آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ

لولا كتاب من الله سبق وحكم قضاه في اللوح المحفوظ أن المخطئ لا يعاقب على خطئه، لولا هذا لأصابكم بسبب ما أخذتم من الفداء عذاب عظيم وقعه، شديد هوله، وفي هذا تهويل لخطر ما فعلوا.
وقد أبيحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا، واتقوا الله وامتثلوا أمره ونهيه، إن الله غفور رحيم يقبل التوبة، ويعفو عن السيئة.
روى أنه كان من الأسرى العباس بن عبد المطلب وقد كلفه النبي أن يفدى ابن أخيه عقيل بن أبى طالب ونوفل بن الحارث فقال: يا محمد، تركتني أتكفف قريشا ما بقيت، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة؟ وكان هذا إخبارا بالغيب حيث لم يكن يعلم بهذا إلا الله، فقال العباس: والله كان عندي ريب قبل هذا ولكن الآن لا ريب
، وفي رواية قال العباس: فأبدلنى الله خيرا مما أخذ منى.
يا أيها النبي قل لمن في ملككم من الأسرى: إن يعلم الله في قلوبكم إخلاصا وحسن نية يؤتكم خيرا مما أخذ منكم في الفداء، ويغفر لكم والله غفور ستار للذنوب. وقيل:
المراد من الآية أن يعرض النبي على الأسرى الإسلام، ويمنيهم بالخير والمغفرة.
وإن يريدوا خيانتك، ونقض عهدك فاعلم أنهم قد خانوا الله من قبل ذلك بنقضهم الميثاق المأخوذ على الناس جميعا أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وإذا كان كذلك فلا يهمنك أمرهم فالله أمكنك منهم وسلطك عليهم فهزمتهم، وهذا كلام مسوق لتسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم بطريق الوعد له والوعيد عليهم، والله عليم بالنيات حكيم بفعل ما تقتضيه الحكمة البالغة..
الرابطة الإسلامية أقوى الروابط [سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧٢ الى ٧٥]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)

صفحة رقم 846

المفردات:
هاجَرُوا: تركوا دار الكفر وذهبوا إلى دار الإسلام. آوَوْا: أنزلوا وأسكنوا، يقال: آواه: أنزله دارا وأسكنه إياها. وَلايَتِهِمْ: الولاية مصدر وليه يليه، أى: ملك أمره وقام به. تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ: تحصل فتنة عظيمة، والمراد ضعف الإيمان وظهور الكفر.
المعنى:
ما مضى كان في الكلام على الكفار وأسراهم وكيفية معاملتنا لهم ضاربين بقرابتهم عرض الحائط مستبدلين بها قرابة الإسلام، ولذا تكلم القرآن هنا على رابطة الإسلام.
إن الذين آمنوا بالله ورسوله إيمانا صادقا كاملا، وهاجروا في سبيله، هجروا أوطانهم الحبيبة إلى نفوسهم، وتركوا مالهم كل ذلك لله، وجاهدوا في سبيله، وبذلوا النفس والنفيس، أولئك هم المهاجرون الذين تركوا مكة وعزهم وشرفهم ونسبهم فيها

صفحة رقم 847

إلى يثرب التي قطنها الرسول الكريم، إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا المهاجرين وأنزلوهم ديارهم وشاركوهم في أموالهم، ونصروا رسول الله ومنعوه مما يمنعون به أزواجهم وأولادهم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «١» أولئك هم الأنصار هؤلاء المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض، يتولون أنفسهم بالرعاية والعناية، والسهر على المصالح فهم جسد الأمة الإسلامية، إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فرابطة الإسلام بينهم أقوى رابطة، والإيمان هو الصلة المحكمة، وهكذا المسلمون في كل زمان ومكان اجتمعوا على الإيمان بالله، والتقوى عند محبة الرسول الأكرم ولذا يقول الله فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «٢» فالأخوة في الإسلام إذا ما كانت لله حقا كانت هي الدعامة الوحيدة لتماسك بناء الأمة، وقيل: المراد بالولاية هنا الميراث، ونخست الآية بآية المواريث، والذين آمنوا بالله ورسوله ولم يهاجروا بأن اعترضتهم عقابات لم يستطيعوا التغلب عليها، وقد كانت الهجرة في مبدأ الإسلام علامة الإيمان الكامل هؤلاء ليس لكم ولاية عليهم، وليس بينكم توارث، وإن كانوا ذوى قربى حتى يهاجروا.
ولكن إن استنصروكم في الدين، وطلبوا إليكم أن تمدوا إليهم يد المساعدة لهم على أعدائهم بقدر الطاقة فانصروهم إلا على قوم بينكم وبينهم معاهدة وميثاق، والله بما تعملون بصير.
والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ليس لكم أن توالوهم أو تتخذوهم أصدقاء مهما كانوا من القرابة والصلة، إن لم تفعلوا هذا، وتقوموا بهذه الأوامر تحصل فتنة في الأرض وفساد كبير، وذلك بضعف الإسلام وكسر شوكته، وظهور الكفر، وعلو رايته!!! يا سبحان الله أنت عالم الغيب والشهادة وأنت الخبير البصير، فلقد ظل الإسلام كما هو حتى اتخذ المسلمون بطانتهم من غيرهم ووالوا أعداء الدين بحجة السياسة مرة أو الحاجة أخرى فأصبحوا ولا حول لهم ولا قوة، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدينا، نعم وسنظل على ذلك حتى نعود إلى الدين والقرآن نفعل ما يريده ونتجنب ما ينهى عنه.

(١) سورة الأعراف آية ١٥٧.
(٢) سورة الحجرات آية ١٠.

صفحة رقم 848

والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا الرسول وعزروه ونصروه، وهم المهاجرون والأنصار، أولئك المؤمنون حقا، فالهجرة والنصرة دليل على صدق الإيمان وكمال الإسلام، ولهم مغفرة من الله ورضوان، ولهم رزق في الدنيا والآخرة كريم، أى: حسن وكبير.
هؤلاء هم السابقون المقربون، ومن أتى بعدهم فهذا حالهم والذين آمنوا من بعد ذلك، أى: بعد أن قويت شوكة المسلمين وامتد بهم الزمن وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله معكم فأولئك منكم، وأنت منهم، بعضكم أولياء بعض، وأولو الأرحام وذوو القرابات في الإسلام بعضهم أولى ببعض فقد جمعوا بين الأخوة في الله والأخوة في النسب، هذا الحكم في كتاب الله، وقيل: المراد ميراث ذوى الأرحام، وقد كان المهاجرون والأنصار يتوارثون في بداية الإسلام حتى نزلت آية المواريث، ومنها هذه الآية، واعلموا أن الله بكل شيء عليم.
وليس في الآيات تكرار فالأولى لبيان أن رابطة الإسلام أقوى من رابطة النسب، والثانية لبيان مكانتهم وأنهم هم المؤمنون حقا، والثالثة لبيان أن الذين جاءوا بعدكم وآمنوا بعد ظهور الإسلام فأولئك منكم والله أعلم.

صفحة رقم 849

سورة التوبة
عدد آياتها تسع وعشرون ومائة وتسمى سورة براءة، والمبعثرة، والمثيرة، والمخزية، والفاضحة، والمشردة، وسورة العذاب، لما فيها من ذكر التوبة، وما فيها من التبرئة من النفاق، وما فيها من التعرض للمنافقين وكشف سترهم وما يخزيهم ويشردهم، وما فيها من نقض العهود وإرصاد العذاب للمشركين، لهذا وذلك سميت بتلك الأسماء.
وكثرة أسمائها الواردة دليل على أنها سورة مستقلة ليست جزءا مما قبلها.
وإذا كانت سورة فلم تركت البسملة في أولها؟!! أما الحكمة في ترك البسملة فالظاهر- والله أعلم- أنها نزلت لرفع الأمان، ونقض العهود مع المشركين، وفضيحة المنافقين، وهذا يتنافى مع التصدير بالاسم الجليل الموصوف بالرحمن الرحيم، وفي الكشاف: سئل ابن عينية- رضى الله عنه- فقال:
اسم الله سلام وأمان فلا يكتب في النبذ والمحاربة. وما روى عن ابن عباس في هذا فأظنه مدسوس عليه إذ لا يعقل أن يلحق النبي بالرفيق الأعلى ولم يبين للصحابة مكان هذه الآيات، فاختلف الصحابة في ذلك على أن الصحيح أن البسملة آية فذة من القرآن أنزلت للفصل والتبرك بها، وأنه لا مدخل لأحد بالمرة في إثباتها أو تركها وإنما هذا كله توقيف ووحى، ولا يعقل أن يترك ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا يصح أن يتشكك مسلم في هذا أبدا، ولا شك في عدم نزول البسملة ها هنا بالإجماع.
نبذة تاريخية:
في السنة السادسة للهجرة عاهد النبي صلّى الله عليه وسلّم المشركين في الحديبية على السلم والأمان عشر سنين بشروط تساهل معهم فيها عن قوة وعزة لا عن ضعف وذلة، ودخلت قبيلة خزاعة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبيلة بنى بكر في عهد قريش، وكانت بين هاتين القبيلتين إحن قديمة وثارات موروثة فاعتدت بنو بكر على خزاعة ونقضوا عهدهم، وأعانت قريش بنى بكر بالسلاح وبالرجال فانهزمت خزاعة فكان ذلك نقضا للصلح الواقع عام الحديبية:

صفحة رقم 850

ولذا خرج عمرو بن سالم الخزاعي على رأس وفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستغيثين به،
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا نصرت إن لم أنصر بنى كعب»
فكان ذلك سبب عودة حال الحرب العامة وفتح مكة في السنة الثامنة.
وقد ثبت بالتجربة أن المشركين في حال القوة والضعف لا عهود لهم، ولا أمان فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ «١» إلا من عاهد واستقام أمره، هذا هو الأساس الشرعي الذي بنى عليه ما جاءت به هذه السورة من نبذ عهودهم المطلقة، وإتمام مدة عهودهم المؤقتة لمن استقام عليها منهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
ولما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم أميرهم مالك بن عوف النصري لقتال المسلمين وكانت غزوة حنين في شوال في السنة الثامنة، وبعدها حاصر الطائف بضعا وعشرين ليلة ورماهم بالمنجنيق.
ثم أقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة بعد ذلك ذا الحجة والمحرم من السنة التاسعة وصفر وربيع الأول والآخر وجماد الأول والآخر، وخرج في رجب سنة تسع إلى غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها النبي، وفيها نزلت أكثر آيات السورة الكريمة.
ولما انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تبوك أراد الحج ولكنه قال: يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت فلا أحب أن أحج معهم، فأرسل أبا بكر أميرا على الحج، ثم لما خرج أرسل بعده عليا
وقال له: «اخرج بهذه القصة من صدر براءة فأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا»
وقال: «لا يبلغ عنى إلا رجل منى»
فخرج علىّ على العضباء ناقة الرسول فأدرك أبا بكر في ذي الحليفة وأم أبو بكر- رضى الله عنه- الناس في الحج، وقرأ علىّ على الناس صدر سورة «براءة».

(١) سورة التوبة آية ١٢.

صفحة رقم 851
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية