النبي ﷺ.
قال سفيان: سمعت أن الرجل إذا سجد جلس (إبليس) يبكي يا ويله، أمرت بالسجود فعصيت [فلي] النار وأمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة.
والسفه [رقة] الحلم.
قال ابن زيد: ﴿شَطَطاً﴾ ظلماً كبيراً.
وقيل: الشطط: البعد [ومنه]: شط المِزار أي: بعد.
- قوله: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً﴾ إلى قوله: ﴿لِبَداً﴾.
أي: وإنّا حسبنا وتوهمنا أن أحداً لا يقول على الله الكذب. وذلك أنهم كانوا يحسبون أَ (نّ) إبليس كان صادقاً فيما [يدعوهم] إليه من صنوف الكفر. فما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذباً في كل ذلك وسَمّوه سفيها.
[ثم قال]: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادُوهُمْ رَهَقاً﴾.
هذا أيضاً من قول النفر من الجن.
ذكروا أن رجالاً من الإنس [كانوا] [يستجيرون] برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا، فزاد الجنّ باستجارتهم (لهم) جرأة عليهم وأزداد الإنس إِثْماً.
قال ابن عباس: " فزادهم] إثماً وهو قول قتادة. فازداد الإنس بفعلهم ذلك إثماً، وازداد الجن على الإنس جرأة.
وقال مجاهد: أزداد الإنس بذلك طغياناً.
وقال الربيع ابن أنس: فازداد الإنس لذلك فَرقاً من الجن.
وهو قول ابن زيد.
وقال أبو عبيدة: رهقاً: سفهاً وظلماً.
والرهق في كلام العرب: الإثم والعيب وإتيان المحارم. ومنه: فلان يرهق بكذا، أي: يعاب به. فيكون التقدير: فزاد الجنّ الإنس إِثماً لمّا [استعاذوا] بهم. وكان ذلك من فعل المشركين. قال ابن عباس وغيره: كان رجال من الإنس يَبِيتُ أحدهم في الوادي في الجاهلية، فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي فزادهم ذلك إثماً.
وقال الحسن: كان الرجل إذا نزل في الوادي يقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي من
سفهاء قومه.
وقال النخعي: كان الرجل إذا نزل [الوادي] يقول: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر (ما) فيه، فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضراً ولا نفعاً.
وقال مجاهد: كانوا يقولون إذا هبطوا وادياً: نعوذ بعظماء هذا الوادي وهو قول قتادة وغيره.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً﴾.
أي: وإن الرجال من الجن ظنوا كما ظن الرجال من الإنس أن الله لا يبعث أحداً، أي: رسولاً إلى خلقه يدعوهم إلى توحيده. قاله الكلبي.
وقال غيره: معناه: وأن الجن ظنوا كما ظن الكفار من الإنس أن الله لا يبعث أحداً يوم القيامة.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً/﴾.
[وقال النفر من الجن إنا طلبنا خبر السماء فوجدناها قد ملئت حفظاً مانعاً] [وشبهاً] نُرْجَم بها إذا أردنا الاستماع. والشُّهب: النُّجُوم.
وقال ابن جبير: كانت الجن [تستمع]، فلما رُجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء إنما هو لشيء حدث في الأرض. قال: فذهبوا يطلبون حتى رأوا النبي ﷺ خارجاً من سوق عُكَاظٍ يصلي بأصحابه صلاة الفجر، إلى أصحابهم منذرين.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ.... ﴾
أي: وقالوا: إنا كنا نقعد من السماء في مقاعد نستمع الأخبار.
- ﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾.
أي: من أتي يستمع الساعة يرمي بشهاب يرمد به إذا دنا فَيُرمى به، قال قتادة: لما بعث الله نبيه مُنِعُوا الاستماع [فَتَفَقَّدَتِ] الجن ذلك من أنفسها، قال: وذُكشرَ لنا أن أشراف الجن كانوا [بنصيبين] (فطلبوا ذلك] وضربوا إليه حتى سقطوا على نبي الله وهو يصلي بأصحابه عامداً إلى عكاظ.
قال ابن زيد: قالوا كنا نستمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً، فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس، فقالوا مُنِع (منَّا) السمع. فقال: إن السماء لم تحرس إلا على [أمرين]: إما العذاب] يريد الله تعالى أن ينزله بغتة على أهل
الأرض، وإما نبي مرسل مرشد فذلك قول الله تعالى حكاية عن قولهم ﴿وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ (رَبُّهُمْ) رَشَداً﴾.
(أي) قال إبليس لا ندري أعذاب ينزل على من في الأرض بغتة، فمُنِعْتُم من أجله الاستماع؟ أم نبي أرسله الله ليرشد من في الأرض إلى الطريق المستقيم؟ هذا معنى قول ابن زيد.
وقال الكلبي: معناه: أنهم قالوا: لا ندري أهذا المنع الذي منعنا، أراد بهم ربهم أن يطيعوا الرسول فَيَرْشُدُوا أم يعصوه فيهلكهم وهذا كله من علامات نبوة محمد ﷺ.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصالحون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ...﴾.
أي: قال النفر: وإنا منا المسلمون العاملون بطاعة الله، ومنا من هو دون ذلك في الصلاح والعمل.
- -ayah text-primary">﴿كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً﴾.
أي: كنا أهواء مختلفة وفرقاً شتى، الصّالِح والذي هُوَ دُونَه، والكافِرِ.
قال ابن عباس: ﴿كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً﴾ (أي) أهواء شتى مِنّا المُسلم ومن المُشرك.
وقال عكرمة: " أهواء مختلفة ".
وقال قتادة: " أهواء شتى ".
وقال مجاهد: " مسلمين وكافرين " وهو قول سفيان.
والقِدَد جمع قدة، وهي الضُّروبُ والأَجناس المختلفة. والطرائق جمع طريقة الرجل أي مذهبه.
- ثم قال ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض...﴾.
أي: وإنّا علمنا وأَيْقَنّا أن لن نفوت الله بالهروب في الأرض ولا بغيره، وَصَفوهُ - جل ذِكره - بالقدرة عليهم.
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى آمَنَّا بِهِ...﴾.
أي: لما سمعنا القرآن [يؤدي] من آمن به إلى الهدى صدقنا به.
- ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً﴾.
[أي: ومن يصدق بربه فلا خاف بخساً) أي: أن ينقص من حسناته وثوابه].
- ﴿وَلاَ رَهَقاً﴾.
(أي): لا يُحمل من سيئات غيره عليه.
قال ابن عباس: ﴿بَخْساً وَلاَ رَهَقاً﴾، أي: " لا يخاف نقصاً من حسناته، ولا زيادة في سيئاته ".
قال قتادة: ﴿بَخْساً﴾: ظلما، ﴿وَلاَ رَهَقاً﴾: أن يعمل عليه ذنب غيره.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا القاسطون...﴾.
أي: الجائرون عن الهدى.
- -ayah text-primary">﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً﴾.
أي: [تعمدوا الرشد] وأصابوه.
- ثم قال: ﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾.
أي: وأما العادلون الجائرون عن الهدى فكانوا حطباً يوم القيامة لجهنم.
- ثم قال: ﴿وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ...﴾.
كل ما تقدم من إخبار الله هو من قول الجن إلا هذا، فإنه من قول الله، أي: لو استقام القاسطون [على] طريقة الحق [أي]: طريقة الإسلام وهي [الطاعمة] لله، لَوَسّعْنا عليهم في الرزق لنختبرهم فيه فننظر عملهم وشكرهم. قاله ابن جبير وقتادة ومجاهد [قاله مجاهد: الطريقة: الإسلام، والماء: المال، والغدق: الكثير].
والغَدَق: الماء الظاهر، والرَّغَد: الكَثِير، والماء يُراد به العيش والرزق.
وقيل: معناه: لو استقاموا على طريقة الضلال لَوَسَّعنا عليهم في الرزق استدراجاً، ذكر الضحاك وقاله الفراء.
(و) القول الأول أصح كما قال: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرىءَامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بركات...﴾ [الأعراف: ٩٦] الآية.
- ثم قال: ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ...﴾.
أي: عن القرآن [وقبوله].
﴿يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً﴾.
أي: ندخله عذاباً شديداً قال ابن عباس ﴿عَذَاباً صَعَداً﴾، أي: مشقة من العذاب وقال قتادة ﴿صَعَداً﴾ أي: صعوداً من عذاب الله/ لا راحة فيه وقال أبو سعيد الخدري: ﴿عَذَاباً صَعَداً﴾: هو جبل في النار، كلما جعلوا أيديهم [عليه] ذابت، وإذا رفعوها عادت ويقال: تَصَعّدني الشّيء أي: شقّ عَلَيّ.
وقرأ مسلم بن جندب: نُسلِكه، جعله رباعياً. يقال: سَلَكه وأَسلَكه. ويقال: سَلَكَ، وهو وَسَلَكْتُهُ مثل رَجَعَ ورَجَعْتُهُ.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً﴾.
أي: وأوحي إلى أن المساجد لله ﴿فَلاَ تَدْعُواْ﴾ أيها الناس ﴿مَعَ الله أَحَداً﴾ أي: لا
تشركوا به قال قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كناسئهم وبِيَعَهُم اشركوا، فأمر الله نبيه أن يوحدوا الله وحده إذا دخلوا المساجد. قال ابن جبير: قالت الجن للنبي: كيف لنا أن نأتي المساجد ونحن [ناءون] عنك، وكيف نشهد الصلاة، فنزلت ﴿وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ﴾ الآية والمساجد جمع مسجد. ومسجد يعني السجود، فكأنه قال: وأن السجود لله لا لغيره. ويجوز أن يكون جمع مسجد هو موضع السجود.
وقال الفراء (يقال) ﴿[وَ] أَنَّ المساجد لِلَّهِ﴾، يراد به مساجد الرجل، ما يسجد عليه من جبهته ويديه وركبتيه وصدور قدميه.
وأنكر ذلك النحاس وغيره.
وقوله: ﴿فَلاَ تَدْعُواْ﴾ خطاب للجماعة والنون حذفت للنهي.
- ثم قال: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾.
أي: لما قام (محمد يدعو الله) يقول: لا إله إلا الله، كاد الجن يكونون على محمد لبداً، أي جماعات بعضها فوق بعض.
وواحد لِبَد: لِبْدة. ويقال: لُبد - بضم اللام - واحدها لُبْدة.
فمن كسر [﴿وَأَنَّهُ﴾] جعله من قول الجن إخباراً من الله لنا عن قولهم ذلك، ويكون المعنى على ما قال ابن جبير أن الجن رأوا النبي ﷺ يصلي وأصحابه يصلون بصلاته فعجبوا من طوعهم له فقالوا لقومهم: وإنه لما قام عبد الله يدعو الله كاد أصحابه يكونون عليه لِبَداً.
ويجوز الكسر، وهو من كلام الله، لا حكاية عن الجن ويكون المعنى أن النبي ﷺ لما قام يدعو إلى الله كاد الجن يكونون عليه لِبَداً.
فأما من فتح فهو من كلام الله أيضاً على هذا المعنى، أي: كاد الجن [يركبون محمد من الحرص] لما سمعوه يتلو القرآن فدنوا منه حتى كادوا يركبونه، هذا معنى قول ابن عباس والضحاك، فيكون الضميران في (كادوا يكونون) للجن.
وعن ابن عباس أيضاً أن معناه (أن) الجن قالوا لقومهم، إن محمد لمّا قام يدعو الله كاد أصحابه يركبونه لتقربهم منه وطوعهم له، فيكون الضّميرانِ لأصحابِ النبي ﷺ وهو قول ابن جبير.
[وعن ابن عباس ﴿لِبَداً﴾: أعواناً].
وقال قتادة: معناه أن الله أعلم نبيه أن الجن والإنس يتظاهرون عليه ليبطلوا ما جاءهم (به) لمّا دَعا إلى الله، والله ناصِرُه عليهم.