
﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾: أي: مغفرة لذنوبهم، ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾: الجنة.
قال الضحاك: أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي فوق، فضله على الذي أسفل منه، ولا يرى الأسفل أنه فضل عليه أحد.
قوله: ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، الآية.
قال الكسائي: " الكاف ": نعت لمصدر: ﴿يُجَادِلُونَكَ﴾، والتقدير: يجادلونك في الحق مُجَادَلَةً ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾.
وقال الأخفش: " الكاف " نعت ل: " حق "، والتقدير: هم المؤمنون حقاً

﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾.
وقيل: " الكاف " في موضع رفع، والتقدير: ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾ ﴿فاتقوا الله﴾، كأنه ابتداء وخبر.
وقال أبو عبيدة: هو قَسَمٌ، أي: لهم درجات ومغفرة ورزق كريم، والذي أخرجك من بيتك بالحق، ف: " الكاف " بمعنى: " الواو ".
وقال الزجاج: " الكاف " في موضع نصب، والتقدير: الأنفال ثابتة لك ثباتاً ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾، والمعنى: ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾ وهم كارهون، كذلك

تَنْفُلُ من رأيت.
وقال الفراء التقدير: أمض لأمرك في الغنائم، ونَفِّلْ من شئت وإن كرهوا ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾.
وقيل: " الكاف " في موضع رفع، والتقدير:
﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، إلى: ﴿لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، هذا وعد وحق ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾.
وقيل: المعنى: ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ ذلك خير لكم ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾، ف: " الكاف ": نعت لخبر ابتداء محذوف هو الابتداء.
وقيل التقدير: ﴿قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول﴾ ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾.

قال عكرمة في الآية: ﴿وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، أي: الطاعة خَيْرٌ لَكُمْ، كما إخراجك من بيتك بالحق خيراً لك.
وقوله: ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ﴾.
قال ابن عباس: " لما سمع رسول الله ﷺ، بأبي سفيان أنه مقبل من الشام، ندب إليه من المسلمين، وقال: هذه عِيرُ قريش فيها/ أموالهم، فاخرجوا إليها، لَعَلَّ الله أن يُنْفِلَكُمُوهَا! فانتدب الناس، فَخَفّ بعضهم وَثَقُلَ بَعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله ﷺ يلقى حرباً. فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ﴾ ".
قال السدي ﴿لَكَارِهُونَ﴾: لطلب المشركين.
﴿للَّهِ والرسول﴾، وقف.
و ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾، وقف.

ويكون تقدير الآية وتفسيرها: " أنّ النبي ﷺ، لما نظر إلى قلة المسلمين يوم بدر وإلى كثرة المشركين قال: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وإِنْ أَسِرَ أَسِيراً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا "، ليرغبهم في القتال، فلما هزمهم الله، تعالى، وأَظْفَرَه بهم، قال إليه سعد بن عبادة، فقال له: يا رسول الله؛ إن أعطيت هؤلاء ما وعدتهم بقي خلق من المسلمين بغير شيء، فأنزل الله: ﴿قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول﴾ "، أي: يصنع فيها ما يشاء. فأمسكوا لما سمعوا ذلك على كراهية منهم له، فَأَنْزَلَ الله، تعالى،: ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، أي: أمض لأمر الله في الغنائم، وهم كارهون لذلك، أي: بعضهم، كما مضيت لأمر الله تعالى، في خروجك، وهم له كارهون، أي: بعضهم.
فإن جعلت التقدير: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال﴾ كما جادلوك يوم بدر، فقالوا: لم تخرجنا للقتال فنستعد له، إنما أخرجتنا للغنيمة، فلا يحسن الوقف على ما قبل " الكاف " على هذا.

وعلى قول أبي عبيدة أن " الكاف " في موضع:: واو القسم، يحسن الوقف على ما قبل " الكاف " كأنه قال: والذي أخرجك من بيتك بالحق، كما قال: ﴿وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى﴾ [الليل: ٣]، أي: والذي خلق الذكر.
وقوله: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الحق﴾، الآية.
قال ابن عباس: لما شاور النبي ﷺ، في لقاء القوم، قال له سعد بن عبادة ما قال، وذلك يوم بدر، أمر الناس فتعبّوا للقتال، وأمرهم بالشوكة، فكره ذلك أهل الإيمان، فأَنْزَلَ الله، تعالى، ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، إلى ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾.
قال ابن إسحاق: خرجوا مع النبي ﷺ، يريدون العِيَر طمعاً بالغنيمة، فلما عرفوا أن قريشاً قد سارت إليهم، كرهوا ذلك، وكأنهم يساقون إلى الموت؛ لأنهم لم يخرجوا للقتال. فالذي عُني بهذا هم المؤمنون، فَأَنْزَلَ الله تعالى، ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، إلى: ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾.

وقال ابن زيد: عني بذلك المشركون، قال: هم المشركون جادلوا في الحق، ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت﴾ حين يدعون إلى الإسلام، ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾.
قال الطبري: المراد بذلك المؤمنون. ودَلَّ عليه قوله: ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ﴾، لما كرهوا القتال جادلوا فقالوا: لم تعلمنا أنَّا نلقى العدو فنستعد لقتالهم، إِنَّمَا خرجنا لِلْعِير. وَيَدُلُّ على ذلك قوله: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ﴾، ففي هذا دليل أنّ القوم كانوا للشوكة كارهين، وأن جدالهم في القتال، [كما] قال مجاهد، كراهية منهم له.
وروي عن ابن عباس: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الحق﴾، أي: في القتال، ﴿بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾، أي: بعد ما أمرت به.