آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

يخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم، ودعواهم الباطل عند سماع آياته، إذا تتلى عليهم أنهم يقولون :﴿ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا ﴾ وهذا منهم قول بلا فعل، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً، وقد قيل : إن القائل لذلك هو ( النضير بن الحارث )، فإنه لعنه الله كان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلم من أخبار ملوكهم رستم وأسفنديار، ولما قدم وجد رسول الله ﷺ قد بعثه الله، وهو يتلو على الناس القرآن، فكان ﷺ إذا قام من مجلس، جلس فيه النضر فحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول : بالله أينا أحسن قصصاً أنا أو محمداً؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى أمر رسول الله ﷺ أن تضرب رقبته صبراً بين يديه، ففعل ذلك ولله الحمد، وكان الذي أسره ( المقداد بن الأسود ) رضي الله عنه كما قال ابن جرير. ومعنى ﴿ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ جمع أسطورة : أي كتبهم، اقتبسها فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس، وهذا هو الكذب البحث، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى :﴿ وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٥ ] إلى ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [ الفرقان : ٦ ] أي لمن تاب إليه وأناب فإنه يتقبل منه ويصفح عنه.
وقوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ هذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم وعتوهم، وهذا مما عيبوا به، وكان الأولى لهم أن يقولوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه، ولكن استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب وتقديم العقوبة، كقوله تعالى :﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ العذاب ﴾ [ العنكبوت : ٥٣ ]، ﴿ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب ﴾ [ ص : ١٦ ]، وقوله :﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ [ المعارج : ١ ]، وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة كما قال قوم شعيب له :﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين ﴾ [ الشعراء : ١٨٧ ]. عن أنس بن مالك قال أبو جهل ابن هشام :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، فنزلت :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ وقال الأعمش عن ابن عباس في قوله ﴿ وَإِذْ قَالُواْ اللهم ﴾ الآية، قال : هو النضر بن الحارث بن كلدة قال : فأنزل الله :﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ [ المعارج : ١-٢ ].
وقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، قال ابن عباس : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك، ويقولون : غفرانك غفرانك، فأنزل الله ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ الآية.

صفحة رقم 971

قال ابن عباس : كان فيهم أمانان النبي ﷺ والاستغفار، فذهب النبي ﷺ وبقي الاستغفار. وعن ابن عباس :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ يقول ما كان الله ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم، ثم قال :﴿ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ يقول : وفيهم ممن قد سبق له من الله الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار، يستغفرون يعني يصلون، يعني بهذا أهل مكة، وقال الضحاك :﴿ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ يعني المؤمنين الذين كانوا بمكة، وقال رسول الله ﷺ :« أنزل الله عليّ أمانين لأمتي :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة » ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال :« إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ».

صفحة رقم 972
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية