آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ

قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة﴾ : في «مكان» وجهان، أظهرهما: أنه مفعولٌ به لا ظرفٌ، والمعنى: بدَّلنا مكان الحال السيئة الحالَ الحسنة، فالحسنةُ هي المأخوذةُ الحاصلة، ومكان السيئة هو المتروكُ الذاهب، وهو الذي تَصْحبه الباءُ في مثل هذا التركيب لو قيل في نظيره: بدَّلْتُ زيداً بعمرو، فزيد هو المأخوذ وعمرو المتروك، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في البقرة في موضعَيْن أوَّلهما: ﴿فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ﴾ [الأعراف: ٥٩] والثاني: ﴿وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله﴾ [الأعراف: ٢١١] فمكان والحسنة مفعولان، إلا أنَّ أحدهما وَصَلَ إليه الفعلُ بنفسه وهو الحسنة، والآخر بحذف حرف الجر وهو «مكان». والثاني: أنه منصوبٌ على الظرف، والتقدير: ثمَّ بَدَّلْنا في مكان السيئة الحسنة، إلا أن هذا ينبغي أن يُرَدَّ لأن «بَدَّلَ» لا بُدَّ له من مفعولين أحدهما على إسقاط الباء.
قوله: ﴿حتى عَفَوْاْ﴾ «حتى» هنا غاية، وتقدير مَنْ قَدَّرها ب إلى فإنما يريد تفسير المعنى لا الإِعراب، لأن «حتى» الجارة لا تباشرُ إلا المضارعَ المنصوبَ بإضمار «أن» لأنها في التقدير داخلةٌ على المصدرِ المنسبكِ منها ومن الفعل، وأمَّا الماضي فلا يطَّرد حَذْفُ «أنْ» معه، فلا يُقَدَّر معه أنها حرفُ جر داخلةٌ على «أن» المصدرية أي: حتى أَنْ عَفَوا، وهذا الذي يَنْبغي أن يُحْمَلَ عليه قولُ/ أبي البقاء: «حتى عَفَوا: إلى أنْ عفوا».

صفحة رقم 388

ومعنى «عَفَوا» هنا كَثُروا، مِنْ عفا السِّعْر: إذا كَثُرَ، ومنه «وأعْفُوا اللِّحى» يقال: عَفَاه وأَعْفاه ثلاثياً ورباعياً. قال زهير:

٢٢٥٠ - أذلك أم أَقَبُّ البطنِ جَأْبٌ عليه مِنْ عَقِيقته عِفاءُ
وفي الحديث: «إذا عَفا الوَبَر وبَرأ الدبر فقد حلَّت العمرة لمن اعتمر» وأنشد الزمخشري على ذلك قول الحطيئة:
٢٢٥١ - بمستأسِدِ القُرْيان عافٍ نباتُه ......................
وقول لبيد:
٢٢٥٢ - ولكنَّا نُعِضُّ السيفَ منها بأسْوُقِ عافياتِ الشحم كُومِ
وهذا المادة قد تقدَّم تحقيقُها في البقرة.
قوله: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ﴾ قال أبو البقاء: «هو عطفٌ على» عَفَوا «. يريد:

صفحة رقم 389

وما عطف عليه أيضاً، أعني أن الآخذ ليس متسَبِّباً عن العَفاء فقط، بل عليه وعلى قولهم تلك المقالةَ الجاهلية؛ لأنَّ المعنى ليس أنه لمجردِ كثرتِهم ونموّ أموالهم أَخَذهم بغتةً بل بمجموعِ الأمرين، بل الظاهرُ أنه بقولهم ذلك فقط.
وقوله: ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ حال أيضاً، وهي في قوة المؤكدة لأن» بغتة «تفيدُ إفادتَها، سواءً أَعْرَبْنا» بغتة «حالاً أم مصدراً.

صفحة رقم 390
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية