آيات من القرآن الكريم

وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ
ﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ

والكسائي والحسن وعمر بن عبد العزيز والجحدري وأبو السناء والأعرج: «ويصلّى» بشد اللام وضم الياء على المبالغة، وقرأ نافع أيضا وعاصم في رواية أبان: بضم الياء وتخفيف اللام، وهي قراء أبي الأشهب وعيسى وهارون عن أبي عمرو، وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة وأبو جعفر وقتادة وعيسى وطلحة والأعمش:
بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل، وفي مصحف ابن مسعود: «وسيصلى»، وقوله تعالى: فِي أَهْلِهِ، يريد في الدنيا أي تملكه ذلك لا يدري إلا السرور بأهله دون معرفة الله والمؤمن إن سر بأهله لا حرج عليه، وقوله تعالى: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ، معناه: لن يرجع إلى الله تعالى مبعوثا محشورا، قال ابن عباس:
لم أعلم ما معنى يَحُورَ، حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها: حوري، أي ارجعي، والظن هنا على بابه، وأَنْ وما بعدها تسد مسد مفعولي ظن وهي أَنْ المخففة من الثقيلة، والحور: الرجوع على الأدراج، ومنه: اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور. ثم رد تعالى على ظن هذا الكافر بقوله:
بَلى، أي يحور ويرجع، ثم أعلمهم أن الله تعالى لم يزل بَصِيراً بهم لا تخفى عليه أفعال أحد منهم، وفي هذا وعيد.
قوله عز وجل:
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١٦ الى ٢٥]
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)
«لا» زائدة، والتقدير فأقسم، وقيل: «لا» راد على أقوال الكفار وابتداء القول أُقْسِمُ، وقسم الله تعالى بمخلوقاته هو على جهة التشريف لها، وتعريضها للعبرة، إذ القسم بها منبه منها، و «الشفق» :
الحمرة التي تعقب غيبوبة الشمس مع البياض التابع لها في الأغلب، وقيل «الشفق» هنا النهار كله قاله مجاهد، وهذا قول ضعيف، وقال أبو هريرة وعمر بن عبد العزيز: «الشفق» : البياض الذي تتلوه الحمرة، ووَسَقَ: معناه جمع وضم، ومنه الوسق أي الأصوع المجموعة، والليل يسق الحيوان جملة أي يجمعها في نفسه ويضمها، وكذلك جميع المخلوقات التي في أرض والهواء من البحار والجبال والرياح وغير ذلك، و «اتساق القمر» : كماله وتمامه بدرا، فالمعنى امتلأ من النور، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وابن عباس وعمر بخلاف عنهما، وأبو جعفر والحسن والأعمش وقتادة وابن جبير: «لتركبن» بضم الباء على مخاطبة الناس، والمعنى «لتركبن» الشدائد: الموت والبعث والحساب حالا بعد حال أو تكون من النطفة إلى الهرم كما تقول طبقة بعد طبقة وعَنْ تجيء في معنى بعد كما يقال: ورث المجد كابرا عن كابر وقيل المعنى «لتركبن» هذه الأحوال أمة بعد أمة، ومنه قول العباس بن عبد المطلب عن النبي عليه السلام:

صفحة رقم 458

وأنت لما بعثت أشرقت الأ... رض وضاءت بنورك الطرق
تنقل من صالب إلى رحم... إذا مضى علم بدا طبق
أي قرن من الناس لأنه طبق الأرض، وقال الأقرع بن حابس: [البسيط]
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره... وساقني طبق منه إلى طبق
أي حال بعد حال، وقيل المعنى: «لتركبن» الآخرة بعد الأولى، وقرأ عمر بن الخطاب أيضا:
«ليركبن» على أنهم غيب، والمعنى على نحو ما تقدم، وقال أبو عبيدة ومكحول: المعنى «لتركبن» سنن من قبلكم.
قال القاضي أبو محمد: كما جاء في الحديث: شبرا بشبر، وذراعا بذراع، فهذا هو طبق عَنْ طَبَقٍ، ويلتئم هذا المعنى مع هذه القراءة التي ذكرنا عن عمر بن الخطاب، ويحسن مع القراءة الأولى، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وعمرو بن مسعود ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وعيسى: «لتركبن»، بفتح الباء على معنى: أنت يا محمد، وقيل المعنى: حال بعد حال من معالجة الكفار، وقال ابن عباس المعنى: سماء بعد سماء في الإسراء، وقيل هي عدة بالنصر، أي «لتركبن» العرب قبيلا بعد قبيل، وفتحا بعد فتح كما كان ووجد بعد ذلك، قال ابن مسعود: المعنى: «لتركبن» السماء في أهوال القيامة، حالا بعد حال تكون كالمهل وكالدهان وتتفطر وتتشقق، فالسماء هي الفاعلة، وقرأ ابن عباس أيضا وعمر رضي الله عنهما: «ليركبن» بالياء على ذكر الغائب، فإما أن يراد محمد ﷺ على المعاني المتقدمة، وقاله ابن عباس يعني: نبيكم صلى الله عليه وسلم، وإما ما قال الناس في كتاب النقاش من أن المراد: القمر، لأنه يتغير أحوالا من سرار واستهلال وإبدار، ثم وقف تعالى نبيه، والمراد أولئك الكفار بقوله: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، أي من حجتهم مع هذه البراهين الساطعة، وقرأ الجمهور: «يكذّبون» بضم الياء وشد الذال، وقرأ الضحاك: بفتح الباء وتخفيف الذال وإسكان الكاف، ويُوعُونَ معناه: يجمعون من الأعمال والتكذيب والكفر، كأنهم يجعلونها في أوعية، تقول: وعيت العلم وأوعيت المتاع، وجعل البشارة في العذاب لما صرح له، وإذا جاءت مطلقة، فإنما هي من الخبر، ثم استثنى تعالى من كفار قريش القوم الذين كان سبق لهم الإيمان في قضائه، ومَمْنُونٍ معناه: مقطوع من قولهم: حبل منين أي مقطوع، ومنه قول الحارث بن حلّزة اليشكري: [الخفيف]
فترى خلفهن من شدة الرجع... منينا كأنني أهباء
يريد غبارا متقطعا، وقال ابن عباس: مَمْنُونٍ، بمعنى: معدود عليهم محسوب منغص بالمن.

صفحة رقم 459
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية