آيات من القرآن الكريم

خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮ ﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ

والبيت لأبي زيد، وقال الحسن وقتادة: الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب، ويروى عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «إن الرجل إذا أذنب صارت نقطة سوداء على قلبه ثم كذلك حتى يتغطى» فذلك الرين الذي قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: بَلْ رانَ بإدغام في الراء، وقرأ نافع: بَلْ رانَ غير مدغمة، وقرأ عاصم: بَلْ ويقف ثم يبتدئ رانَ، وقرأ حمزة والكسائي: بالإدغام وبالإمالة في رانَ، وقرأ نافع أيضا: بالإدغام والإمالة، قال أبو حاتم: القراءة بالفتح والإدغام، وعلق اللوم بهم فيما كسبوه وإن كان ذلك بخلق منه واختراع لأن الثواب والعقاب متعلق بكسب العبد، وكَلَّا في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يصلح فيها الوجهان اللذان تقدم ذكرهما، والضمير في قوله: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ هو للكفار، قال بالرؤية وهو قول أهل السنة، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص، وقال الشافعي: لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضى، ومن قال بأن لا رؤية وهو قول المعتزلة، قال في هذه الآية: إنهم محجوبون عن رحمة ربهم وغفرانه، وصلي الجحيم مباشرة حر النار دون حائل، وقوله تعالى: ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي، على معنى التوبيخ لهم والتقريع، وقوله تعالى: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، مفعول لم يسم فاعله لأنه قول بني له الفعل الذي يقال، وقوله: هذَا، إشارة إلى تعذيبهم وكونهم في الجحيم.
قوله عز وجل:
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ١٨ الى ٢٩]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢)
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧)
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩)
لما ذكر تعالى أمر كِتابَ الفُجَّارِ [المطففين: ٧]، عقب بذكر كتاب ضدهم ليبين الفرق، و «الأبرار» جمع بر، وقرأ ابن عامر: «الأبرار» بكسر الراء، وقرأ نافع وابن كثير بفتحها، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: بإمالتها، وعِلِّيُّونَ قيل هو جمع على وزن فعل بناء مبالغة يريد بذلك الملائكة، فلذلك أعرب بالواو والنون، وقيل يريد المواضع العلية لأنه علو فوق علو، فلما كان هذا الاسم على هذا الوزن لا واحد له أشبه عشرين فأعرب بإعراب الجموع إذ أشبهها، وهذا أيضا كقنسرين فإنك تقول طابت قنسرين ودخلت قنسرين، واختلف الناس في الموضع المعروف، ب عِلِّيِّينَ ما هو؟ فقال قتادة: قائمة العرش اليمنى، وقال ابن عباس: السماء السابعة تحت العرش، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الضحاك: هو عند سدرة المنتهى، وقال ابن عباس: عِلِّيُّونَ: الجنة، وقال مكي: هو في السماء

صفحة رقم 452

الرابعة، وقال الفراء عن بعض العلماء: في السماء الدنيا، والمعنى أن كتابهم الذي فيه أعمالهم هنالك تهمما بها وترفيعا لها، وأعمال الفجار في سجين في أسفل سافلين، لأنه روي عن أبيّ بن كعب وابن عباس: أن أعمالهم يصعد بها إلى السماء فتأباها، ثم ترد إلى الأرض فتأباها أرض بعد أرض حتى تستقر في سجن تحت الأرض السابعة، وكِتابٌ مَرْقُومٌ في هذه الآية خبر إِنَّ والظرف ملغى، والْمُقَرَّبُونَ في هذه الآية: الملائكة المقربون عند الله تعالى أهل كل سماء، قاله ابن عباس وغيره، والْأَرائِكِ: جمع أريكة وهي السرر في الحجال، ويَنْظُرُونَ معناه إلى ما عندهم من النعيم، ويحتمل أن يريد ينظر بعضهم إلى بعض، وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ينظرون إلى أعدائهم في النار كيف يعذبون»، وقرأ جمهور الناس «تعرف» على مخاطبة محمد ﷺ بفتح التاء وكسر الراء، «نضرة» نصبا. وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق وطلحة ويعقوب: «تعرف» بضم التاء وفتح الراء، «نضرة» رفعا، وقرأ «يعرف» بالياء، لأن تأنيث النضرة ليس بحقيقي والنضرة النعمة والرونق و «الرحيق» :
الخمر الصافية، ومنه قول حسان: [الكامل]

يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل
ومَخْتُومٍ، يحتمل أن يختم على كؤوسه التي يشرب بها تهمما وتنظيفا، والأظهر أنه مختوم شرابه بالرائحة المسكية حسبما فسر قوله تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ، واختلف المتأولون في قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ فقال علقمة وابن مسعود معناه: خلطه ومزاجه، فقال ابن عباس والحسن وابن جبير معناه: خاتمته أن يجد الرائحة عند خاتمته. الشرب رائحة المسك، وقال أبو علي: المراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم، وكذلك قوله: كانَ مِزاجُها كافُوراً [الإنسان: ٥]، وقوله تعالى: زَنْجَبِيلًا [الإنسان: ١٧] أي يحذي اللسان، وقد قال ابن مقبل: [البسيط]
مما يفتق في الحانوت ناطقها بالفلفل الجوز والرمان مختوم
قال مجاهد معناه: طينه الذي يختم به مسك بدل الطين الذي في الدنيا، وهذا إنما يكون في الكؤوس لأن خمر الآخرة ليست في دنان إنما هي في أنهار، وقرأ الجمهور: «ختامه»، وقرأ الكسائي وعلي بن أبي طالب والضحاك والنخعي: «خاتمه»، وهذه بينة المعنى: أنه يراد بها الطبع على الرحيق، وروي عنهم أيضا كسر التاء، ثم حرض تعالى على الجنة بقوله: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ، والتنافس في الشيء المغالاة فيه وأن يتبعه كل واحد نفسه، فكأن نفسيهما يتباريان فيه، وقيل هو من قولك شيء نفسي، فكان هذا يعظمه ثم يعظمه الآخر ويستبقان إليه، و «المزاج» : الخلط، والضمير عائد على الرحيق، واختلف الناس في تَسْنِيمٍ، فقال ابن عباس وابن مسعود: تَسْنِيمٍ أشرف شراب في الجنة وهو اسم مذكر لماء عين في الجنة وهي عين يشربها المقربون صرفا. ويمزج رحيق الأبرار بها، قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن وأبو صالح وغيرهم، وقال مجاهد ما معناه: إن تسنيما مصدر من سنمت إذا عليت ومنه السنام، فكأنها عين قد عليت على أهل الجنة فهي تنحدر،

صفحة رقم 453
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية