آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ
ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ

فلا تخافوهم وما يشعر به دخول كلمة مع من متبوعية الملائكة انما هو من حيث انهم المباشرون للتثبيت صورة فلهم الاصالة من تلك الحيثية كما فى أمثال قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا بالبشارة وتكثير السواد ونحوهما مما تقوى به قلوبهم والتثبيت عبارة عن الحمل على الثبات فى مواطن الحرب والجد فى مقاساة شدائد القتال سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ اى سأقذف فى قلوبهم المخافة من المؤمنين وهو تلقين للملائكة ما يثبتونهم به كأنه قيل قولوا لهم قولى سألقى إلخ فَاضْرِبُوا ايها المؤمنون فلا دلالة فى الآية على قتال الملائكة فَوْقَ الْأَعْناقِ أعاليها التي هى المذابح او الرؤوس قال الحدادي وانما امر الله بضرب الأعناق لان أعلى جلدة العنق هو المقتل وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ البنان فى اللغة هو الأصابع وغيرها من الأعضاء التي بها يكون قوام الإنسان وحياته والمقصود اضربوهم فى جميع الأعضاء من أعاليها الى أسافلها. وقيل الوجه ان يراد بها المدافعة والمقاتلة وكذا قال التفتازانيّ لِكَ
الضرب والقتل والعقاب واقع عليهم أَنَّهُمْ
اى بسبب انهم اقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
اى خالفوا وغالبوا من لا سبيل الى مغالبته أصلا قال ابن الشيخ معنى شاقوا الله شاقوا اولياء الله واشتقاق المشاقة من الشق لما ان كلا من المشاقين فى شق خلاف شق الآخر كما ان المحادة ان بصير أحدهما فى حد غير حد الآخر وفى الآية اشارة الى ان كل سعادة وشقاوة تحصل للعبد فى الدنيا والآخرة يكون للعبد فيها مدخل بالكسب مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
اى ومن يخالف اولياء الله ورسوله إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
له قال الحدادي اما اظهار التضعيف فى موضع الجزم فى قوله شاقِقِ اللَّهَ
فهو لغة اهل الحجار وغيرهم يدغم أحد الحرفين فى الآخر لاجتماعهما من جنس واحد كما قال تعالى فى سورة الحشر وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ بقاف واحدة ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ قوله ذلكم خبر مبتدأ محذوف وقوله وان إلخ معطوف عليه. وقوله فذوقوه اعتراض والضمير لما فى ضمن المشار اليه من العقاب والتقدير حكم الله ذلكم اى ثبوت هذا العقاب لكم عاجلا وثبوت عذاب النار آجلا وانما قال فى عذاب الدنيا فذوقوه لان الذوق يتناول اليسير من الشيء فكل ما يلقى الكفار من ضرب او قتل او اسر او غيرها فى الدنيا فهو بالنسبة الى ما أعد لهم فى الآخرة بمنزلة ذوق المطعوم بالنسبة الى أكله قال فى التأويلات النجمية فَذُوقُوهُ اى ذوقوا العاجل منه صورة ومعنى اما صورة فبا لقتل والاسر والمصائب والمكروهات واما معنى فبالبعد والطرد عن الحضرة وتراكم الحجب وموت القلب وعمى البصيرة وضعف الروح وقوة النفس واستيلاء صفاتها وغلبة هواها وما يبعده عن الحق ويقربه الى الباطل وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال سوى اصحاب رسول الله ﷺ صفوفهم وقدموا راياتهم فوضعوها مواضعها فوقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بعير له يدعو الله ويستغيث فهبط جبريل عليه السلام فى خمسمائة على ميمنتهم وميكائيل عليه السلام فى خمسمائة على ميسرتهم فكان الملك يأتى الرجل من المسلمين على صورة رجل ويقول له دنوت من عسكر المشركين فسمعتهم يقولون والله لئن حملوا علينا

صفحة رقم 322

لا نثبت لهم ابدا والقى الله فى قلوب الكفرة الرعب بعد قيامهم للصف فقال عتبة بن ربيعة يا محمد اخرج إلينا أكفاءنا من قريش نقاتلهم فقام إليهم بنوا عفراء من الأنصار عوذ ومعوذ امّهم عفراء وأبوهم الحارث فمشوا إليهم فقالوا لهم ارجعوا وأرسلوا إلينا أكفانا من بنى هاشم فخرج عليهم حمزة وعلى وعبيدة بن الحارث فقال على مشيت الى الوليد بن عتبة ومشى الى فضربته بالسيف اطرت يده ثم بركت عليه فقتلته فقام شيبة بن ربيعة الى عبيدة بن الحارث فاختلفا بضربتين ثم ضرب عبيدة ضربة اخرى فقطع ساق شيبة ثم قام حمزة الى عتبة فقال انا اسد الله واسد رسوله ثم ضربه حمزة فقتله فقام ابو جهل فى أصحابه يحرضهم يقول لا يهولنكم ما لقى هؤلاء فانهم عجلوا فاستحقوا ثم حمل هو بنفسه ثم حمل المسلمون كلهم على المشركين فهزموهم بإذن الله تعالى وفى حق هؤلاء السادات ورد (اطلع الله على اهل بدر) يعنى نظر إليهم بنظر الرحمة والمغفرة (فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) المراد به اظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم لا الترخيص لهم فى كل فعل كما يقال للمحبوب اصنع ما شئت فعلى العاقل ان يقتفى باثرهم فى باب المجاهدة مطلقا: قال الحافظ

درره نفس كزو سينه ما بتكده شد تير آهى بگشاييم وغزايى بكنيم
وقال فى حق اهل الجزع
ترسم كزين چمن نبرى آستين كل كز كلشنش تحمل حارى نميكنى
اللهم اجعلنا من الصابرين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لقيه اى رآه زَحْفاً الزحف الدبيب يقال زحف الصبى زحفا من باب فتح إذا دب على استه قليلا قليلا سمى به الجيش الدهم المتوجه الى العدو لانه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف وذلك لان الكل يرى كجسم واحد متصل فيحس حركته بالقياس اليه فى غاية البطيء وان كانت فى نفس الأمر فى غاية السرعة ونصبه على انه حال من مفعول لقيتم بمعنى زاحفين نحوكم. والمعنى إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ فلا تولوهم أدباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قتلكم فضلا عن ان تدانوهم فى العدد وتساووهم عدل عن لفظ الظهور الى لفظ الأدبار تقبيحا لفعل الفار وتشنيعا لا نهزامه والتولية جعل الشيء يلى غيره وهو متعد الى مفعولين وولاه دبره إذا جعله اليه وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ اى ومن يجعل ظهره إليهم وقت اللقاء والقتال فضلا عن الفرار فيومئذ هنا بمعنى حينئذ لان اليوم وان كان اسما لبياض النهار إذا اطلق لكنه إذا قرن به فعل لا يمتد يراد به مطلق الوقت إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ اما بالتوجه الى قتال طائفة اخرى أهم من هؤلاء واما بالفر للكر بان يخيل لعدوه انه منهزم ليغره ويخرجه من بين أعوانه ثم يعطف عليه وحده او مع من فى المكمن من أصحابه وهو باب من خدع الحرب ومكايدها يقال انحرف وتحرف إذا مال من جانب الى جانب آخر والحرف الطرف والجانب وانتصابه على الحالية والتقدير ومن يولهم ملتبسا بحال من الأحوال اية حال كانت الا فى حال كذا أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ اى منجازا الى جماعة اخرى من المؤمنين قريبة او بعيدة لينضم إليهم ثم يقاتل معهم العدو فالانهزام حرام

صفحة رقم 323

الا فى هاتين الحالتين فان كل واحدة منهما ليست انهزاما فى الحقيقة بل من قبيل التهيؤ والتقوى للحرب فمن ولى ظهره لغير أحد هذين الغرضين فَقَدْ باءَ اى رجع بِغَضَبٍ عظيم كائن مِنَ اللَّهِ تعالى وَمَأْواهُ فى الآخرة جَهَنَّمُ اى بدل ما أراد بفراره ان يأوى اليه من مأوى ينجيه من القتل والمأوى المكان الذي يأوى اليه الإنسان اى يأتيه وَبِئْسَ الْمَصِيرُ اى المرجع جهنم وهذا الوعيد وان كان بحسب الظاهر متناولا لكل من يولى دبره وقت ملاقاة الكفار الا انه مخصوص بما إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين لقوله تعالى فى آخر هذه السورة الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ قال ابن عباس رضى الله عنه من فرمن ثلاثة لم يفر ومن فرمن اثنين فقد فر اى ارتكب المحرم وهو كبيرة الفرار من الزحف: وفى المثنوى

اين چنين هوشى كه از موشى پريد اندر آن صف تيغ چون خواهد كشيد
چالش است آن حمزه خوردن نيست اين تا تو بر مالى بخوردن آستين
نيست حمزه خودن اينجا تيغ بين حمزه بايد درين صف آهنين
كار هر نازك دلى نبود قتال كه كر يزد از خيالى چون خيال
كار تركانست نى تركان برو جاى تركان هست خانه خانه شو
وعد بعض العلماء الكبائر الى سبعين منها الفرار من الجيش فى الغزو إذا كان مثلا او ضعفا وكل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله والدين فهى كبيرة تسقط العدالة فى الشهادة فعلى العاقل ان يقدم على الحرب بقلب جريىء ويعلم ان الجبن لا يؤخر اجله وان الاقدام على القتال لا يعجل موته ويتشبه الغازي فى أوان المقاتلة بأصناف من الخلق فيكون كقلب الأسد لا يجبن ولا يفر كما ان الأسد مقدام غير جبان وكرار غير فرار وفى كبر النمر بالفارسية [پلنگ] لا يتواضع للعدو وفى شجاعة الدب يقاتل بجميع جوارحه وفى جملة الخنزير لا يولى دبره إذا حمل اى لا يعرض وجهه عما توجه اليه وفى إغارة الذئب إذا يئس من وجه أغار من وجه آخر والاغارة بالفارسية [يغما كردن] وفى حمل السلاح الثقيل كالنملة تحمل أضعاف وزن بدنها وفى الثبات كالحجر لا يزول عن مكانه وفى الصبر كالحمار وفى الوفاء كالكلب لو دخل سيده النار يتبعه وفى التماس الفرصة والظفر كالديك ويكون فى الصف ساكنا كالمصلى الخاشع ويكون فى متابعة امير العسكر كمتابعة المأموم امامه فى الصلاة اى لا يخالفه أصلا ويغطى نفسه بالسلاح كتغطية البكر نفسها بالثياب إذا زفت اى أرسلت الى الزوج وفى تكثير قليل سلاحه وماله كالمرائى إذا قل ماله وعبادته ويكون فى المكر والخيلة إذا هزمه العدو اى غلب عليه كالثعلب إذا اضطره الكلب فان مدار الحرب على الخداع وفى التبختر والخيلاء بين الصفين كالعروس وفى الخفة فى تحريف القتال من جانب الى آخر كالصبى وفى صياحه إذا صاح بالعدو كالرعد وهو اسم ملك على قول وفى سوء ظنه اى فى الحذر عما يهلكه فى جميع أحواله كالغراب الا بقع وهو الذي فيه سواد وبياض وفى حراسته والاحتراز عن المكاره كالكركى وهو طير معروف لا زوردى اللون يشابه اللقلق فى الهيئة بالفارسية [كلتك] ومن الحيوان الذي لا يصلح الا برئيس لان فى طبعه الحرس والتحارس بالنوبة والذي يحرس يهتف بصوت خفى كأنه يندر بانه حارس

صفحة رقم 324
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية