
سورة التّكوير
وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١ الى ١٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)
(١٥١٥) روى أبو عبد الله الحاكم في «صحيحه» من حديث عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
وأخرجه الحاكم ٢/ ٥١٥ من طريق هشام بن يوسف الصنعاني وكلا الطريقين عن عبد الله بن بحير القاضي قال سمعت عبد الرحمن بن زيد الصنعاني قال سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم... الحديث. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٤٢٧ من طريق علي بن محمد الفقيه عن المؤمل بن حسن ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا عبد الله بن بحير به.
وإسناده غير قوي، عبد الله بن بحير مختلف فيه، وثقه ابن معين، وفرق ابن حبان بين عبد الله بن بحير بن ريسان، وبين أبي وائل القاص، في حين عدهما ابن حجر والذهبي واحدا، وشيخه وإن روى عنه غير واحد، فقد وثّقه ابن حبان وحده، وروى حديثين فقط. وصححه الألباني في «الصحيحة» ١٠٨١، وفي ذلك نظر، قال ابن حبان: أبو وائل القاص، اسمه عبد الله بن بحير الصنعاني، وليس هو ابن بحير بن ريسان، ذاك ثقة، وهذا يروي عن عروة بن محمد بن عطية، وعبد الرحمن بن يزيد، العجائب التي كأنها معمولة لا يجوز الاحتجاج به، ثم أسند هذا الحديث، وحديثا آخر. وكذا فرق بينهما أبو أحمد الحاكم، فقال في الكنى في فصل من عرف بكنيته، ولا يوقف على اسمه، قلت: وذكره البخاري في «التاريخ» ٨/ ٩ في الكنى، فقال: أبو وائل القاص الصنعاني، سمع عروة بن محمد، روى عنه إبراهيم بن خالد. ولم يذكر البخاري فيه جرحا أو تعديلا. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧/ ١٣٤ أن الترمذي رواه موقوفا، وهذا لم أجده في المرفوع، ولعل الوقف صواب، فإن في المتن غرابة، لكن لا أجزم بذلك لأنه إن كان كما قال ابن حبان، فهو خبر واه، وإلا فحسن غريب، فالله أعلم. فالجزم بصحته من الألباني، من غير بحث وتمحيص في الإسناد غير جيد، والله أعلم.

وفي قوله عزّ وجلّ: كُوِّرَتْ أربعة أقوال: أحدها: أظلمت، رواه الوالبي عن ابن عباس، وكذلك قال الفراء: ذهب ضوؤها، وهذا قول قتادة، ومقاتل. والثاني: ذَهَبَتْ، رواه عطية عن ابن عباس، وكذلك قال مجاهد: اضمحلَّتْ. والثالث: غُوِّرَتْ، روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن الأنباري، وهذا من قول الناس بالفارسيّة: كور بكرد. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال:
هو بالفارسيّة كور بور.
والرابع: أنها تكوّر مثل العمامة، فتلفُّ وتمحى، قاله أبو عبيد. قال الزجاج: ومعنى «كُوِّرت» جمع ضوؤها، ولُفَّتْ كما تلفّ العمامة. يقال: كَوَّرْتُ العمامة على رأسي أُكوِّرُها: إذا لَفَفْتَها. قال المفسرون: تُجمع الشمس بعضُها إلى بعض، ثم تُلَفُّ ويرمى بها في البحر. وقيل: في النار. وقيل:
تعاد إلى ما خلقت منه.
قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أي: تناثرت، وتهافتت. يقال: انكدر الطائر في الهواء: إذا انقضَّ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ عن وجه الأرض، واستوت مع الأرض وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ قال المفسرون وأهل اللغة: النوق الحوامل، وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر فقيل لها: العشار لذلك، وذلك الوقت أَحْسَنُ زَمَانِ حَمْلِها، وهي تضع إذا وَضَعَتْ لتمامٍ في سنة، فهي أنفس ما للعرب عندهم، فلا يعطلونها، إلا لإتيان ما يَشْغَلهم عنها، وإنما خوطبت العرب بأمر العشار، لأن أكثر عيشهم ومالهم من الإبل، ومعنى «عُطِّلت» سُيِّبَتْ وأُهْمِلَتْ، لإشتغالهم عنها بأهوال القيامة.
قوله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ يعني: دوابَّ البرّ حُشِرَتْ وفيه قولان: أحدهما: ماتت، قاله ابن عباس. والثاني: جمعت إلى يوم القيامة، قاله السدي. وقد زدنا هذا شرحاً في الأنعام «١».
قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو «سجرت» بتخفيف الميم، وقرأ الباقون بتشديدها. وفي المعنى ثلاثة أقوال: أحدها: أُوقِدَتْ فاشتعلت ناراً، قاله علي وابن عباس.
والثاني: يبست، قاله الحسن. والثالث: ملئت بأن صارت بحراً واحداً، وكثر ماؤها، قاله ابن السّائب والفراء، وابن قتيبة.
قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ فيه ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: قرنت بأشكالها. قاله عمر رضي الله عنه، الصالح مع الصالح في الجنة، والفاجر مع الفاجر في النار، وهذا قول الحسن، وقتادة.
والثاني: رُدَّت الأرواح إلى الأجساد، فَزُوِّجَت بها، قاله الشعبي. وعن عكرمة كالقولين. والثالث:
زُوِّجت أنفس المؤمنين بالحور العين، وأنفس الكافرين بالشياطين، قاله عطاء، ومقاتل.
قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ قال اللغويون: الموؤودة: البنت تُدْفَن وهي حَيَّةٌ، وكان هذا من فعل الجاهلية. يقال: وَأَدَ وَلَدَهُ، أي: دفنه حياً. قال الفرزدق:
ومنّا الّذي منع الوائدات | فأحيا الوئيد فلم يؤاد |
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٦٣: أي جمع كل شكل إلى نظيره، كقوله: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ، وعن مجاهد قال: الأمثال من الناس جمع بينهم، واختاره ابن جرير، وهو الصحيح.