آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ
ﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰍﰎ

[سورة المدثر (٧٤) : آية ١٤]

وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤)
أَيْ وَبَسَطْتُ لَهُ الْجَاهَ الْعَرِيضَ وَالرِّيَاسَةَ فِي قَوْمِهِ فَأَتْمَمْتُ عَلَيْهِ نِعْمَتَيِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، وَاجْتِمَاعُهُمَا هُوَ الْكَمَالُ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَلِهَذَا الْمَعْنَى يُدْعَى بِهَذَا فَيُقَالُ أَدَامَ اللَّهُ تَمْهِيدَهُ أَيْ بَسْطَتَهُ وَتَصَرُّفَهُ فِي الْأُمُورِ، وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ هَذَا التَّمْهِيدَ الْبَسْطَةَ فِي الْعَيْشِ وَطُولَ الْعُمُرِ، وَكَانَ الْوَلِيدُ مِنْ أَكَابِرِ قُرَيْشٍ وَلِذَلِكَ لُقِّبَ الْوَحِيدَ وَرَيْحَانَةَ قُرَيْشٍ.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ١٥]
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)
لفظ ثم هاهنا مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ كَمَا تَقُولُ لِصَاحِبِكَ: أَنْزَلْتُكَ دَارِي وَأَطْعَمْتُكَ وَأَسْقَيْتُكَ ثُمَّ أَنْتَ تَشْتُمُنِي، وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: ١] فمعنى (ثم) هاهنا لِلْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ ثُمَّ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي كَانَ يَطْمَعُ فِيهَا هَلْ هِيَ زِيَادَةٌ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: ثُمَّ يَرْجُو أَنْ أَزِيدَ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَقَدْ كَفَرَ بِي الثَّانِي:
أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِي الْآخِرَةِ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَمَا خُلِقَتِ الْجَنَّةُ إِلَّا لِي، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَداً [مريم: ٧٧].
[سورة المدثر (٧٤) : آية ١٦]
كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَلَّا وَهُوَ رَدْعٌ لَهُ عَنْ ذَلِكَ الطَّمَعِ الْفَاسِدِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَلَمْ يَزَلِ الْوَلِيدُ فِي نُقْصَانَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَلَّا حَتَّى افْتَقَرَ وَمَاتَ فَقِيرًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً إِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلرَّدْعِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: لِمَ لَا يُزَادُ؟
فَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا وَالْعَنِيدُ فِي مَعْنَى الْمُعَانِدِ كَالْجَلِيسِ وَالْأَكِيلِ وَالْعَشِيرِ، وَفِي/ هَذِهِ الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَحَدُهَا: أَنَّهُ كَانَ مُعَانِدًا فِي جَمِيعِ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالْقُدْرَةِ وَصِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَصِحَّةِ الْبَعْثِ، وَكَانَ هُوَ مُنَازِعًا فِي الْكُلِّ مُنْكِرًا لِلْكُلِّ وَثَانِيهَا: أَنَّ كُفْرَهُ كَانَ كُفْرَ عِنَادٍ كَانَ يَعْرِفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِقَلْبِهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُهَا بِلِسَانِهِ وَكُفْرُ الْمُعَانِدِ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحِرْفَةِ وَالصَّنْعَةِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً يُفِيدُ أَنَّ تِلْكَ الْمُعَانَدَةَ كَانَتْ مِنْهُ مُخْتَصَّةً بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيِّنَاتِهِ، فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ: إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا لَا لِآيَاتِ غَيْرِنَا، فَتَخْصِيصُهُ هَذَا الْعِنَادَ بِآيَاتِ اللَّهِ مَعَ كَوْنِهِ تَارِكًا لِلْعِنَادِ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الخسران.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ١٧]
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧)
أَيْ سَأُكَلِّفُهُ صَعُودًا وَفِي الصَّعُودِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَثَلٌ لِمَا يَلْقَى مِنَ الْعَذَابِ الشَّاقِّ الصَّعْبِ الَّذِي لَا يُطَاقُ مِثْلُ قَوْلِهِ: يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً [الْجِنِّ: ١٧] وَصَعُودٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَقَبَةٌ صَعُودٌ وَكَدُودٌ شَاقَّةُ الْمَصْعَدِ وَالثَّانِي:
أَنَّ صَعُودًا اسْمٌ لِعَقَبَةٍ فِي النَّارِ كُلَّمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا ذَابَتْ فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ وَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ ذَابَتْ وَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ،
وَعَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يُصَّعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا».
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى كيفية عناده فقال:

صفحة رقم 705
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية