
قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو وشعبة بكسر الهمزة عطفا على مقولة قالوا يعنى انا سمعنا وهكذا فى أحد عشر موضعا غيره الى قوله وانا منا المسلمون وهذا ظاهر غير ان فى قوله تعالى وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الاية التفات من المتكلم الى الغيبة وفى قوله تعالى وانهم ظنوا كما ظننتم التفات من الغيبة الى الخطاب وقرأ ابو جعفر وانه وانهم فى ثلثة مواضع بالفتح على انه استمع نفر بمعنى لوحى الى انه تعالى جد ربنا واوحى الى انه كان واوحى الى انهم ظنوا وفى تسعة مواضع الباقية بالكسر لما ذكرنا وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بفتح الهمزة فى المواضع كلها قال المفسرون فى توجيه هذه القراءات انه معطوف على انه استمع يعنى اوحى الى انه تعالى جد ربنا وهذا لا يستقيم الا الى الثلاثة الذي قرأها ابو جعفر بالفتح دون البواقي وقيل انه معطوف على حمل الجار والمجرور فى أمنا به يعنى صدقنا انه تعالى جد ربنا وهذا ايضا لا يستقيم الا فى بعض المواضع كما هو الظاهر ولولا هذه القراءة فى المتواترات لما احتجنا الى تكلفات فى توجيهها لكنها من المتواترات فوجب ارتكاب التكلفات والله تعالى اعلم تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجملة خبر لان والعائد وضع المظهر موضع المضمر على تقدير كون الضمير عائدا الى تقديره انه تعالى جده فوضع المظهر موضع الضمير للتصريح على الربوبية فان الربوبية تقتضى ان يكون عظمته وشانه أعلى وارفع عن شان المربوبين ومعنى جد ربنا جلاله وعظمته كذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة ومنه قول انس كان الرجل إذا قرأ بقرة وال عمران- جد فينا اى عظم قدره وقال السدى جد ربنا امر ربنا وقال الحسن غنا ربنا وقال ابن عباس قدرة ربنا وقال الضحاك فعله وقال القرطبي آلاؤه ونعمائه على خلقه وقال الأخفش ملك ربنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً خبر بعد خبر لان كانه تأكيد وبيان للجزاء الاول يعنى تعالى جلاله عن اتخاذ الصاحبة والولد كما هو شان المربوبين كانهم سمعوا من القرآن ما ينههم على خطاء ما اعتقدوه من الشرك فى العبادة ونسبة الصاحبة والولد اليه تعالى.
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا جاهلنا قال قتادة ومجاهد هو إبليس وقيل المراد به مردة الجن عَلَى اللَّهِ شَطَطاً اى قولا ذا شطط وهو ابعد اى قولا بعيدا عن شانه والجور فى الحكم او التجاوز عن الحد فى القاموس شط عليه فى حكم جار فى سلعته جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق اى كان يقول على الله تعالى ويحكم بالجور والتباعد عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد اليه تعالى.
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ

الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً اعتذار عن اتباع بعضهم السفيه فى ذلك بظنهم انه لا يكذب على الله أحد وكذبا منصوب على المصدرية لانه نوع من القول او على المفعولية على انه مقولة تقول او على انه وصف لمحذوف اى قولا مكذوبا وقرأ ابو جعفر تقول بفتح الواو والتشديد وعلى هذا مصدر البتة لان التقول لا يكون الا كذبا وان بعد الظن مصدرية او مخففة ومعنى الآيتين على تقدير فتح همزة ان وكونها معطوفة على به فى أمنا به- انه تيقنا انه كان قول سفيهنا بعيدا عن الحق حوازا فى الحكم وان زعمنا بعدم كذب الجن كان باطلا فان قيل كان الجن قبل مبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم يقعدون من السماء مقاعد السمع فيستمعون كلام الملائكة من التسبيح وغير ذلك فما الوجه فى اتباعهم سفيههم وظنهم انهم لا يقولون كذبا وعدم ايمانهم مع استماعهم كلام الملائكة كثيرا وايمانهم لما سمعوا القران من النبي - ﷺ - مرة واحدة قلت الايمان امر وهبى لا يتصور وجوده فهذه تلقى الهداية من الله الهادي على الإطلاق وذلك التلقي لا يكون الا بواسطة يأخذ الفيض من الله تعالى لمناسبة المعنوية به تعالى بعلو استعداده ويفيض على العالمين لمناسبة بهم صورية وذلك الواسطة هى من الأنبياء عليهم السلام فان لهم مع الله مناسبة معنوية لاجل كون مبادى تعيناتهم ومربياتهم الصفات العاليات ولهم على قدر كمالهم فى مراتب النزول مناسبة صورية بالاسفلين واما الملاء الا على من الملائكة فلهم مناسبة مع الله كهيئة الأنبياء ولا مناسبة لهم بالاسفلين لكونهم متصاعدين مراتب غير محصلين كمالات النزول وكذلك لم يتاثر الجن منهم هداية ولا إيمانا وان سمعوا منهم كلمات الهداية وتأثروا من سفهاء الجن والشياطين لكمال المناسبة وكذا لم يتاثر من المكلفين من نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء الذين لم يبلغوا فى مراتب النزول غاية وتأثروا من سيد الأنبياء فانه كان هاديا لكمالات الفروع والأصول محدد الدرجات العروج والنزول لاجل ذلك بعثه الله تعالى الى الناس كافة بل الى الجن والانس عامة فاستنار بنور هدايته العالمين واستضاء بضوع إرشاده جماهير المكلفين الا من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله حيث لم يخلق فيه استعداد قبول الحق والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم وهذا معنى قول الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح لما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمدا كان من القران صلى الله عليه وعلى اله وسلم وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين وبارك وسلم.
صفحة رقم 84