
بكر إلى الغار، وأمر النبي ﷺ، عليّاً أ، ْ يبيت في موضعه، فتوهم المشركون أنه [النبي] ﷺ، فباتوا يحرسونه، فلما أصبح وجَدوا عليًّا، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فركبوا وراءه كل صعب وذلول يطلبونه، ومَرُّوا بالغار قد نسج على فمه العنكبوت، فمكث النبي ﷺ. فيه ثلاثاً.
" ويُرْوَى أن النبي ﷺ، قال لعليّ: نَمْ على فراشي وتَسَجَّ بِبُرْدي هذا الحَضْرَمي؛ فإنه لن يخلص إليك شيءٌ تكرهه، ثم خرج النبي ﷺ، وأبو جهل وأصحابه على الباب، وأخذ النبي ﷺ، حَفْنَة من تُراب، وأخذ الله بأبصارهم فلا يرونه، فجعل يثير التراب على رؤوسهم، وهو يقرأ: ﴿يس﴾، إلى قوله: ﴿فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ فلم يبق منهم رجلٌ إلا وضع النبي ﷺ، على رأسه تراباً، وانصرف إلى حيث أراد، فآتاهم آتٍ فأعلمهم بحالهم، فوضع كُلُّ رجل منهم يده على رأسه فوجد تُراباً، فانصرفوا بِخِزْي وَذُلٍّ. "
قوله: ﴿وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ [قَدْ] سَمِعْنَا﴾ إلى قوله: ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

المعنى: أنَّ الله تعالى، حكى عنهم: أنهم يقولون إذا يُتلى عليهم القرآن: ﴿لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا﴾ مثله: ﴿إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين﴾، أي: سطَّره الأولون وكتبوه من أخبار الأُمم.
قال ابن جريج: كان النضرُ بنُ الحارث يختلف تاجراً إلى فارس، فيَمرُّ بالعبادِ وهم يقرأون الإنجيل ويركعون ويسجدون. فجاء مكة، فوجد/ محمداً ﷺ، قد أُنْزِلَ عليه وهو يركع ويسجد، فقال: ﴿قَدْ سَمِعْنَا﴾، مثل هذا ﴿لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا﴾، يعني: ما سمع من العِبَادِ.
وقال السدي: كان النَّضْر يختلف إلى الحيرة. فيسمع سجْع أهْلها وكلامهم، فلما سمع بمكة كلام النبي ﷺ، والقرآن، قال: قد سمِعْتُ مثله: ﴿إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين﴾، يقول: أسَاجيع أهل الحيرة. و ﴿أَسَاطِيرُ﴾: جمع الجمع،

فهو جمع " أسطر "، و " أسطر " جمع سطر.
وقيل: إنه جمع، وواحده: " أسطورة ".
وقُتِل النَّضر هذا وهو أسير يوم بدر صَبْراً. أسره المقداد. فقال النبي ﷺ، اقتله؛ فإنَّه يقول في كتاب الله ما يقول، فراجعه المقداد ثلاث مرات، كل ذلك يأمره بقتله، فقتل.
وقوله: ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللهم﴾، الآية.
معناه: واذكر، يا محمد، إذْ قالوا ذلك.
والذي قاله عند ابن جُبير: هو النَّضْر بن الحارث.
وقال مجاهد: هو النَّضْر بن كَلَدَة، وأنَّه قتل بمكة بدليل قوله: {وَمَا كَانَ

(الله) لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}.
ومعناه أنه قال: اللهم إنْ كان هذا الذي أتى به مُحمّدٌ هو الحق، ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
قال عطاء: لقد نزل فيه بضع عشرة آية، منها: ما ذكرنا ومنها قوله:
﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦]، الآية، ومنها: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى﴾ [الأنعام: ٩٤]، الآية.
ومنها: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: ١] الآية.