آيات من القرآن الكريم

وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ

يَعْنِي أَصْحَابَ الْغِنَى فِي الدُّنْيَا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الصَّاحِبَةِ وَالِاسْتِئْنَاسِ بِالْوَلَدِ.
وَعِنْدِي فِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ جَدَّ الْإِنْسَانِ أَصْلُهُ الَّذِي مِنْهُ وُجُودُهُ فَجُعِلَ الْجَدُّ مَجَازًا عَنِ الْأَصْلِ، فَقَوْلُهُ:
تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَعْنَاهُ تَعَالَى أَصْلُ رَبِّنَا وَأَصْلُهُ حَقِيقَتُهُ الْمَخْصُوصَةُ الَّتِي لِنَفْسِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا هِيَ تَكُونُ وَاجِبَةَ الْوُجُودِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ حَقِيقَتَهُ الْمَخْصُوصَةَ مُتَعَالِيَةٌ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّعَلُّقِ بِالْغَيْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَاحِبَةٌ وَوَلَدٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قُرِئَ جَدًّا رَبُّنَا بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وجَدُّ رَبِّنا بِالْكَسْرِ أَيْ صِدْقُ رُبُوبِيَّتِهِ وَحَقُّ إِلَهِيَّتِهِ عَنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ، وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْجِنَّ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَنَبَّهُوا لِفَسَادِ مَا عَلَيْهِ كَفَرَةُ الْجِنِّ فَرَجَعُوا أَوَّلًا عَنِ الشِّرْكِ وَثَانِيًا عَنْ دِينِ النَّصَارَى.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: مِمَّا ذَكَرَهُ الْجِنُّ قَوْلُهُ تَعَالَى:
[سورة الجن (٧٢) : آية ٤]
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (٤)
السَّفَهُ خِفَّةُ الْعَقْلِ وَالشَّطَطُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الظلم وغيره ومنه أشط في السوم إِذَا أَبْعَدَ فِيهِ أَيْ يَقُولُ قَوْلًا هُوَ فِي نَفْسِهِ شَطَطٌ لِفَرْطِ مَا أَشَطَّ فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الشَّطَطُ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي جَانِبِ النَّفْيِ أَوْ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ، فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مَذْمُومٌ فَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي النَّفْيِ تُفْضِي إِلَى التَّعْطِيلِ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْإِثْبَاتِ تُفْضِي إِلَى التَّشْبِيهِ، وَإِثْبَاتِ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ شَطَطٌ وَمَذْمُومٌ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تعالى:
[سورة الجن (٧٢) : آية ٥]
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥)
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّا إِنَّمَا أَخَذْنَا قَوْلَ الْغَيْرِ لِأَنَّا ظَنَنَّا أَنَّهُ لَا يُقَالُ: الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ، فَلَمَّا سَمِعْنَا الْقُرْآنَ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ قَدْ يَكْذِبُونَ، وَهَذَا مِنْهُمْ إِقْرَارٌ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا وَقَعُوا فِي تِلْكَ الْجَهَالَاتِ/ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَخَلَّصُوا عَنْ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ بِبَرَكَةِ الِاسْتِدْلَالِ وَالِاحْتِجَاجِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: كَذِباً بِمَ نُصِبَ؟ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ وَصْفُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ قَوْلًا كَذِبًا وَثَانِيهَا: أَنَّهُ نُصِبَ نَصْبَ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْكَذِبَ نَوْعٌ مِنَ الْقَوْلِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ مَنْ قَرَأَ: أَنْ لَنْ تَقُولَ وَضَعَ كَذِباً مَوْضِعَ تَقَوُّلًا، وَلَمْ يَجْعَلْهُ صِفَةً، لِأَنَّ التَّقَوُّلَ لا يكون إلا كذبا.
النوع الخامس: - قوله تعالى:
[سورة الجن (٧٢) : آية ٦]
وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦)
فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا سَافَرَ فَأَمْسَى فِي قَفْرٍ مِنَ الْأَرْضِ

صفحة رقم 667
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية