آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ.
قال الحسن ومجاهد والسدي: وهذا خطاب للكفار على سبيل التهكم بهم. وقال السدي:
إن المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا أستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين، وأكرم الحزبين، وأفضل الدينين. والمعنى إن تستنصروا أيها الكفار لأعلى الجندين فقد جاءكم النصر لأعلاهما وقد زعمتم أنكم الأعلى فالتهكم في المجيء أو فقد جاءكم الهزيمة، فالتهكم في نفس الفتح، وإن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذيبه فهو خير لكم في الدين بالخلاص من العقاب. والفوز بالثواب، وفي الدنيا بالخلاص من القتل والأسر والنهب، وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى تسليط المسلمين على قتلكم ولن تدفع عنكم جماعتكم شيئا من الضرر ولو كثرت. وقيل: هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى إن تستنصروا أيها المؤمنون فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال وعن طلب الفداء على الأسرى فهو خير لكم، وإن تعودوا إلى تلك المنازعة نعد إلى ترك نصرتكم ثم لا تنفعكم كثرتكم وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩).
قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم «وأن» بفتح الهمزة وهو خبر مبتدأ محذوف، أي والأمر أن الله مع الكاملين في الإيمان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في الإجابة إلى الجهاد وإلى ترك المال إذا أمره بتركه وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ أي ولا تعرضوا عن الرسول أي عن قبول قوله وعن معونته في الجهاد وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) دعاءه إلى الجهاد
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا بألسنتهم سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) أي إنا قبلنا تكاليف الله تعالى، والحال أنهم بقلوبهم لا يقبلونها إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) أي إن شر كل حيوان في حكم الله تعالى من لا يسمع الحق ولا ينطق به ولا يفقه أمر الله تعالى.
قال ابن عباس: هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون: نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم، فقتلوا جميعا يوم بدر وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ أي ولو حصل في بني عبد الدار خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تفهم وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ بعد أن علم أنه لا خير فيهم لَتَوَلَّوْا عنها ولم ينتفعوا بها وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) أي والحال أنهم مكذبون بها. قيل:
إن الكفار سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يحيى لهم قصي بن كلاب وغيره من أمواتهم ليخبروهم بصحة نبوته صلّى الله عليه وسلّم فبين الله تعالى أنه لو علم فيهم خيرا وهو انتفاعهم بقول هؤلاء الأموات لأحياهم الله تعالى حتى يسمعوا كلامهم ولكنه تعالى علم منهم أنهم لا يقولون: أحي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك إلا على سبيل العناد والتعنت وإنه لو أسمعهم الله كلام

صفحة رقم 421

قصي وغيره لتولوا عن قبول الحق على أدبارهم ولأعرضوا عما سمعوه بقلوبهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ أي أجيبوا الله والرسول بحسن الطاعة إذا دعاكم الرسول إلى ما فيه سبب حياتكم الأبدية من الإيمان أو القرآن أو الجهاد.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ على باب أبي بن كعب وهو في الصلاة، فدعاه، فعجل في صلاته، ثم جاء فقال صلّى الله عليه وسلّم له: «ما منعك عن إجابتي؟» قال: كنت في الصلاة، قال: «ألم تخبر فيما أوحي إلي اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ» «١» فقال: لا جرم لا تدعوني إلا أجيبك
وَاعْلَمُوا يا معشر المؤمنين أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي يحول بين المرء وبين ما يريده بقلبه فإن الأجل يحول دون الأمل، فكأنه قال تعالى: بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء فإن ذلك غير موثوق به.
وقال مجاهد: المراد من القلب هنا العقل، أي فإن الله يحول بين المرء وعقله، والمعنى فبادروا إلى الأعمال وأنتم تعقلون فإنكم لا تأمنون زوال العقل والله يحول بين المرء والكافر وطاعته ويحول بين المرء المطيع ومعصيته والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكثر أن
يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»
«٢» ولا يستطيع المرء أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه تعالى وَأَنَّهُ أي واعلموا أن الشأن إِلَيْهِ أي الله تعالى تُحْشَرُونَ (٢٤) في الآخرة فيجزيكم بحسب مراتب أعمالكم فسارعوا إلى طاعة الله ورسوله وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً أي واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصروا على الظالمين خاصّة بل تتعدى إليكم جميعا وتصل إلى الصالح والطالح، وحذر تلك الفتنة بالنهي عن المنكر فالواجب على كل من رآه أن يزيله إذا كان قادرا على ذلك فإذا سكت عليه فكلهم عصاة هذا بفعله وهذا برضاه وقد جعل الله تعالى الراضي بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة.
وعلامة الرضا بالمنكر: عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي فلا يتحقق كون الإنسان كارها له إلا إذا تألم له تألمه لفقد ماله أو ولده فكل من لم يكن
بهذه الحالة فهو راض بالمنكر فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه، والمعنى الزموا الاستقامة خوفا من عذاب الله تعالى وَاذْكُرُوا يا معشر المهاجرين إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ في العدد في أول الإسلام مُسْتَضْعَفُونَ فِي

(١) رواه ابن حجر في فتح الباري (٨: ٣٠٧).
(٢) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب: ٨٩، وابن ماجة في كتاب الدعاء، باب: دعاء الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأحمد في (م ٤/ ص ١٨٢).

صفحة رقم 422

الْأَرْضِ أي مقهورون في أرض مكة تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ تخافون إذا خرجتم من البلد أن تأخذكم مشركو العرب بسرعة لشدة عداوتهم لكم ولقربهم منكم فَآواكُمْ أي نقلكم إلى المدينة فصرتم آمنين من كفار مكة وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ أي قواكم بنصرته يوم بدر وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي من الغنائم وهي كانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) هذه النعم العظيمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ في الدين وفي الإشارة إلى بني قريظة أن لا تنزلوا على حكم سعد بن معاذ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ فيما بينكم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) أن ما وقع منكم خيانة.
روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حاصر يهود بني قريظة خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار فسألوه صلّى الله عليه وسلّم الصلح كما صالح بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم في أذرعات وأريحا من الشام، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبوا وقالوا:
أرسل إلينا أبا لبابة وهو رفاعة بن عبد المنذر نستشيره في أمرنا وكان مناصحا لهم لأن ماله وعياله عندهم، فأرسله إليهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى لنا أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه أي حكم سعد هو القتل فلا تفعلوا فكان منه خيانة لله ورسوله وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
أي محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة لأنه يشغل القلب بالدنيا ويصيّره حجابا عن خدمة المولى وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
(٢٨) فإن سعادات الآخرة خير من سعادات الدنيا لأنها أعظم في الشرف وفي المدة لأنها تبقى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً أي نجاة مما تخافون في الدارين وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ أي يسترها في الدنيا وَيَغْفِرْ لَكُمْ أي يزلها في الآخرة وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) على عباده بالمغفرة والجنة وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي واذكر يا أشرف الخلق وقت احتيالهم بك في إيصال الضرر والهلاك لِيُثْبِتُوكَ أي ليسجنوك أو ليثبتوك بالوثائق كما قرئ ليقيدوك أَوْ يَقْتُلُوكَ بسيوفهم أَوْ يُخْرِجُوكَ من مكة وَيَمْكُرُونَ أي يريدون هلاكك يا أكرم الرسل وَيَمْكُرُ اللَّهُ أي يرد مكرهم عليهم، وذلك بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فلقوا ما لقوا وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) أي أقواهم فكل مكر يبطل في مقابلة فعل الله تعالى.
قال المفسرون: إن مشركي قريش عرفوا لما أسلمت الأنصار أن أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يظهر، فاجتمع نفر من كبار قريش في دار الندوة. أي في الدار التي يقع فيها الاجتماع للتحدث ورؤوسهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان وطعيمة بن عدي، وجبير بن معطم والحرث بن عامر، والنضر بن الحرث، وأبو البحتري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، وأبو جهل، وأمية بن خلف، ونبيهة ومنبه ابنا الحجاج ودخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال: أنا من أهل

صفحة رقم 423
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية