
وتقديره: يضربون أجسادهم كلها، وقال ابن عباس: كانوا إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم،
وقال الحسن: قال رجل: يا رسول الله رأيت بظهراني رجل مثل الشراك، قال: ذلك ضرب الملائكة
، وقال الحسين بن الفضل: ضرب الوجه عقوبة كفرهم، وضرب الأدبار عقوبة معاصيهم.
وَذُوقُوا فيه إضمار، أي ويقولون لهم ذوقوا عَذابَ الْحَرِيقِ في الآخرة، ورأيت في بعض التفاسير: كان مع الملائكة مقامع من حديد كلّما ضربوا التهب النار في الجراحات فذلك قوله تعالى: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، ومعنى قوله ذُوقُوا: قاسوا واحتملوا. قال الشاعر:
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر | من الغيظ في أكبادنا والتحوب «١» |
فذاق وأعطاه من اللين جانبا | كفى ولها أن يغرق السهم حاجز «٢» |
. (٢) لسان العرب: ١٠/ ١١٢ وفيه: النيل حاجز
.

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ قال ابن عباس: كفعل آل فرعون، وقال الضحاك: كصنيعهم، وقال مجاهد، وعطاء: كسنّتهم، وقال يمان: كمثلهم يعني أن أهل بدر فعلوا كفعل آل فرعون من الكفر والذنوب، ففعل الله بهم كما فعل بآل فرعون من الهلاك والعذاب، وقال الكسائي: كما أن آل فرعون جحدوا كما جحدتم وكفروا كما كفرتم. قال الأخفش، والمؤرخ، وأبو عبيدة:
كعادة آل فرعون.
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ فعاقبهم الله بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.
قال الكلبي: يعني أهل مكة، أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ، وبعث إليهم محمدا (عليه السلام) فغيّروا نعم الله، وتغييرها أن كفروا بها وتركوا شكرها، وقال السدّي: نعمة الله محمد ﷺ أنعم به على قريش فكذبوه وكفروا به فنقله إلى الأنصار.
وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من كفار الأمم كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ بعضا بالرجفة وبعضا بالخسف وبعضا بالمسخ وبعضا بالحصى وبعضا بالماء، فكذلك أهلكنا كفار مكة بالسيف والذل وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ الآية الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ.
سمعت أبا القاسم بن حبيب، سمعت أبا بكر عبدش يقول: من هاهنا صلة الذين عاهدتهم، وسمعته يقول سمعت المنهل بن محمد بن محمد بن الأشعث يقول: دخلت بين لأن المعنى: الذين أخذت منهم العهد، وقيل: عاهدت منهم أي معهم ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وهم بنو قريظة، نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قبال النبي ﷺ وأصحابه، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم الثانية فنقضوا العهد ومالوا إلى الكفار على رسول الله يوم الخندق، وكتب كعب بن الأشرف إلى مكة يوافقهم على مخالفة رسول الله ﷺ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ لا يخافون الله في نقض العهد.
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ ترينّهم وتجدنّهم فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ قال ابن عباس:
فنكّل بهم من ورائهم، وقال قتادة: عظ بهم من سواهم من الناس، وقال سعيد بن جبير: أنذر بهم من خلفهم، وقال ابن زيد: أخفهم بهم.
وقيل: فرّق جمع كل ناقض مما بلغ من هؤلاء، وقال عطاء: أثخن فيهم القتل حتى يخافك غيرهم من أهل مكة وأهل اليمن، وقال ابن كيسان: اقتلهم فلا من يهرب عنك من بعدهم.
وقال القتيبي: سمّع بهم، وأنشد:
أطوّف في الأباطح كل يوم | مخافة أن يشردّ بي حكيم |