
- ١١ - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم جَنَّاتُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ
- ١٢ - إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
- ١٣ - إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ
- ١٤ - وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ
- ١٥ - ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ
- ١٦ - فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
- ١٧ - هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ
- ١٨ - فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ
- ١٩ - بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ
- ٢٠ - وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ
- ٢١ - بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ - ٢٢ - فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ بِخِلَافِ مَا أُعِدَّ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْحَرِيقِ وَالْجَحِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾، ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ أَيْ إِنَّ بَطْشَهُ وَانْتِقَامَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، لَشَدِيدٌ عَظِيمٌ قَوِيٌّ، فَإِنَّهُ تَعَالَى ذُو القوة المتين، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ أَيْ مِنْ قُوَّتِهِ وقدرته التامة، يبديء ويعيده، كَمَا بَدَأَهُ بِلَا مُمَانِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ أَيْ يَغْفِرُ ذَنْبَ مَنْ تَابَ إليه وخضع لديه، و ﴿الودود﴾ قال ابن عباس: هُوَ الْحَبِيبُ ﴿ذُو الْعَرْشِ﴾ أَيْ صَاحِبُ الْعَرْشِ العظيم الْعَالِي عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ. وَ ﴿الْمَجِيدُ﴾ فِيهِ قِرَاءَتَانِ: الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلرَّبِّ عزَّ وجلَّ، وَالْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَرْشِ، وَكِلَاهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ، ﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ أَيْ مَهْمَا أَرَادَ فِعْلَهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لعظمته وقهره وَعَدْلِهِ، كَمَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ وَهُوَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ: هَلْ نَظَرَ إِلَيْكَ الطَّبِيبُ،

قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَمَا قَالُ لَكَ؟ قَالَ لي: إني فعال لما أريد، وقوله تعالى: ﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾ أَيْ هَلْ بَلَغَكَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ الْبَأْسِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّقْمَةِ الَّتِي لَمْ يردها عنهم أحد؟ وهذا تقرير لقوله تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ أَيْ إِذَا أَخَذَ الظَّالِمَ أَخَذَهُ أَخْذًا أَلِيمًا شَدِيدًا أَخْذَ عَزِيزٍ مقتدر، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: مرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ تَقْرَأُ: ﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود﴾ فقام يستمع فقال: «نعم قد جاءني» (أخرجه ابن أبي حاتم). وقوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ﴾ أَيْ هُمْ فِي شَكٍّ وَرَيْبٍ وَكُفْرٍ وَعِنَادٍ، ﴿وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُحِيطٌ﴾ أَيْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِمْ قَاهِرٌ لَا يَفُوتُونَهُ وَلَا يُعْجِزُونَهُ، ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾ أَيْ عَظِيمٌ كَرِيمٌ، ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ أَيْ هُوَ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، مَحْفُوظٌ مِنَ الزيادة والنقص، والتحريف والتبديل، روى ابن أبي حاتم عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ قَضَى اللَّهُ، الْقُرْآنُ فَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، إِلَّا وَهُوَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ بَيْنَ عَيْنَيْ إِسْرَافِيلَ لَا يُؤْذَنُ لَهُ بالنظر فيه» (أخرجه ابن أبي حاتم). وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ عِنْدَ اللَّهِ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، يُنَزِّلُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وقد روى البغوي عن ابن عباس قال: "إن فِي صَدْرِ اللَّوْحِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، دِينُهُ الْإِسْلَامُ، وَمُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ بِوَعْدِهِ وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ أَدْخَلَهُ الجنة" (أخرجه البغوي). وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ صَفَحَاتُهَا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، قَلَمُهُ نُورٌ، وَكِتَابُهُ نُورٌ، لله فيه في كُلَّ يَوْمٍ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةُ لَحْظَةٍ، يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» (أخرجه الطبراني).
صفحة رقم 626