آيات من القرآن الكريم

وَادْخُلِي جَنَّتِي
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸ ﭺﭻ

إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أي: يرصد مَنْ كفر به بالعذاب، والمرصد: الطريق، وقد شرحناه في قوله عزّ وجلّ:
كانَتْ مِرْصاداً «١».
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٥ الى ٣٠]
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩)
وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
قوله عزّ وجلّ: فَأَمَّا الْإِنْسانُ فيمن عنى به أربعة أقوال: أحدها: عتبة بن ربيعة، وأبو حذيفة بن المغيرة، رواه عطاء عن ابن عباس. والثاني: أُبَيّ بن خلف، قاله ابن السائب. والثالث: أُمية بن خلف، قاله مقاتل. والرابع: أنه الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، قال الزجاج: وابتلاه بمعنى اختبره بالغنى واليسر فَأَكْرَمَهُ بالمال وَنَعَّمَهُ بما وسَّع عليه من الإفضال فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ فتح ياء «ربيَ» «أكرمنيَ» «ربيَ» أهاننيَ» أهل الحجاز، وأبو عمرو، أي: فضلني بما أعطاني، ويظنّ إنما، أعطاه من الدنيا لكرامته عليه وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ بالفقر فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ وقرأ أبو جعفر، وابن عامر «فقدَّر» بتشديد الدال، والمعنى: ضيَّق عليه بأن جعله على مقدار البلغة فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ أي هذا الهوان منه لي حين أذلَّني بالفقر.
واعلم أن من لا يؤمن بالبعث، فالكرامة عنده زيادة الدنيا، والهوان قِلَّتُها.
قوله عزّ وجلّ: كَلَّا أي: ليس الأمر كما ظنّ. قال مقاتل: ما أعطيت من أغنيت هذا الغنى لكرامته عليَّ، ولا أفقرت مَنْ أفقرت لهوانه عليَّ. وقال الفراء: المعنى: لم يكن ينبغي له أن يكون هكذا، إنما ينبغي أن يحمد الله على الأمرين: الفقر، والغنى. ثم أخبر عن الكفّار فقال عزّ وجلّ: بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ قرأ أهل البصرة «يُكرِمون» و «يَحُضُّون» و «يَأْكُلون» و «يُحِبُّون» بالياء فيهن، والباقون بالتاء. ومعنى الآية: إني أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم. والآية تحتمل معنيين: أحدهما:
أنهم كانوا لا يَبَرُّونه. والثاني: لا يعطونه حَقَّه من الميراثِ، وكذلك كانت عادة الجاهلية لا يورِّثون النساء ولا الصبيان. ويدل على المعنى الأول قوله عزّ وجلّ: وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ وقرأ أبو جعفر، وأهل الكوفة «تحاضون» بألف مع فتح التاء. وروى الشّيزري عن الكسائي كذلك إلا أنه ضم التاء. والمعنى: لا يأمروه بإطعامه لأنهم لا يرجون ثواب الآخرة. ويدل على المعنى قوله عزّ وجلّ:
وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا قال ابن قتيبة: التراث: الميراث، والتاء فيه منقلبة عن واوٍ، كما قالوا:
تُجاه، والأصل: وُجاه، وقالوا: تُخمَة، والأصل: وخمة. ولَمًّا أي: شديداً، وهو من قولك:
لممْتُ بالشيء: إذا جمعتَه، وقال الزجاج: هو ميراث اليتامى.

(١) النبأ: ٢١.

صفحة رقم 443

قوله عزّ وجلّ: وَتُحِبُّونَ الْمالَ أي: تحبون جمعه حُبًّا جَمًّا أي: كثيراً فلا تنفقونه في خير كَلَّا أي: ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر. ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم، فقال عزّ من قائل: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا أي: مرَّة بعد مرّة، فتكسّر كلّ شيء عليها. قوله: وَجاءَ رَبُّكَ قد ذكرنا هذا المعنى في قوله عزّ وجلّ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ «١».
قوله عزّ وجلّ: وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا أي: تأتي ملائكة كل سماء صفا على حدة، قال الضحاك:
يكونون سبعة صفوف، وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ.
(١٥٣٣) روى مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرَّونها». قال مقاتل: يجاء بها فتقام عن يسار العرش.
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَئِذٍ أي: يوم يجاء بجهنم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ أي: يتّعظ الكافر ويتوب. وقال مقاتل: هو أمية بن خلف وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى أي: كيف له بالتوبة وهي في القيامة لا تنفع يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ العمل الصالح في الدنيا لِحَياتِي في الآخرة التي لا موت فيها فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ قرأ الكسائي، ويعقوب، والمفضل «لا يعذّب» و «لا يوثق» بفتح الذال والثاء، والباقون بكسرها، فمن فتح، أراد: لا يعذب عذاب الكافر أحد، ومن كسر أراد: لا يعذَّب عذاب الله أحد، أي كعذابه، وهذه القراءة تختص بالدنيا، والأولى تختص بالآخرة.
قوله عزّ وجلّ: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال «٢» :
أحدها: في حمزة بن عبد المطلب لما استشهد يوم أُحد، قاله أبو هريرة، وبريدة الأسلمي.
والثاني: في عثمان بن عفان حين أوقف بئر رومة، قاله الضحاك. والثالث: في خبيب بن عدي لما صلبه أهل مكة، قاله مقاتل. والرابع: في أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، حكاه الماوردي. والخامس:
في جميع المؤمنين، قاله عكرمة. وفي معنى الْمُطْمَئِنَّةُ ثلاثة أقوال: أحدها: المؤمنة، قاله ابن عباس. وقال الزجاج: المطمئنة بالإيمان. والثاني: الراضية بقضاء الله، قاله مجاهد. والثالث: الموقنة بما وعد الله، قاله قتادة.
واختلفوا في أي حين يقال لها ذلك على قولين: أحدهما: عند خروجها من الدنيا، قاله الأكثرون. والثاني: عند البعث يقال لها: ارجعي إلى صاحبك، وإلى جسدك، فيأمر الله الأرواح أن تعود إلى الأجساد، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وعكرمة والضّحّاك.
وفي قوله عزّ وجلّ: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً أربعة أقوال: أحدها: ارجعي إلى صاحبك الذي كنتِ في جسده، وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس، وبه قال عكرمة والضّحّاك. والثاني:

صحيح. أخرجه مسلم ٤/ ٢١٨٤، والترمذي ٢٥٧٣ من حديث ابن مسعود. وانظر «فتح القدير» ٢٧١٣.
__________
(١) البقرة: ٢١٠.
(٢) قلت: الصواب أنها عامة كما قال القرطبي وحمزة رضي الله عنه منهم، ثم إن السورة مكية.

صفحة رقم 444

ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ بعد الموت في الدنيا، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثالث: ارجعي إلى ثواب ربك، قاله الحسن. والرابع: يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا ارجعي إلى الله تعالى بتركها، حكاه الماوردي.
قوله عزّ وجلّ: فَادْخُلِي فِي عِبادِي أي: في جملة عبادي المصطَفَيْن. قال أبو صالح: يقال لها عند الموت: ارجعي إلى ربك، فإذا كان يوم القيامة قيل لها: فَادْخُلِي فِي عِبادِي وقال الفراء: ادخلي مع عبادي. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وأُبيّ بن كعب، وابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وأبو العالية، وأبو عمران «في عبدي» على التوحيد. قال الزجاج: فعلى هذه القراءة- والله أعلم- يكون المعنى:
ارجعي إلي ربك، أي: إلى صاحبك الذي خرجتِ منه، فادخلي فيه.

صفحة رقم 445
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية