأمرين على الغنى والفقر.
ثم قال: بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ يعني أهنت من أهنت من أجل أنّه لا يكرم اليتيم.
واختلف القرّاء في هذه الآية فقرأ أهل البصرة يكرمون وما بعده كلّه بالياء، وقرأها الآخرون بالتاء وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة تَحَاضُّونَ بالألف وفتح التاء، وروى الشذري عن الكسائي (تُحَاضُّونَ) بضم التاء، غيرهم (تحضّون) بغير الألف. وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ الميراث أَكْلًا لَمًّا شديدا، قال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب غيره. بكر بن عبد الله: اللّمّ الاعتداء في الميراث يأكل ميراثه وميراث غيره. ابن زيد: الأكل اللمّ الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل عنه أحلال أم حرام، ويأكل الذي له والذي لغيره، وذلك أنّهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان، وقرأ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ الآية قال أبو عبيدة يقال: لممت ما على الخوان إذا أتيت على ما عليه وأكلته كلّه أجمع.
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا كثيرا يقال جمّ الماء في الحوض إذا كثر واجتمع. كَلَّا ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر ثمّ أخبر ممن تلهّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عزّ من قائل:
إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا مرّة بعد مرّة فيكسر كلّ شيء على ظهرها.
وَجاءَ رَبُّكَ قال الحسن: أمره وقضاؤه، وقال أهل الإشارة: ظهر قدرة ربّك وقد استوت الأمور وأنّ الحقّ لا يوصف يتحوّل من مكان إلى مكان وأنّى له التجوّل والتنقّل ولا مكان له ولا أوان ولا تجري عليه وقت وزمان لأنّ في حرمان الوقت على الشيء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز، والحقّ ينزّه أن تحوي صفاته الطبائع أو تحيط به الصدور.
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة قال: حدّثنا يعقوب بن يوسف القروي قال: حدّثنا القاسم بن الحكم قال: حدّثنا عبيد الله بن الوليد قال: حدّثنا عطية عن أبي سعيد قال: لمّا نزلت هذه الآية وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ تغيّر لون رسول الله ﷺ وعرق في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه ما رأوا من حاله فانطلق بعضهم إلى عليّ رضي الله عنه فقالوا: يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه في نبي الله صلى الله عليه وسلم. فجاء عليّ فاحتضنه من خلفه ثمّ قبّل بين عاتقيه ثمّ قال: يا نبي الله بأبي أنت وأمّي ما الذي حدث اليوم وما الذي غيّرك؟
قال: «جاء جبريل (عليه السلام) فأقرأني هذه الآية: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ قلت: فكيف يجاء بها؟

(١) في المخطوط: ينبغي.

صفحة رقم 201

قال: «يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثمّ تعرض لي جهنّم فتقول: ما لي وما لك يا محمّد فقد حرّم الله لحمك ودمك عليّ، فلا يبقى أحد إلّا قال: نفسي نفسي وأنّ محمّدا يقول: أمّتي أمّتي، فيقول الله سبحانه إلى الملائكة: ألا ترون الناس يقولون: ربّ نفسي نفسي وأنّ محمّد يقول: أمّتي أمّتي؟» [١٤٥] «١».
وقال عبد الله بن مسعود ومقاتل في هذه الآية: تقاد جهنّم بسبعين ألف زمان كلّ زمام بيد سبعين ألف ملك، لها تغيّظ وزفير حتّى تنصب على يسار العرش.
يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ في حياتي لِحَياتِي في الآخرة فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ قرأ العامّة بكسر الذال والثاء على معنى لا يعذّب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ.
قال الفراء وقيل: إنّه رجل مسمّى بعينه وهو أميّة بن خلف الجمحي: يعني لا يعذّب كعذاب هذا الكافر أحد ولا يوثق كوثاقه أحد، واختار أبو عبيد وأبو حاتم هذه القراءة لما
أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيّوب قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: أخبرنا القاسم بن سلام قال: حدّثنا هيثم وعناد بن عباد عن خالد الحذّاء عن أبي قلابة عمّن أقرأه النبيّ- صلّى الله عليه- فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثَقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ يعني بنصب الذال والثاء.
ويروى أنّ أبا عمرو رجع في آخر عمره إلى قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
معنى الآية لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب والوثاق، وهو الإشارة في السلاسل والأغلال.
أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مالك قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال:
حدّثنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا شعبة عن خالد الحذّاء عن أبي قلابة عمّن سمع النبيّ- صلّى الله عليه- يقرأ فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ يعني يفعل به.
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إلى ما وعد الله المصدّقة بما قال.
مجاهد: المنيبة المخبتة التي قد أيقنت أنّ الله سبحانه ربّنا، وضربت لأمره جأشا.
المسيّيب: سمعت الكلبي وأبا روق يقولان: هي التي يبيّض الله وجهها ويعطيها كتابها بيمينها فعند ذلك تطمئن. الحسن: المؤمنة الموقنة. عطية: الراضية بقضاء الله. حيّان عن

(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٥٦.

صفحة رقم 202

الكلبي: الآمنة من عذاب الله تعالى «١».
أخبرني عقيل أنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير قال: حدّثنا خلّاد بن أسلم قال: أخبرنا النضر عن هارون القارئ قال: حدّثني هلال عن أبي شيخ الهنائي قال: في قراءة أبي يا أيّتها النفس الآمنة المطمئنة.
وأخبرني أبو محمّد الحسين بن أحمد الشعبي قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا محمد بن إسحاق السراج قال: حدّثنا سوار بن عبد الله قال: حدّثنا المعمر بن سليمان عن إبراهيم بن إسماعيل عن ابن أبي نجاح عن مجاهد يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ قال: الراضية بقضاء الله التي قد علمت أنّ ما أصابها لم يكن ليخطئها وأنّ ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وقال ابن كيسان:
المخلصة. ابن عطاء: هي العارفة بالله سبحانه التي لا تصبر عنه طرفة عين، وقيل: المطمئنة بذكر الله. بيانه: وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، وقيل: هي المتوكّلة على الله تعالى الواثقة بما ضمن لها من الرزق «٢».
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ اختلف العلماء في تأويل هذه الآية، ووقت هذه المقالة فقال قوم:
يقال ذلك لها عند الموت: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ وهو الله عزّ وجلّ.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا عبيد الله بن عبد الله بن أبي سمرة البغوي قال: حدّثنا محمّد ابن سهل العسكري قال: حدّثنا العطاردي قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن إسماعيل عن أبي صالح في قوله سبحانه: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً قال: هذا عند خروجها من الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل: فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا الفراتي قال: حدّثنا أحمد بن خالد قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا زهير بن محمد قال: حدّثنا زيد ابن أسلم عن عبد الرحمن بن السليماني عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إذا توفّي العبد المؤمن أرسل الله سبحانه ملكين وأرسل إليه تحفة من الجنّة فيقال لها: اخرجي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، اخرجي إلى روح وريحان وربّ عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في نفسه قط، والملائكة على أرجاء السماء.
فيقولون: قد جاء من الأرض روح طيّبة ونسمة طيّبة، فلا يمرّ بباب إلّا فتح له ولا ملك إلّا صلّى عليه، حتّى يؤتي به الرحمن، ثمّ تسجد الملائكة ثمّ يقولون: ربّنا هذا عبدك فلأن توفيته كان يعبدك لا يشرك بك شيئا فيقول: مروه فليسجد، وتسجد النسمة، ثمّ يدعى ميكائيل فيقول:
اذهب بهذه فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتّى أسألك عنها يوم القيامة، ثمّ يؤمر فيوسع عليه قبره

(١) تفسير الطبري: ٣٠/ ٢٣٨. [.....]
(٢) راجع تفسير القرطبي: ٢٠/ ٥٧.

صفحة رقم 203

سبعون ذراعا عرضه وسبعون ذراعا طوله وينبت له فيه الريحان. إن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن معه جعل له مثل الشمس في قبره، ويكون مثله كمثل العروس، ينام فلا يوقظه إلّا أحبّ أهله إليه، فيقوم من نومته كأنّه لم يشبع منها، وإذا توفّي الكافر أرسل الله سبحانه وتعالى ملكين وأرسل قطعة من سجّاد أنتن وأخشن من كلّ خشن، فيقال: أيّها النفس الخبيثة اخرجي إلى حميم وعذاب أليم وربّ عليك غضبان.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا المسوحي قال: حدّثنا عمرو بن العلاء الحنفي قال: حدّثنا ابن يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد قال: قرأ رجل عند النبيّ ﷺ يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ قال أبو بكر: ما أحسن هذا! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أمّا أنّ الملك سيقولها لك [عند الموت] » [١٤٦] «١».
حدّثنا أحمد بن محمد بن يعقوب القصري بها قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ببغداد قال: حدّثنا الحسن بن عرفة قال: أخبرني مروان بن شجاع الجزري، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا محمد بن علي بن سالم قال: حدّثنا أحمد بن منبع قال: حدّثنا مروان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: مات ابن عبّاس بالطائف فجاء طائر لم ير على خلقه، فدخل نعشه ثمّ لم ير خارجا منه فلمّا دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يرى من تلاها: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي وقال آخرون: انّما يقال ذلك لها عند البعث: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ، أي صاحبك وجسدك فيأمر الله سبحانه الأرواح أن ترجع إلى الأجساد، وإلى هذا القول ذهب عكرمة وعطاء والضحّاك وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس.
ودليل هذا التأويل ما أخبرنا محمد بن نعيم قال: أخبرنا الحسين بن أيّوب قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: حدّثنا القاسم بن سلام قال: حدّثنا حجّاج عن هارون عن أبان بن أبي عيّاش عن سليمان بن قته عن ابن عبّاس أنّه قراها فادخلي في عبدي على التوحيد.
وقال الحسن: معناه ارْجِعِي إِلى ثواب رَبِّكِ وكرامته. ابن كيسان: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ أي أمثالك من عباد ربّك الصالحين.
وقال بعض أهل الإشارة يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إلى الدنيا ارْجِعِي إلى الله بتركها والرجوع إلى الله هو سلوك سبيل الآخرة. راضِيَةً عن الله بما أعدّ لها مَرْضِيَّةً رضي عنها ربّها. فَادْخُلِي فِي عِبادِي قال بعضهم: يعني مع عبادي جنّتي في معنى الآية تقديم وتأخير، وإليه ذهب مقاتل والقرظي وأبو عبيدة. وَادْخُلِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ يعني مع أنبيائنا في الجنّة، وقال الأخفش: أي في حزبي، وقال أمر الأرواح بعودها إلى أجسادها والله

(١) كنز العمال: ١٢/ ٤٨٥ ح ٣٥٥٩١ وما بين معكوفين منه.

صفحة رقم 204

أعلم.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا ابن علوية قال: حدّثنا إسماعيل قال: حدّثنا المسيّب قال: حدّثنا إبراهيم عن صالح بن حيان عن ابن بريدة في هذه الآية يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ قال: نفس حمزة بن عبد المطّلب نزلت فيه يوم استشهد يوم أحد، بل نزلت نفسه عند ربّ العالمين، مكرمة مشرفة على من عنده حتّى يردها الله سبحانه إلى حمزة في دعة، وسكون وكرامة.
وقد نزلت في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكّة وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال:
اللهمّ إن كان لي عندك خير فحوّل وجهي نحو قبلتك. فحوّل الله سبحانه وجهه نحو القبلة من غير أن يحوّله أحد، فلم يستطيع أحد أن يحوّله وحكمها عام لجميع المؤمنين المطمئنين.

صفحة رقم 205
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية