آيات من القرآن الكريم

فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ
ﭖﭗﭘﭙﭚ

قال الله -تعالى-: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾، قال عطاء عن ابن عباس: يريد شفاعة الملائكة والنبيين، كما نفعت الموحدين (١).
وقال مقاتل: لا تنالهم شفاعة الملائكة والنبيين (٢).
وقال الحسن: حل عليهم غضب الله، فلم تنفعهم شفاعة ملك، ولا شهيد، ولا مؤمن (٣).
وقال عمران بن حصين: الشفاعة نافعة لكل أحد دون هؤلاء الذين تسمعون (٤).
وقال كعب: لا تزال الشفاعة تجوز حتى تبلغ أهل هذه الآيات: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ إلى آخرها (٥).
٤٩ - قوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ﴾، يعني كفار قريش حين نفروا عن القرآن.
﴿عَنِ التَّذْكِرَةِ﴾، أي عن التذكرة بمواعظ القرآن.
﴿مُعْرِضِينَ﴾، نصب على الحال (٦)، أي: أي شيء لهم، وهم معرضون عن التذكرة. والمعنى: لا شيء لهم في الآخرة إذ أعرضوا عن القرآن فلم يؤمنوا به.
ثم شبههم في نفورهم عن القرآن بحمر نافرة (فقال:

(١) الوسيط: ٤/ ٣٨٧، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٣ من غير عزو.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ.
(٣) الوسيط: ٤/ ٣٨٧.
(٤) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١٢: ٢١١/ ب.

صفحة رقم 457

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾) (١) (قال ابن عباس (٢)، وغيره (٣): يريد الحمر الوحشية) (٤). (﴿مُسْتَنْفِرَةٌ﴾، أي: نافرة) (٥) (يقال: نفر، واستنفر، مثل: سخِر، واستسخَر، وعَجِبَ واسْتَعْجَبَ) (٦).
أنشد أبو عبيدة (٧) (٨)، (وابن الأعرابي (٩)، والفراء (١٠)، والزجاج (١١)) (١٢):

ارْبِط حِمارَكَ إنَهُ مُسْتَنْفَرٌ في إثْرِ أحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ (١٣)
(١) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٢) "زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠.
(٣) عكرمة. "الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩، وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن الحجة: ٦/ ٣٤١.
(٧) لم أجده في "مجاز القرآن".
(٨) في (أ): فقال، وهي تعتبر لفظة زائدة عند وجود ما أثبته من نسخة: ع، وهو: ابن الأعرابي، والفراء، والزجاج.
(٩) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٢١٠، مادة: (نفر) برواية: "اضرب" بدلاً من "اربط".
(١٠) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٦، برواية: "أمسك" بدلاً من: "اربط".
(١١) معاني القرآن وإعرابه: ٥/ ٢٥٠ برواية: "أمسك".
(١٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١٣) البيت لنافع بن لقيط الفقعسي، وقد ورد في: في: كتاب "المعاني الكبير" ٢/ ٧٩٣، و"لسان العرب" ١/ ٦٤٨: (غريب) ج: ٥/ ٢٤: مادة: (نفر)، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٦٨، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٩/ ٨٧، وكلها برواية: "أمسك" بدلاً من: "اربط"، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠ برواية: "عهدن لعرب"، القراءات وعلل النحويين فيها: ٢/ ٧٢٧. =

صفحة رقم 458

(وقرئ "مُسْتَنْفَرَة" بفتح الفاء (١). وهي بمعنى مذعورة. يقال: استنفر الوحش وأنفرتها ونفرتها بمعنى واحد) (٢)، واختاره (٣) أبو عبيد قال: لأن أكثر ما تكلم به العرب إذا جعلت الفعل للحمر أن تقول: أنفرت، ولا يكادون يقولون: استنفرت، إذا كانت هي الفاعلة، يقولون: استنفرت، إذا فعل ذلك بها، فهي مستنفرة (٤).
وقال أبو علي الفارسي: (الكسر في "مُستنفِرة" أولى، ألا ترى أنه: قال "فرت من قسورة"، وهذا يدل على أنها هي استنفرت) (٥).
ويدل على صحة ما قال أبو علي (أن محمد بن سلام قال: سألت أبا

= وموضع الشاهد: "مستنفر"، وهو عند أهل الحجاز "مستنفَر" بفتح الفاء، وهما جميعًا كثيران في كلام العرب.
والمعنى: كف نفسك عن أذى قومك، ولا تطمحن إليهم بالأذى، فإنك قد عرت في شتمهم كما يعير الحمار عند مربط أهله يتبع حمرًا.
انظر: "شرح أبيات معاني القرآن للفراء ومواضع الاحتجاج بها" د. ناصر حسين علي: ٦٠: ش ١١٥.
(١) قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر: مُسْتَنْفَرَة -بفتح الراء، ونصب الفاء-، والمفضل عن عاصم مثله.
وقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: مُستَنْفِرة -بكسر الفاء-.
انظر: كتاب السبعة: ٦٦٠، و"الحجة": ٦/ ٣٤١، و"المبسوط": ٣٨٦، و"كتاب التبصرة": ٧١٤، و"تحبير التيسير": ١٩٤.
(٢) ما بين القوسين نقله عن الأزهري. انظر: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٢١٠، مادة: (نفر).
(٣) أي اختار قراءة فتح الفاء.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ما بين القوسين هو من قول أبي الحسن نقله عنه أبو علي في الحجة: ٦/ ٣٤١ بنصه.

صفحة رقم 459

سوار الغنوي (١)، وكان أعرابيًّا فصيحًا، فقلت: كأنهم حمر ماذا؟ قال: مستنفرة طردها قسورة، قلت: إنما هو: فرت من قسورة، قال: أفرَّت؟، قلت: نعم، قال: فمستنفرة إذًا) (٢).
قوله تعالى: ﴿فَرَّت﴾: يعني الحمر.
﴿مِنْ قَسْوَرة﴾: اختلفوا في تفسير القسورة: فروى عن ابن عباس فيها أقوالاً، قال في رواية عطاء (٣)، (والكلبي (٤)) (٥): إنها الأسد؛ وهو قول: أبي هريرة (٦)، قال هي: الأسد الأسود (٧).
قال أبو عبيدة (٨)، وابن الأعرابي (٩)،.......

(١) أبو سوار الغنوي: روى عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، روى عنه أبو سلمة موسى بن إسماعيل. انظر: كتاب "الجرح والتعديل" ٩/ ٣٤٢: ت: ١٨٢٧.
(٢) ما بين القوسين عند أبي علي في الحجة: ٦/ ٣٤٢ نقله عنه الإمام الواحدي بنصه.
(٣) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، كما ذكرت الرواية عن ابن عباس من غير ذكر الطريق إلى ابن عباس في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٦.
(٤) المراجع السابقة، وانظر: الوسيط بين المقبوض والبسيط: ٢/ ٦٢١، وانظر: مادة: (قسر) في: "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٩٩، و"لسان العرب" ٥/ ٩٢.
(٥) ساقط من: (أ).
(٦) بياض في (ع).
(٧) "جامع البيان" ٢٩/ ١٧٠، و"الكشف والبيان" ١٢: ٢١٣/ أمن غير ذكر الأسود، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٣٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وانظر: مجمع الزوائد: ٧/ ١٣٢: تفسير سورة المدثر. وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات.
(٨) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٦.
(٩) "لسان العرب" ٥/ ٩٢: مادة: (قسر).

صفحة رقم 460

(والمبرد (١)) (٢): القسورة الأسد، مأخوذ من: القسر، وهو: القهر على الكره، سمي بذلك؛ لأنه يقهر السباع.
قال ابن عباس: الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه، كذلك هؤلاء المشركون إذا رأوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، أو سمعوه يقرأ، هربوا منه كما تهرب الحمير من الأسد (٣).
وقال في رواية سليمان (بن قتة) (٤) هي: الأسد بلسان الحبشة (٥) (٦)، وخالف عكرمة فقال: الأسد بلسان الحبشة: عنبسة (٧).
وقال (٨) في رواية سليم.......

(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) ساقط من: (أ).
(٣) "زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٧٩١.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) الحبشة ويراد به حاليًا أثيوبيا تقع في الجناح الشمالي الشرقي من قارة إفريقيا، أو ما يعرف الآن بالقرن الأفريقي، وأثيوبيا كلمة إغريقية معناها بلاد الأثيوبيين، أي بلاد المحروقة وجوههم، عاصمتها: أديس أبابا، واللغة الرسمية: الأمهرية، تتميز بغزارة أمطارها صيفًا التي تذهب أكثرها إلى بحيرة تانا في الشمال الشرقي. تحوي صادراتها: الحبوب، والبن، والعسل، والجلود، والذهب.
العملة الرسمية لها: البِرّ، كانت تدين بالوثنية ثم اعتنقت النصرانية، ودخلتها اليهودية من اليمن ثم دخلها الإسلام في القرن ٧ م.
انظر: الموسوعة العالمية: ١/ ٨٣ - ٨٧، و"الموسوعة العربية الميسرة" ١/ ٥٣.
(٦) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٢: ٢١٣/ أ، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢ من غير ذكر الطريق إلى ابن عباس.
(٧) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢.
(٨) أي ابن عباس.

صفحة رقم 461

(بن عبد (١)) (٢): هم الرماة (٣). (وهو قول مجاهد (٤)، وأبي موسى الأشعري (٥)، والضحاك (٦)، ومقاتل (٧)، وابن كيسان (٨)، وعكرمة (٩)) (١٠).
وهذا معنى قول من قال في "القسورة": إنهم القناص (١١). (وهو رواية

(١) سليم بن عبد: لعله: سليم بن عبد السلولي الكناني، كوفي، روى عن حذيفة، روى عنه أبو إسحاق السبيعي.
انظر: كتاب "الجرح والتعديل" ٤/ ٢١٢: ت: ٩١٥.
أو لعله يراد به: سليمان بن عبد الله السلولي، فقد وردت بمثل هذه الرواية من طريقه عن ابن عباس في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، ولم أعثر على ترجمة له.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: أ، وغير مستكمل في: ع بسبب بياض في آخر الكلام.
(٣) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩.
(٤) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٨، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر.
(٥) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٨، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، الدر: ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٠٨: كتاب التفسير: تفسير سورة المدثر، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب.
(٧) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ، و"زاد المسير" ٨/ ١٣٠.
(٨) "زاد المسير" ٨/ ١٣٠، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧.
(٩) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٧.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١١) القانص: الصائد، والقوانص جمع قانصة من القنص: الصيد. النهاية في "غريب الحديث" والأثر: ٤/ ١١٢.

صفحة رقم 462

عطية عن ابن عباس (١)) (٢)، وقول سعيد (بن جبير (٣)، والحسن (٤) " (٥)؛ يدل على هذا أن الحجاج روى (عن عطاء عن ابن عباس) في "القسورة": الرماة، رجال القنص (٦)، فجمع بين اللفظين.
(روى أبو العباس عن) (٧) ابن الأعرابي في تفسير (القسورة (٨)): وفيها أقوال (لم تروَ عنه) (٩)، قال عكرمة: "من قسورة": من ظلمة الليل (١٠).
قال ابن الأعرابي: القسورة: أول الليل (١١).
وقال قتادة: القسورة: النَّبْل (١٢).
وقال (زيد) (١٣) بن أسلم: القسورة: الرجال الأقوياء (١٤).

(١) "جامع البيان" ٢٩/ ١٦٩، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٢/ ب.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) المرجعان السابقان، وانظر: "الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٦) "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٩ من غير ذكر الطريق، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٩ وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: أ، وقد ذكر بدلاً منه لفظ: "قال" في نسخة: أ.
(٨) في (أ): قسورة
(٩) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١٠) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣١، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٣.
(١١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨١.
(١٢) تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٣٢، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣١.
(١٣) ساقط من: (أ).
(١٤) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨.

صفحة رقم 463

قوله تعالى: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ قال المفسرون (١): وذلك أن كفار قريش قالوا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ليصبح عند رأس كل منا كتاب منشور من الله: أن آلهتنا باطلة، وأن إلهك حق، وأنك رسوله، نؤمر فيه باتباعك كقوله: ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾ (٢)، وهذا قول مجاهد (٣)، ومقاتل (٤)، (وقتادة (٥)، والحسن (٦)) (٧). قالوا: أرادوا كتبًا تنزل من السماء إلى فلان، وإلى فلان: أن آمنوا بمحمد.
وقال الكلبي: إنهم قالوا: كنا نحدث أن الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنبًا أصبح وعند رأسه صحيفة مكتوبة فيها ذنبه وتوبته: أذنبت كذا وكذا، وكفارتك كذا؛ فإن فعلت بها ذلك آمنا بك (٨). (وهو اختيار

(١) ورد قول المفسرين في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٣١، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢١٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٢٣٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٨١، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٣.
(٢) الإسراء: ٩٣: ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ﴾.
(٣) بمعناه في "جامع البيان" ٢٩/ ١٧١، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٩ مختصرًا، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٤٠، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ.
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١٧١، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٤٠، وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٢٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٨.

صفحة رقم 464

الفراء (١)، والزجاج (٢)) (٣)؛ ويدل على صحته (٤) قوله: ﴿صُحُفًا مُنَشَّرَةً﴾ بلفظ الجمع لكل امرئ منهم، والصحف: الكتب، واحدتها (٥) صحيفة.
قال الليث: ومن النوادر أن تجمع فعيلة على فُعُل، مثل سفينة وسُفُن، وكان قياسهما: صحائف وسفائن (٦).
و ﴿مُّنَشَّرَةً﴾ معناها منشورة، والتفعيل (٧) للكثرة في الجمع.
قال الله: ﴿كَلَّا﴾، قال مقاتل: لا يؤتون (٨) الصحف (٩).
﴿بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ﴾ قال عطاء: أي النار والعقاب (١٠).
والمعنى: أنهم لو (١١) خافوا الآخرة لما اقترحوا الآيات بعد قيام الدلالة ووضوح المعجزة، واشتغالهم بالاقتراحات دليل على أنهم لا يخافون النار.
﴿كَلَّا﴾ أي: حقًّا، ﴿إِنَّهُ﴾، يعني: القرآن، ﴿تَذْكِرَةٌ﴾، تذكير وموعظة، ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ قال ابن عباس: (اتعظ) (١٢) (١٣).

(١) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٦.
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٠.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): صحة.
(٥) في (أ): واحدها.
(٦) "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٥٤ مادة: (صحف)، نقله عنه بنصه.
(٧) في (أ): الفعيل.
(٨) في (ع): تؤتون.
(٩) "تفسير مقاتل" ٢١٧/ أ، قال: "لا يؤمنون بالصحف".
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١١) زاد في (أ): أنهم، ولم تذكر في (ع)، وهو الصواب، لاستقامة المعنى بدونها.
(١٢) لم أعثر على مصدر لقوله، وورد من غير نسبة في الوسيط: ٤/ ٣٨٨.
(١٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).

صفحة رقم 465

(﴿وَمَا يَذْكُرُونَ﴾ (١))، قال (٢): يريد يتعظون (٣).
﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾، قال مقاتل: إلا أن يشاء الله لهم الهدى (٤)؛ فرد المشيئة إلى نفسه (٥).
قوله تعالى: ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ روى أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في هذه الآية: "قال ربكم -عز وجل-: أنا أهل أن أتَّقَى فلا يُشْرَك بي غيري، وأنا أهل لِمَنِ اتَّقَى أن يشرك بي غيري أن أغْفِرَ له" (٦).

(١) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٢) أي ابن عباس.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "فتح القدير" ٥/ ٣٣٤، وبمعناه في "تفسير مقاتل" ٢١٧/ ب.
(٥) قال السعدي في معنى قوله: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾: "فإن مشيئة الله نافذة عامة، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير، ففيها رد على القدرية، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله، والجبرية: الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، ولا فعل حقيقة، وإنما هو مجبور على أفعاله، فأثبت تعالى للعباد مشيئة حقيقية وفعلاً، وجعل ذلك تابعًا لمشيئته". تفسير الكريم الرحمن: ٥/ ٣٣٨.
(٦) الحديث أخرجه: الدارمي في سننه: ٢/ ٧٥٨: ح: ٢٦٢٤: كتاب الرقاق. باب ١٦ في تقوى الله، والإمام أحمد في مسنده: ٣/ ١٤٢.
وابن ماجه ٢/ ٤٤٧: ح ٤٣٥٤ بنحوه في الزهد: باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة.
والترمذي ٥/ ٤٣٠: ح ٣٣٢٨: كتاب التفسير: تفسير سورة المدثر "٧١" وقال: هذا حديث غريب، و"سُهَيْل" ليس بالقوي، قد تفرد بهذا الحديث عن ثابت.
والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٨: بمعناه في التفسير: تفسير سورة المدثر، وصححه ووافقه الذهبي.
والحديث في سنده ضعف. انظر: "ضعيف سنن ابن ماجه" ٣٥٠: ح: ٩٣٦ - ٤٢٩٩، وضعيف سنن الترمذي: ٤٣٢: ح: ٦٥٩ - ٣٥٦٣، وقال السيد بن عبد المقصود: وفي سنده ضعف، فهو من رواية سهيل بن أبي حزم القطعي، عن =

صفحة رقم 466

وقال (١) ابن عباس: يريد أهل أن يتقى، وأهل أن يغفر لمن اتقى (٢).
(ونحو هذا قال مقاتل: أهل أن يتقى فلا يعصى، وأهل المغفرة ذنوب أهل التقوى (٣)) (٤).
وقال قتادة: أهل أن تتقى محارمه، وأهل أن يغفر الذنوب (٥).
وقال أبو إسحاق: أهل أن يُتَّقَى عِقَابُه، وأهل أن يُعمل بما يؤدي إلى مغفرته (٦).
والمعنى أنه إذا كان أهلًا للمغفرة يجب أن يتعرض لمغفرته بما يؤدي إليه (٧) من الطاعة والتوبة والاستغفار.

= ثابت، عن أنس، وسهيل ضعيف كما في التقريب (١: ٣٣٨: ت: ٥٧٦)، وقد قال عنه الترمذي: غريب، وسهيل ليس بالقوي في الحديث، وقد تفرد به عن ثابت -ثم قال- قلت: وعلى هذا فتصحيح الحاكم للحديث فيه نظر. انظر -حاشية- "النكت والعيون" ٦/ ١٤٩ تحقيق السيد بن عبد المقصود.
(١) في (أ): قال.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٣/ ب.
(٤) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٥) "جامع البيان" ٢٩/ ١٧٢، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٠٠.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٥٠ بنصه.
(٧) في (ع): إليها.

صفحة رقم 467

سورة القيامة

صفحة رقم 469
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية