
سورة التكوير
السورة فصلان، الأول في صدد يوم القيامة وهول أعلامه وحساب الناس فيه ومصائرهم، والثاني في صدد توكيد صدق ما أخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم من صلته بوحي الله وملكه ونفي الجنون عنه وصلة الشيطان به. والفصلان على اختلاف موضوعيهما غير منفصلين عن بعضهما، والمرجح أنهما نزلا متتابعين فوضع الواحد بعد الآخر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١ الى ١٤]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤)وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤)
. (١) كورت: سترت أو لفّت. والمقصود إذا ذهب ضوءها وانمحق على الأرجح.
(٢) انكدرت: اغبرّت وانطفأت أو تساقطت على اختلاف الأقوال.
(٣) العشار عطلت: العشار هي النياق وقيل الغمام وتعطيلها بمعنى توقفها عن طبيعتها ومهمتها.
(٤) حشرت: جمعت من كل ناحية. صفحة رقم 499

(٥) سجرت: تفجرت أو أفرغت أو التهبت على اختلاف الأقوال.
(٦) النفوس زوجت: الناس صنفوا حسب أعمالهم.
(٧) الموءودة: الطفلة التي تدفن في التراب وهي في حالة الحياة بتعمد قتلها.
(٨) كشطت: تمزقت أو تشققت أو كشفت أو أزيلت على اختلاف الأقوال.
(٩) سعرت: أو قدت أو توقدت بشدة.
(١٠) أزلفت: أدنيت أو هيئت لأصحابها «١».
تشير الآيات إلى قيام القيامة أو اليوم الآخر وما يكون حينذاك من انقلاب وتبدل في نواميس الكون كانمحاق ضوء الشمس وانطفاء النجوم وتسيير الجبال وجمع الوحوش وتعطيل العشار عن طبيعتها وتفجير البحار واشتداد حرارة المياه والتهابها، وتشقق السماء أو انكشافها، وتصنيف الناس حسب أعمالهم، ونشر كتب الأعمال وتأجيج النار وتهيئة الجنة، وحينئذ يرى كل امرئ نتيجة عمله وعاقبة ما قدم بين يديه، ومن جملة ما يسأل الناس عنه وأد بناتهم بدون ذنب.
والآيات كما يبدو تتضمن توكيدا قويا بمجيء يوم القيامة وأهواله وأماراته التي تسبقه أو ترافقه ومحاسبة الناس على أعمالهم في الدنيا وتوفية كل منهم جزاءه بالجنة والنار.
ولقد روى الترمذي في سياق هذه السورة حديثا عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
«من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير/ ١] وإِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار/ ١] وإِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» [الانشقاق/ ١] » «٢» ومطلع السورتين الثانية والثالثة المذكورتين في الحديث مشابه لمطلع هذه السورة في وصف مشاهد القيامة وأهوالها.
(٢) التاج ج ٤ ص ٢٥٢.

وما ذكر من الانقلاب الذي يطرأ على نواميس الكون هو على ما يتبادر وبالإضافة إلى حقيقته الإيمانية ودخوله في نطاق قدرة الله بسبيل تصوير هول يوم القيامة وأثره في مشاهد الكون العظيمة التي تملأ الأذهان استهدافا لإثارة خوف السامعين وحملهم على الارعواء. وليس من طائل في التخمين والتزيّد في مظاهر هذا الانقلاب وماهياته المادية. وليس ذلك من أغراض القرآن على ما شرحناه في مناسبة سابقة «١».
وعادة دفن البنات أحياء وكراهة ولادتهن من صور حياة العرب قبل البعثة وعاداتهم. وقد ذكر هذا في أكثر من موضع في القرآن، ومن ذلك في آيات النحل هذه: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) [٥٨- ٥٩].
وأسلوب الآية هنا أسلوب تنديد بهذه العادة وإنذار بشدة عقوبتها عند الله لما فيها من قسوة بالغة وجرأة على إزهاق روح بريئة. وتخصيص وأد البنات بالذكر لا يعني بطبيعة الحال أن هذا هو وحده الذي يسأل الناس عنه. وإنما يمكن أن يلمح منه قصد تشديد النكير على هذه العادة القاسية البشعة التي كان الذين يمارسونها يظنون أنه ليس عليهم فيها حرج ولا إثم.
تعليق على جملة وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ
وبمناسبة آية وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ نقول إن هذا المعنى قد تكرر بأساليب متنوعة في القرآن. وقد ذكر في بعض الآيات أن لله على الناس مراقبين يكتبون ما يفعلونه. وأن ما يكتبونه هو صحف أعمال الناس التي تنشر يوم القيامة وتوزع على أصحابها، وتعطى للناجين بأيمانهم وللخاسرين بشمالهم. ومما جاء في القرآن في هذا آية سورة الزخرف هذه: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ