عهدا بالإسلام ووعدا بالعودة بعد قضاء ما لهم من مصالح في مكة. وقد يكون التبشير برحمة الله وغفرانه إذا هم ثبتوا على عهدهم وحسن نياتهم، والإنذار إذا كانوا يبيتون الغدر والخيانة مع التذكير بما كان من نصر الله ورسوله عليهم في وقعة بدر قد يدعم ذلك والله تعالى أعلم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧٢ الى ٧٥]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)
. (١) الذين آووا ونصروا: كناية عن أنصار رسول الله ﷺ من أهل المدينة لأنهم آووا إليهم النبي والمهاجرين ونصروهم.
هذه الآيات تحتوي بيان صلات كل من المؤمنين والكافرين ببعضهم وموقف كل منهم تجاه بعضهم وتجاه الفريق الآخر:
١- فالذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، وهم المهاجرون من مكة إلى المدينة من حيث ظروف التنزيل، والذين آووهم ونصروهم، هم المسلمون من أهل المدينة، بعضهم أولياء بعض. والأخوّة موطدة بينهم، يتناصرون في كل موقف ويتولى بعضهم بعضا.
٢- أما الذين آمنوا ولم يهاجروا إلى المدينة ليلتحقوا بالنبي والمؤمنين فيها
من المهاجرين والأنصار فلا يترتب على هؤلاء واجب توليهم إلّا إذا هاجروا والتحقوا بهم. غير أنهم إن استنصروهم على أعداء لهم اعتدوا عليهم بسبب دينهم فيجب عليهم أن ينصروهم إذا لم يكن بينهم وبين هؤلاء الأعداء عهد وميثاق. والله خبير بما يعمل كل من المؤمنين وبمقاصدهم.
٣- وأما الكفار فإن بعضهم أولياء بعض. ولا يصح في أي حال أن يكون بينهم وبين المؤمنين المهاجرين والأنصار أي تضامن أو ولاء. ومخالفة هذا الحد مؤدية إلى الفتنة والفساد العظيم وهذا ما يجب على المؤمنين المخلصين أن يحذروه ويتوقوه.
٤- والمؤمنون المخلصون حقا هم الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووهم ونصروهم، فهؤلاء جميعهم لهم المغفرة من الله والرزق الكريم عنده.
٥- والذين يؤمنون بعد هذا ويلتحقون بالمهاجرين والأنصار ويجاهدون معهم فيصبحون منهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
٦- والذين تجمع بينهم رحم وقرابة من المؤمنين المهاجرين والأنصار هم أولى ببعضهم. وهذا هو حكم الله وكتابه وهو العليم بمقتضيات كل أمر وشأن.
تعليق على الآية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلخ والآيات التالية لها إلى آخر السورة
يبدو لأول وهلة أنه لا صلة بين هذه الآيات والسياق السابق. غير أن إنعام النظر يؤدي إلى لمس شيء من الاتصال فيما يتبادر لنا حيث إن وقعة بدر وطّدت أولا الأخوة بين المهاجرين والأنصار أشد من قبل لأنهما اشتركا في حرب وغدوا يتحملان تبعاتها الاجتماعية التي كانت شديدة في بيئة النبي وعصره. ووطّدت ثانيا
العداء الشامل بين المهاجرين والأنصار من جانب وبين كفار قريش من جانب، وكان بين هؤلاء والمهاجرين صلات وشيجة من قربى ورحم ودم وصهر وشركة مال وملك، فاقتضت حكمة التنزيل إنزال الآيات لبيان الحكم في صلات كل منهم بالآخر. ووضعت في آخر السورة إما لأنها نزلت بعد سابقاتها مباشرة أو للتناسب الموضوعي.
ولم يرو المفسرون رواية في نزول الآيات وإنما رووا عن ابن عباس وبعض التابعين أن التولي في الآيتين الأولى والثانية بمعنى التوارث. وأن الآية الأولى منهما في صدد تشريع التوارث بين المهاجرين والأنصار الذين آخى النبي ﷺ بينهم. وأن الآية الثانية في صدد منع التوارث بين المؤمنين والكفار. وإلى هذا روى المفسرون أيضا أن التولي في الآيتين بمعنى التضامن والتناصر «١». وروح الآيتين ومضمونهما في جانب القول الثاني فيما يتبادر لنا. ويقوي هذا ما جاء في الآية الأولى من بيان الموقف الذي يجب أن يقفه المهاجرون والأنصار من المؤمنين غير المهاجرين. وتعبير اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ وتعبير فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ يكادان يفسران مفهوم تعبير أَوْلِياءُ وتعبير وَلايَتِهِمْ اللذين جاءا قبل. ويقويه أيضا التنبيه الذي جاء في الآية الثانية على أن مخالفة ما جاء فيها بتبادل التولي بين الكفار والمؤمنين يؤديان إلى الفتنة والفساد الكبير. فهذا التعبير القوي أجدر أن يكون بسبيل التناصر والتولي بين ذوي العصبية والأرحام من المؤمنين والكفار أكثر منه بسبب التوارث.
وما جاء في الآية الأولى من بيان الموقف الواجب تجاه المؤمنين غير المهاجرين يدل على أنه كان في مكة أو في البادية مؤمنون ظلوا حيث هم ولم يهاجروا. وقد تكررت الإشارات في سور أخرى إلى هؤلاء أيضا. ومن هذه
الإشارات ما يفهم أنه كان من هؤلاء العاجز أو الممنوع عن الهجرة بالقوة، ومنهم من كان يكتم إيمانه كما جاء في هذه الآيات من سورة النساء: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) وإِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وآية سورة الفتح هذه: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
[٢٥] ومنهم من كان مستسلما مقصرا عن الهجرة بدون عذر كما جاء في آية سورة النساء هذه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧).
وأسلوب الكلام في حقّ الأخيرين في آية الأنفال [٧٢] والتي نحن في صددها، ينطوي على شيء من التأنيب. كما أن أسلوب آية النساء [٩٧] جاء شديدا قاسيا في حقهم. وهذه حكمة التنزيل التي لم توجب على المهاجرين والأنصار نصرا لهؤلاء إلّا في حدود ضيقة. فحريتهم الدينية هي مما يجب نصرهم فيها لأن الأمر متعلق بكلمة الله ودينه وهذا مما ينطوي في تعبير وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ ومع ذلك جعل هذا الواجب في حدود ضيقة أيضا حيث جعله في حالة ما إذا كان الاستنصار على جماعة ليس بينهم وبين المسلمين ميثاق صلح وسلام. أما حقوقهم ومصالحهم الدنيوية وما ينشأ عن التضامن القبلي أو العائلي من تبعات وواجبات فلا شأن لهم به.
ولقد روى الشيخان وأحمد وأصحاب السنن حديثا نبويا جاء فيه: «لا هجرة بعد الفتح وإنما نيّة وجهاد. وإذا استنفرتم فانفروا» «١». حيث يسوغ القول إن هذا
«إن النبي ﷺ قال يوم الفتح لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا... »
التاج، ج ٤ ص ٣٠٤.
التأنيب والتشديد إنما كان بالنسبة إلى ما قبل الفتح المكي حيث كان المتأخرون عن الهجرة قد رضوا بالبقاء في دار الكفر والظلم ولم يلتحق القادر منهم بإخوانهم ويضحوا مثلهم ليتضامنوا في موقف النضال القائم بينهم وبين الكفار.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن الخطيب الأسلمي جاء فيه فيما جاء في صدد الجهاد والدعوة من وصية النبي التي كان يوصي بها قواد سراياه ودعاته: «فإن أجابوك إلى الإسلام فاقبل منهم وكفّ عنهم ثم ادعهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم إن فعلوا ذلك أنّ لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم فإن أبوا واختاروا دارهم فاعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري عليهم ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين». والحديث من مرويات مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي أيضا بفروق يسيرة «١». والراجح أنه صدر عن النبي ﷺ قبل فتح مكة فيكون بينه وبين الحديث السابق وبين الآيتين تساوق كما هو واضح.
ومع ذلك فإن في الآية الأولى تلقينا مستمر المدى بوجوب عدم بقاء المسلم في دار الظلم والبغي راضخا لحكم الظالمين البغاة وبوجوب هجرته إذا استطاع إلى حيث يكون له إخوان يقاسمهم السرّاء والضرّاء ويتضامن معهم على هدم البغي والظلم وإرغام البغاة والظالمين.
وفي الآية تلقين جليل آخر. وهو وجوب احترام المسلمين لعهودهم حتى ولو كانت حائلة أحيانا دون نصر مسلمين آخرين في بقعة أخرى. ولقد تكرر حثّ القرآن على الوفاء بالعهد بحيث يكون هذا مبدأ محكما من مبادئ القرآن. وننبّه
بهذه المناسبة على أننا لم نر أحدا من المفسرين فيما اطلعنا عليه يقول بنسخ هذا المبدأ ولو في حالة مثل الحالة التي ذكرت في الآية. بحيث يكون هذا أيضا محكما بالنسبة لهذه الحالة. ومن تحصيل الحاصل أن يقال: إن هذا لا يمنع المسلمين المعاهدين من بذل جهودهم مع معاهديهم لضمان حرية المسلمين وحقوقهم عندهم. لأن روح الآية تلهم أن التلقين قاصر على عدم نقض العهد كما تلهم أن على المسلمين مبدئيا نصرة إخوانهم الذين يستنصرون بهم حيث يوجب هذا عليهم بذل تلك الجهود.
وأسلوب الآية الثانية قويّ شديد. وهذا ما اقتضته على ما هو المتبادر ظروف نزولها حيث كانت الوشائج بين مسلمي قريش وكفارهم قويّة، بينما غدا العداء مستحكما شديدا بين المسلمين عامة وبين هؤلاء الكفار، بحيث كان أقل تهاون أو تسامح أو تفكك يسبب فسادا عظيما ويهدد مصلحة المسلمين بأشد الأخطار. وقد تكرر التشديد في هذا الأمر في آيات عديدة أخرى لأن الحالة ظلت تقتضي ذلك مثل آية سورة المجادلة هذه: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [٢٢] ومثل آية سورة التوبة هذه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [٢٣].
وفي الآيات الثلاث الأولى توطيد للوحدة الإسلامية التي جمعت بين المسلمين على اختلاف قبائلهم، وإقامتها مقام عصبية القبيلة والأسرة الضيقة التي كانت هي ضابط الحياة الاجتماعية العربية قبل الإسلام والتي كانت تؤدي إلى العداء والحروب بين القبائل لأتفه الأسباب. كما أن فيها تلقينا جليلا مستمر المدى بإيجاب كبح جماع النفس والهوى الخاص: الشخصي والأسروي والقبلي في مواقف النضال وجعل المصلحة العامة هي السائدة العليا وتضحية كل اعتبار في سبيلها.
ومن الحق أن ننبّه إلى أن التشديد الذي احتوته الآية الثانية إنما هو في صدد التناصر والتولي أولا. وليس شاملا إلّا بالنسبة للظروف التي يكون فيها عداء وقتال بين المسلمين والكفار ثانيا. حيث ورد في القرآن آيات كثيرة تقرّ المسالمة والصلح بين المسلمين وغيرهم وتأمر بالاستقامة للمعاهدين ما استقاموا مما مرت الإشارة إليه في هذه السورة وفي سورة البقرة وفي سور أخرى على ما يأتي شرحه بعد.
وحيث ورد في سورة الممتحنة آيات تحثّ المسلمين على البرّ والإقساط لغيرهم الذين يوادونهم ويسالمونهم وتحصر النهي في الذين يقاتلون المسلمين ويظاهرون عليهم أعداءهم كما ترى فيها: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩).
والتنويه الذي احتوته الآية الثالثة قوي وعظيم. فالذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله دون تردد وتقصير والذين آووا المهاجرين ونصروهم وتضامنوا معهم وكبحوا جماع النفس ولم يدعوا لأي ميل وصلة سبيلا على أداء ما يجب عليهم من التضامن والتناصر والتواثق هم أولياء بعض حقا وهم المؤمنون حقا وهم أهل لتكريم الله ورضائه حقا. وفي هذا ما فيه من تلقين جليل نفساني واجتماعي وإيماني مستمر المدى وقد تكرر ثناء القرآن وتنويهه بهم مما مرّ منه أمثلة في سورة البقرة ومما ورد أمثلة أخرى في سور أخرى يأتي تفسيرها بعد.
والفقرة الأولى من الآية الرابعة فتحت الباب لاندماج من يؤمن ويهاجر ويجاهد بعد هجرة النبي ﷺ وأصحابه في صف المؤمنين المهاجرين المجاهدين السابقين. وهؤلاء وأمثالهم ممن عنتهم جملة وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ في آية سورة التوبة هذه:
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ | [١٠٠] وفي هذا تلقين جليل يتصل بتوطيد الأخوة بين المسلمين حينما يجتمعون في ساحة واحدة من الإيمان والهجرة |