آيات من القرآن الكريم

وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

سورة الجنّ
كلّها مكّيّة بإجماعهم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ١ الى ١٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (٤)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩)
وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠) وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤)
وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧)
قوله عزّ وجلّ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ قد ذكرنا سبب نزول هذه الآية في (الأحقاف) «١» وبَيَّنَّا هنالك سبب استماعهم. ومعنى «النّفر» وعددهم، فأمّا قوله عزّ وجلّ: قُرْآناً عَجَباً فمعناه: بليغاً يعجب منه لبلاغته يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ أي: يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أي: لن نعدل بربنا أحداً من خلقه. وقيل: عنوا إبليس، أي: لا نطيعه في الشرك بالله.
قوله عزّ وجلّ: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا اختلف القراء في اثنتي عشرة همزة في هذه السورة، وهي:
«وأنه تعالى»، «وأنه كان يقول»، «وأنا ظننا»، «وأنه كان رجال»، «وأنهم ظنوا»، «وأنا لمسنا»، «وأنا كنا»، «وأنا لا ندري»، «وأنا منا»، «وأنا ظننا أن لن نعجز الله»، «وأنا لمّا سمعنا»، «وأنّا منّا»، ففتح
(١) الأحقاف: ٢٩. [.....]

صفحة رقم 346

الهمزة في هذه المواضع ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم، ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة مواضع «وأنه تعالى»، «وأنه كان يقول»، «وأنه كان رجال»، وكسر الباقيات. وقرأ الباقون بكسرهن. وقال الزجاج: والذي يختاره النحويون في هذه السورة أن ما كان من الوحي قيل فيه:
«أن» بالفتح، وما كان من قول الجن قيل: «إن» بالكسر، معطوف على قوله عزّ وجلّ: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً وعلى هذا يكون المعنى: وقالوا: إنه تعالى جَدُّ ربنا، وقالوا: إنه كان يقول سفيهنا. فأما من فتح، فذكر بعض النحويين: يعني الفراء، أنه معطوف على الهاء في قوله عزّ وجلّ: فَآمَنَّا بِهِ وبأنه تعالى جَدُّ رَبِّنا. وكذلك ما بعد هذا. وهذا رديء في القياس، لا يعطف على الهاء المتمكّنة المخفوضة إلا بإظهار الخافض. ولكن وجهه أن يكون محمولاً على معنى أمنَّا به، فيكون المعنى: وصدَّقْنا أنه تعالى جَدُّ رَبِّنا.
وللمفسرين في معنى تَعالى جَدُّ رَبِّنا سبعة أقوال: أحدها: قُدْرَةُ رَبِّنا، قاله ابن عباس. والثاني:
غِنى رَبِّنا، قاله الحسن. والثالث: جَلاَلُ رَبِّنا، قاله مجاهد، وعكرمة. والرابع: عَظَمَةُ رَبِّنا، قاله قتادة.
والخامس: أَمْرُ رَبِّنا، قاله السدي. والسادس: ارتفاع ذِكره وعظمته، قاله مقاتل. والسابع: مُلْكُ رَبِّنا وثناؤه وسلطانه، قاله أبو عبيدة.
قوله: وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا فيه قولان: أحدهما: أنه إبليس، قاله مجاهد، وقتادة. والثاني: أنه كفارهم، قاله مقاتل. و «الشطط» : الجَوْر، والكذب، وهو: وصفه بالشريك، والولد، ثم قالت الجن:
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً وقرأ يعقوب: «أن لن تَقَوَّلَ» بفتح القاف، وتشديد الواو.
والمعنى: ظنناهم صادقين في قولهم: لله صاحبة وولد، وما ظننَّاهم يكذبون حتى سمعنا القرآن، يقول الله عزّ وجلّ: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ وذلك أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال: أعوذ بِسِّيدِ هذا الوادي من شَرِّ سُفَهَاءِ قومه، فيبيت في جِوارٍ منهم حتى يصبح.
(١٤٩٢) ومنه حديث كردم بن أبي السائب الأنصاري، قال: خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة، وذلك أول ما ذُكِرَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب، فأخذ حملاً من الغنم، فوثب الراعي فنادى: يا عامر الوادي جارك، فنادى منادٍ لا نراه: يا سرحان أرسله. فإذا الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة، فأنزل الله تعالى على رسوله صلّى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ الآية.

ضعيف جدا. أخرجه العقيلي ١/ ١٠١ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية، والواحدي في «الوسيط» ٤/ ٣٦٤ من طريق فروة ثنا القاسم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري، وإسناده ضعيف جدا، فيه عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف متروك، وأبوه إسحاق بن الحارث، ضعفه أحمد وغيره، ولم يرو عنه سوى ابنه. وقال ابن حبان: منكر الحديث، فلا أدري التخليط منه أو من ابنه. وأخرجه الطبراني في «الكبير» ١٩/ ١٩١- ١٩٢ وأبو الشيخ في «العظمة» ١١٢٢ من طريق القاسم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق به. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧/ ١٢٩ وقال: وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، وهو ضعيف. والظاهر أنه خفي عليه حال أبيه إسحاق، وقد ضعفه أحمد وغيره كما نقل الذهبي في «الميزان» ١/ ١٨٩. الخلاصة: الإسناد ضعيف جدا، والمتن منكر.

صفحة رقم 347

وفي قوله عزّ وجلّ: فَزادُوهُمْ رَهَقاً قولان: أحدهما: أن الإنس زادوا الجن رهقاً لتعوُّذهم بهم، قاله مقاتل. والمعنى: أنهم لما استعاذوا بسادتهم قالت السادة: قد سدنا الجن والإنس. والثاني: أن الجن زادوا الإنس رَهَقاً، ذكره الزجاج. قال أبو عبيدة: زادوهم سَفَهَاً وطغياناً. وقال ابن قتيبة: زادوهم ضلالاً. وأصل الرهق: العيب. ومنه يقال: فلان يرهق في دينه.
قوله عزّ وجلّ: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا بقول الله عزّ وجلّ: ظن الجن كَما ظَنَنْتُمْ أيها الإنس المشركون أنه لا بعث. وقالت الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ أي: أتيناها فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وهم الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع وَشُهُباً جمع شهاب، وهو النجم المضيء وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ أي: كنا نستمع، فالآن حين حاولنا الاستماع بعد بعث محمّد صلّى الله عليه وسلم رُمِينا بالشُّهُب. ومعنى «رصداً» قد أرصد له المرمى به وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ بإرسال محمد إليهم، فيكذبونه، فيهلكون أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً وهو أن يؤمنوا فيهتدوا، قاله مقاتل.
والثاني: أنه قول كفرة الجن، والمعنى: لا ندري أشرٌّ أريدَ بمن في الأرض بحدوث الرجم بالكواكب، أم صلاح؟ قاله الفراء. ثم أخبروا عن حالهم، فقالوا: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وهم المؤمنون المخلصون وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ فيه قولان: أحدهما: المشركون. والثاني: أنهم أهل الشرِّ دون الشرك كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً قال الفراء: أي: فرقاً مختلفة أهواؤنا. وقال أبو عبيدة: واحد الطرائق: طريقة، وواحد القِددِ: قدة، أي: ضروباً وأجناساً ومِلَلاً. قال الحسن، والسدي: الجن مثلكم، فمنهم قدريّة، ومرجئة، ورافضة.
قوله عزّ وجلّ: وَأَنَّا ظَنَنَّا أي: أيقنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ أي: لن نَفُوتَه إِذا أراد بنا أمراً وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً أي: أنه يدركنا حيث كنَّا وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى وهو القرآن الذي أتى به محمد صلّى الله عليه وسلم آمَنَّا بِهِ أي: صدَّقنا أنه من عند الله عزّ وجلّ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً أي: نقصاً من الثواب وَلا رَهَقاً أي: ولا ظلماً ومكروهاً يغشاه وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ قال مقاتل: المخلصون لله وَمِنَّا الْقاسِطُونَ وهم المَرَدَة. قال ابن قتيبة: القاسطون: الجائرون. يقال: قسط: إذا عدل، إذا جاور، وأقسط: إذا عدل. قال المفسرون: هم الكافرون فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً أي: تَوَخَّوْه، وأَمَّوْه. ثم انقطع كلام الجن. قال مقاتل: ثم رجع إلى كفّار مكّة فقال عزّ وجلّ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ يعني: طريقة الهدى، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد وقتادة والسدي، واختاره الزجاج، قال: لأن الطريقة هاهنا بالألف واللام معرفة، فالأوجب أن تكون طريقة الهدى: وذهب قوم إلى أن المراد بها طريقة الكفر، قال محمد بن كعب، والربيع، والفراء، وابن قتيبة، وابن كيسان. فعلى القول الأول يكون المعنى: لو آمنوا لوسَّعنا عليهم لِنَفْتِنَهُمْ أي: لنختبرَهم فِيهِ فننظر كيف شُكْرُهم. والماء الغَدَق: الكثير. وإنما ذكر الماء مثلاً، لأن الخير كله يكون بالمطر، فأقيم مقامه إِذ كان سببه.
وعلى الثاني: يكون المعنى: لو استقاموا على الكفر فكانوا كفاراً كلهم، لأكثرنا لهم المال لنفتنهم فيه عقوبة واستدراجا، ثم نعذبهم على ذلك. وقيل: لأكثرنا لهم الماء فأغرقناهم، كقوم نوح، قوله:
وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يعني: القرآن يَسْلُكْهُ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «نسلكه» بالنون. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائيّ يسلكه بالياء. عَذاباً صَعَداً قال ابن قتيبة: أي:

صفحة رقم 348
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية