آيات من القرآن الكريم

وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: قوله: (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي: افعل بهم فعلا من العقوبة والتنكيل يتفرق به من وراءهم من الأعداء.
قال: ويقال: شرد بهم: سمع بهم، بلغة قريش.
وقيل: نكلهم، أي: اجعلهم عظة لمن وراءهم وعبرة، وهو ما ذكرنا.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: التنكيل: التخويف والرد عما يكره، والنكال: العذاب.
وقال غيره: (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ)، أي: اخلفهم بهم بما صنع هَؤُلَاءِ.
وقال أبو عبيدة: التشريد في الكلام: التبديد والتفريق؛ وبعضه قريب من بعض.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (فَشَرِّدْ بِهِمْ)، أي: نكل بهم حتى يخافك من خلفهم، والشريد: الطريد، والشريد -أيضًا-: القليل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله تخافن: تعلمن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء.
أي: لا تفعل بهم مثل ما فعلوا من الخيانة فتكون أنت وهم في الخيانة سواء؛ لأن عندهم أنكم معاهدون على عهد بعد عهد، ولكن انبذ إليهم، ثم ناصب فيما بينهم الحرب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو على حقيقة الخوف، يقول: إذا خفت منهم النقض أو الخيانة (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ)، أي: ألق إليهم نقضك؛ لتكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء.
قال أبو عبيدة: قوله: (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ)، أي: أظهر لهم أنك عدو، وأنك مناصب لهم؛ حتى يعلموا ذلك فيصيروا على ذلك سواء.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (سَوَاءٍ)، أي: على أمرين.
قال أبو عبيد: قال غير واحد من أهل العلم: (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ): أعلمهم أنك

صفحة رقم 245

تريد أن تحاربهم؛ حتى يصيروا مثلك في العلم؛ فذلك السواء.
قال الكيساني: السواء: العدل. وقال: (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ)، أي: سر إليهم، وقد علموا بك وعلمت بهم.
وبعضه قريب من بعض.
وحاصل التأويل: هو التأويلان اللذان ذكرتهما، واللَّه سبحانه أعلم.
وأصل العهد ما ذكر عَزَّ وَجَلَّ في آية أخرى، وهو قوله: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ)
أمر - عَزَّ وَجَلَّ - بإتمام العهد إلى المدة، إذا لم ينقضونا شيئًا ولم يخونوا، ولم يظاهروا علينا أحدًا منهم، فإذا فعلوا شيئا من ذلك فلنا أن ننقض العهد الذي كان بيننا وبينهم.
وكذلك ابتداء العهد فيما بيننا وبينهم إذا سألونا ليس للإمام أن يعطي لهم العهد إذا لم يكن في العهد منفعة للمسلمين - منفعة ظاهرة - وخير لهم، فعلى ذلك ما دام يرجو في العهد منفعة للمسلمين وخيرًا لهم فعليه مراعاة ذلك العهد وحفظه، فإذا خاف منهم أو اطلع على خيانة منهم، فله نقضه، واللَّه أعلم.
ثم إذا كانت تلك الخيانة من جملتهم أو ممن له منعة، فله أن يناصبهم الحرب، وإن لم ينبذ إليهم.
وإذا كان ذلك من بعض على سبيل التلصص والسرقة، فليس له أن يحاربهم إلا بعد النبذ إليهم.

صفحة رقم 246
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية