
الهوي فقالوا: إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه. وقيل لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصدّيقين. وقيل:
فخالف هواها واعصها إن من يطع | هوى نفسه تنزع به كل منزع |
ومن يطع النفس اللجوجة ترده | وترم به فى مصرع أىّ مصرع |
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)
شرح المفردات
الساعة: هى ساعة يبعث الله الخلائق من قبورهم، وهى يوم القيامة، أيان: أي متى، مرساها: أي إرساؤها، وإقامتها: أي حصولها، فيم أنت من ذكراها: أي فى أىّ شىء أنت من أن تذكر لهم وقت حصولها، وتبين لهم الزمان المعين لوقوعها، إلى ربك منتهاها: أي إن منتهى علم حصولها عند ربك لم يؤته أحدا من خلقه، واللبث:
الإقامة، والعشية طرف النهار من آخره، والضحى: طرفه من أول.
المعنى الجملي
كان المشركون يسألون الرسول عنادا واستهزاء عن الساعة، ويطلبون إليه أن يعجل بها كما يرشد إلى ذلك قوله: «يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها» وربما سألوه عن تحديد وقتها، فكان النبي ﷺ يردد فى نفسه ما يقولون، ويتمنى لو أمكن أن يجيب عما يسألون، كما هو شأن الحريص على الهداية، المجدّ فى الإقناع- فهاه الله عن تمنى ما لا يرجى، وأبان له أنه لا حاجة لك إلى ذلك، صفحة رقم 35

فإن علمها عند ربك، وإنما شأنك أن تنذر من يخافها فتنبهه من غفلته، حتى يستعد لما يلقاه حينئذ، أما هؤلاء المعاندون فدعهم فى غوايتهم، ولا تشغل نفسك بالجواب عما يسألون، فإذا جاء هذا اليوم خيل إليهم أنهم لم يلبثوا من يوم خلقوا إلى يوم البعث إلا طرفا من نهار أوله أو آخره، ولم يلبثوا نهارا كاملا لمفاجأتهم لهم على غير استعداد لوقوعها.
الإيضاح
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها؟) أي يسألك أيها الرسول هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتى من قبورهم، متى قيامها وظهورها؟
(فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) أي ما هذه الذكرى الدائمة لها، وما هذا الاهتمام الذي جعلك لا تألو جهدا فى السؤال عنها؟.
روى عن عائشة رضى الله عنها «أن رسول الله ﷺ لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت هذه الآية».
وتلخيص المعنى- لا تشغل نفسك بهذا الأمر، ولا تكلفها عناء البحث عنه، واستكناه أسراره، ومعرفة ما حجبه الله عن خلقه من شأنه.
(إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) أي إلى ربك ينتهى علم الساعة، فلا يعلم وقت قيامها غيره، ولم يعطه لملك مكرم، ولا لنبى مرسل.
(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) أي إنما أنت رسول مبعوث للإنذار والتخويف، وتحذير الناس من المعاصي والقبائح، ولم تكلف علم وقتها، فدع علم ما لم تكلف به، واعمل ما أمرت به من إنذار من أمرت بإنذاره.
ونحو الآية قوله: «إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ» وقوله: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» ثم قرر ما دل عليه الإنذار من سرعة مجىء المنذر به، فقال:

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) أي إن هذا اليوم الذي لجوا فى إنكاره سيقع البتة، ويرونه بأعينهم، فإذا عاينوه حسبوا أنهم لم يلبثوا فى الدنيا إلا ساعة من نهار ثم انقضت.
والخلاصة- إنهم ظنوا أنهم لم يلبثوا إلا عشية يوم أو ضحى تلك العشية، وتقول العرب: آتيك العشية أو غداتها، وآتيك الغداة أو عشيتها، والمراد أنهم يستقصرون مدة لبثهم، ويزعمون أنهم لم يلبثوا إلا قدر آخر نهار أو أوله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
موضوعات السورة الكريمة
(١) إثبات البعث.
(٢) مقالة المشركين فى إنكاره والردّ عليهم (٣) قصص موسى مع فرعون، وفيه تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم.
(٤) إقامة البرهان على إثبات البعث.
(٥) أهوال يوم القيامة.
(٦) الناس فى هذا اليوم فريقان: سعداء وأشقياء بحسب أعمالهم فى الدنيا.
(٧) سؤال المشركين عن الساعة وميقاتها.
(٨) نهى الرسول عن البحث عنها واشتغاله بأمرها.
(٩) ذهول المشركين من شدة الهول عن مقدار ما يلبثوا فى الدنيا.