آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

أي هذا العقاب الذي أعجلته لكم أيّها الكفّار فَذُوقُوهُ عاجلا وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ في المعاد عَذابَ النَّارِ وفي فتح (أن) وجهان من الإعراب أحدهما الرفع والأخر النصب:
فأمّا الرفع فعلى تقدير ذلكم تقديره: ذلكم فذوقوه، وذلك أن للكافرين عذاب النار.
وأمّا النصب فعلى وجهين: أحدهما: بمعنى فعل مضمر: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وأعلموا وأيقنوا أَنَّ لِلْكافِرِينَ.
والآخر بمعنى: وما للكافرين فلما حذف الياء نصب.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً أي [مخفقين] متزاحفين بعضكم إلى بعض والتزاحف التداني والتقارب.
قال الأعشى:

لمن الضغائن سيرهن زحيف عرم السفين إذا تقاذف مقذف
والزحف مصدر ولذلك لم يجمع كقولهم: قوم عدل ورضى فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ يقول:
فلا تولّوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم ولكن اثبتوا لهم وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ظهره وقرأ الحسن ساكنة إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أي متعطّفا مستطردا لقتال عدوّه بطلب عورة له تمكنه إصابتها فيكرّ عليه «١».
أَوْ مُتَحَيِّزاً منضمّا صابرا إِلى فِئَةٍ جماعة من المؤمنين يفيئون به بسهم الى القتال فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ واختلف العلماء في حكم قوله وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ الآية هل هو خاص في أهل بدر أم هو في المؤمنين جميعا.
فقال أبو سعيد الخدري: إنّما كان ذلك يوم بدر خاصة لم يكن لهم أن ينحازوا ولو
(١) تفسير الطبري: ٩/ ٢٦٥
.

صفحة رقم 336

انحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذ في الأرض مسلم غيرهم ولا للمسلمين فيه غير النبيّ ﷺ فأمّا بعد ذلك فإنّ المسلمين بعضهم فئة لبعض ممثّلة، قاله الحسن والضحاك وقتادة.
قال يزيد ابن أبي حبيب: أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النار.
فقال مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ الآية. فلمّا كان يوم أحد بعد ذلك قال: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ «١» ثمّ كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين. فقال:
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ... ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ «٢». وقال عطاء بن أبي رباح: هذه الآية منسوخة بقوله الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ «٣» الآية فليس لقوم أن يفروا من مثليهم فنسخت تلك الآية إلّا هذه العدّة.
وقال الكلبي: من قبل اليوم مقبلا أو مدبرا فهو شهيد ولكن سبق المقبل المدبر الى الجنة.
وروي جرير عن منصور عن إبراهيم قال: انهزم رجل من القادسية فأتى المدينة الى عمر.
فقال: يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف، فقال عمر- رضي الله عنه- أنا فئتك «٤».
وقال محمد بن سيرين: لمّا قتل أبو عبيد جاء الخبر إلى عمر- رضي الله عنه- فقال لو أنحاز إليّ فكنت له فئة [فأنا فئة] كل مسلم «٥».
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عمر قال: كنّا في مصيل بعثنا رسول الله ﷺ فخاض الناس خيضة فانهزمنا وكنّا نفر، قلنا نهرب في الأرض حياء ممّا صنعنا فدخلنا البيوت.
ثمّ قلنا: يا رسول الله نحن الفارون. قال رسول الله ﷺ «بل أنتم الكرارون وإنّا فئة المسلمين»
[٢٢٠] «٦».
وقال بعضهم: بل حكمنا عام في كل من ولى عن العدو وفيهم من
روى ما قال رسول الله ﷺ لبعض أهله: « [إياك والفرار] من الزحف فإن هلكوا فاثبتوا فما [... ] »
إلّا على ارتكاب الكبائر وإلّا الشرك بالله والفرار من الزحف لأن الله تعالى يقول وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ.» الآية.
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ الآية
فقال أهل التفسير والمغازي لمّا ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم

(١) سورة آل عمران: ١٥٥
. (٢) سورة التوبة: ٢٥. ٢٧
. (٣) سورة الأنفال: ٦٦
. (٤) تفسير القرطبي: ٧/ ٣٨٣
. (٥) المصدر السابق
. (٦) بدائع الصنائع: ٧/ ٩٩، والبداية والنهاية: ٤/ ٢٨٣ [.....]
. (٧) كلام غير مقروء ولم نجده في المصادر
.

صفحة رقم 337

بدرا قال: «هذه مصارع القوم إن شاء الله»، فلمّا طلعوا عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك، اللهمّ إنّي أسألك ما وعدتني فأتاه جبرئيل وقال:
خذ حفنة من تراب فارمهم بها»
[٢٢١].
فقال رسول الله ﷺ لمّا التقى الجمعان لعلّي رضي الله عنه: «أعطني قبضة من حصا الوادي» فناوله من حصى عليه تراب فرمى رسول الله ﷺ به في وجوه القوم وقال: «شاهت الوجوه».
فلم يبق مشرك إلّا دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شيء ثمّ ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وكانت تلك الرمية سبب الهزيمة «١».
وقال حكيم بن حزام: لمّا كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء كأنّه صوت حصاة وقعت في طست ورمي رسول الله ﷺ تلك الرمية فانهزمنا.
وقال قتادة وابن زيد: ذكر له أنّ رسول الله ﷺ أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى حصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم.
وقال: «شاهت الوجوه» فانهزموا [٢٢٢] «٢».
الزهري عن سعيد بن المسيب قال: نزلت هذه الآية في قتل أبي بن كعب الجمحي. وذلك أنّه أتى رسول الله ﷺ بعظم حائل وهو يفتّه فقال: يا محمد الله يحيي هذا وهو رميم؟
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: يحيه الله ثمّ يميتك ثمّ يدخلك النار فلمّا كان يوم بدر أسره ثمّ فدي، فلمّا افتدي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي فرسا أعلفها كل يوم [فرق] ذرة لكي أقتلك عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك إن شاء الله، فلمّا كان يوم أحد أقبل أبيّ بن خلف يركض بفرسه ذلك حتّى دنا من رسول الله ﷺ فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استاخروا» [٢٢٣]، فاستأخروا فقام رسول الله ﷺ بحربة في يده فرمى بها أبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعا من أضلاعه فرجع أبي إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه وطفقوا يقولون:
لا بأس، فقال أبي: والله لو كانت الناس لقتلهم، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله، فانطلق به أصحابه ينعونه حتّى مات ببعض الطريق فدفنوه ففي ذلك أنزل الله هذه الآية وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى الآية «٣».
وروى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن [جبير] أنّ رسول الله ﷺ يوم خيبر دعا بقوس

(١) تفسير الطبري: ٩/ ٢٧٠. ٢٧١
. (٢) المصدر السابق
. (٣) الطبقات الكبرى: ٢/ ٤٦
.

صفحة رقم 338

فأتي بقوس طويلة فقال: جيئوني بغيرها، فجاءوا بقوس كبداء فرمى النبيّ ﷺ الحصن فأقبل السهم يهوي حتّى قتل كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ فهذا سبب نزول الآية «١».
فأمّا معناها فإن الله تعالى أضاف القتل والرمي إلى نفسه لأنّه كان منه تعالى التسبيب والتسديد ومن رسوله والمؤمنين الضرب والحذف. وكذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة من الله تعالى الإنشاء والإيجاد بالقدرة القديمة التامّة ومن الخلق الاكتساب بالقوى المحدثة، وفي هذا القول دليل على ثبوت مذهب أهل الحق وبطلان قول القدريّة.
وقيل: إنّما أضافها إلى نفسه لئلّا يعجب القوم.
قال مجاهد: قال هذا: قتلت، وقال هذا: قتلت، فأنزل الله هذه الآية.
وقال الحسن: أراد فلم تميتوهم ولكن الله أماتهم وأنتم جرحتموهم لأن إخراج الروح إليه لا إلى غيره.
قال وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي [قتل] يبلغ إلى المشركين بها وملأ عيونهم منها.
وقال ابن إسحاق: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي لم يكن ذلك رميتك لولا الذي جعل الله فيها من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتّى هزمهم.
وقال أبو عبيده: تقول العرب: رمى الله لك، أي نصرك. قال الأعمش: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى أي وفّقك وسدّد رميتك «٢».
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً أي ولينعم على المؤمنين نعمه عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والثواب.
وقال ابن إسحاق: ليعرف المؤمنين نعمة نصرهم وإظهارهم على عدوهم مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا نعمه إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالهم عَلِيمٌ بأفعالهم سميع بأسرارهم عليم بإضمارهم ذلِكُمْ يعني: ذكرت من القتل والرمي والأجل الحسن وَأَنَّ اللَّهَ

(١) أسباب النزول: ١٥٦، وتفسير ابن كثير: ٢/ ٣٠٨
. (٢) أقول هذا حاصل من الآية، إنما الآية تريد أن تنزل ضربة الرسول الأعظم منزلة ضربة الباري عز وجل، ففي عين أن الرسول هو الرامي الله تعالى هو الرامي، وهو في قوة
الحديث القدسي المشهور: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل [والعبادات] حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها»
راجع غوالي اللئالي: ٤/ ١٠٣ ح ١٥٢، وكنز العمال: ١/ ٢٢٩ ح ١١٥٥
.

صفحة رقم 339

أي: وأعلموا أن الله، وفي فتح (أن) من الوجوه ما في قوله تعالى ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ [وقد بيناه هناك] «١».
مُوهِنُ مضعف كَيْدِ الْكافِرِينَ قرأ الحجازي والشامي والبصري: مُوَهِّنٌ بالتشديد والتنوين (كَيْدَ) نصبا وقرأ أكثر أهل الكوفة (مُوهِنٌ) بالتخفيف والتنوين (كَيْدَ) نصبا واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن محيصن و [الأعمش] وحفص: مُوهِنُ كَيْدِ، مخفّفة مضافة بالجر فمن نوّن معناه: وهن، ومن خفّف وأضاف قصر الخفّة كقوله مُرْسِلُوا النَّاقَةِ «٢» وكاشِفُوا الْعَذابِ «٣» ووهن وأوهن لغتان صحيحتان فصيحتان إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وذلك أنّ أبا جهل قال يوم بدر: اللهمّ أينا كان أفجر وأقطع للرحم وآتانا بما لا نعرف فانصرنا عليه، فاستجاب الله دعاءه وجاء بالفتح وضربه ابنا عفراء: عوف ومسعود، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود «٤».
وقال السدي والكلبي: كان المشركون حين خرجوا الى النبيّ ﷺ من مكّة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهمّ انصرنا على الحزبين وأهدى القبتين وأكرم الجندين وأفضل الدينين فأنزل الله هذه الآية.
وقال عكرمة: قال المشركون اللهمّ لا نعرف ما جاء به محمد فأفتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله تعالى إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أي أن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
وقال أبي بن كعب وعطاء الخراساني: هذا خطاب أصحاب رسول الله قال الله للمسلمين: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أي تستنصروا الله وتسألوه الفتح فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أي بالنصرة.
وقال خبّاب بن الأرت: شكونا الى رسول الله عليه السلام فقلنا: لا تستنصر لنا، فاحمر وجهه وقال: «كان الرجل قبلكم يؤخذ ويحفر له في الأرض، ثمّ يجاء بالمنشار فيقطع بنصفين ما يصرفه عن دينه شيء، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه عن دينه، وليتمنّ الله هذا الأمر حتّى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ولا يخشى إلّا الله عزّ وجلّ والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون» [٢٢٤] «٥».

(١) عبارة المخطوط غير مقروء والظاهر ما أثبتناه، وهو موافق لما في تفسير الطبري الحرف بالحرف: ٩/ ٢٧٣
. (٢) سورة القمر: ٢٧
. (٣) سورة الدخان: ١٥
. (٤) تفسير الطبري: ٩/ ٢٧٤
. (٥) مسند أحمد: ٥/ ١٠٩، والمعجم الكبير: ٤/ ٦٣
.

صفحة رقم 340
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية