
وقيل: المعنى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ/ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ﴾. أي: لَفَهَّمَهُم مواعظ القرآن حتى يعقلوا، ولكنه علم أنه لا خير فيهم، وأنهم ممن كتب عليهم الشقاء، فلو فهَّمهم ذلك ﴿لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾؛ لأنه قد سبق فيهم ذلك، والآية للمشركين، وقيل: للمنافقين.
قوله: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾، إلى قوله: ﴿شَدِيدُ العقاب﴾.
قال أبو عبيدة معنى ﴿استجيبوا﴾: أجيبوا، كما قال: فلم يستجب عند ذك مُجيب، أي: يجبه.
ومعنى: ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.

أي: للإيمان. وقيل: للإسلام. وقيل: للحق. وقيل: للقرآن ومافيه.
وقيل: إلى الحرب وجهاد العدو.
وسماه " حياةً "؛ لأنَّ الكافر مثل الميِّت.

وقيل معنى: ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، أي: لما تصيرون به إذا قبلتموه إلى الحياة الدائمة في الآخرة.
" ورُوِيَ أن النبي ﷺ، دعا أُبيّا وهو يصلي فلم يجبه أبيّ، فخفف الصلاة، ثم انصرف إلى النبي ﷺ، فقال له النبي ﷺ: ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني؟ قال: يا رسول الله، كنت أصلي، قال له: أفلم تجد فيما أوحي إليَّ: ﴿استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾؟ قال: بلى، يا رسول الله، ولا أعُودُ ".
فهذا يبين أن المعنى يراد به الذين يدعوهم رسول الله ﷺ. إلى ما فيه حاية لهم من الخير بعد الإسلام المدعو إيمانه.

وقوله: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾.
قال ابن جبير: يحول بين الكافر أن يؤمن، وبين أن يكفر.
وكذلك قال ابن عباس.
وقال الضحاك: يحول بين الكافر وطاعته، وبين المؤمن ومعصيته.
وقال مجاهد معناه: يحول بين المرء وعقله (حتى لا يدري ما يصنع. وقال السدي في معناه: يحول بين الإنسان وقلبه). فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه.
وقيل المعنى: يحول بين المرء وبين ما يتمناه بقلبه من طول العيش وامتداد الآمال والتسويف بالتوبة، فيعاجله الموت قبل بلوغ شيء من ذلك.

وقال قتادة معناه: إنَّه قريب من قلب الإنسان، لا يخفى عليه شيء أظْهَرَهُ، ولا شيء أسَرَّهُ، وهو مثل قوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ [ق: ١٦].
وقال الطبري: هو خبر من الله تعالى، أنه أملك بقلوب العباد منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يدرك الإنسان شيئاً من الإيمان ولا الكفر، ولا يَعِي شيئاً. ولا يفهم شيئاً، إلا بإذنه ومشيئته.
وقد كان النبي ﷺ، كثيراً ما يقول في دعائه: " يا مُقَلِّب القُلُوبِ قَلِّبْ قلبي إلى طَاعَتِك ".
وفي رواية أخرى: " ثبِّتْ قلبي على طاعتك ".
وكان يحلف: " لاَ ومُقلِّب القُلُوب ".

ومن هذا يقال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله، فمعناه: لا حولَ عن معصية، ولا قوة عن طاعةٍ إلا بالله.
(وقال النبي ﷺ، إذ نظر إلى زوجة زيد) فاستحسنها، وقد كان عرضت عليه نفسها فلم يستحسنها: " سُبْحَانَ مُقلِّبَ القُلُوبِ ".
﴿وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
أي: تردون.
وقوله: ﴿واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً﴾.
المبرد يذهب إلى أنَّ ﴿تُصِيبَنَّ﴾، نَهْيٌ، فلذلك دخلت " النون ".

والمعنى في النَّهي: للظالمين، أي: لا تقربوا/ الظلم، وهو مثل ما حكى سيبويه من قوله: (لا أرينَّك هاهنا)، أي: لا تكن هاهنا؛ فإنَّ من يكون هاهنا أراه.
وقال الزجاج: هُوَ خَبَرٌ. ودخلته " النون "؛ لأن فيه قوة الجزاء، قال: وزعم بعضهم أنه جزاء فيه ضرب من النهي. ومثله مِمَّا اخْتلفَ فيه: ﴿ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ﴾ [النمل: ١٨].

ومعنى ذلك: أنها أمر من الله للمؤمنين أن يتقوا اختباراً وبلاء يبتليهم به، لا يُصيبنَّ ذلك ﴿الذين ظَلَمُواْ﴾، بل يصيب الظالمين وغيرهم. فالظالمون هم الفاعلون الكفر.
وقيل: نَزَلَتْ في قوم من أصحاب النبي ﷺ، وهم أصحاب الجمل.
قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألاّ يُقِرُّوا المنكر بين أظهُرِهِمْ، فيعمهم الله بالعذاب.
وقال الزبير، يوم الجمل لما لقي ما لقي، ما توهمت أن هذه الآية نزلت في

أصحاب محمد ﷺ، إلا اليوم.
وقال القُتَيْبي معناه: لا تخص الظالم، ولكنها تعم الظالم وغيره.
وقوله تعالى: ﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الظالمون﴾ [الأنعام: ٤٧].
يَدُلُّ على أنَّ العقوبة تخص الظالم. وقد يدخل المداهن الساكت على رؤية المنكر في الظُّلم، فيكون ممن يلحقه العقاب مع الظالم.
وقد قال الحسن: إنَّ الآية نزلت في علي، وعثمان. وطلحة، والزبير [Bهم].
وأكثر النَّاس على أن حكمها باقٍ في الظالم، والمداهن الساكت على إنكار المنكر،