آيات من القرآن الكريم

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

التقريعي بقوله عز قوله «أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ» أي أترون أن أدبار الرجال أشهى لكم من فروج النساء لا ليس الأمر كذلك
«بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ٨١» متجاوزون الحلال إلى الحرام ولذلك آثرتم الدبر على الفرج، وإنما ذمهم الله لأن القصد من وضع الشهوة في الإنسان طلب الولد وبقاء النوع الإنساني وتكاثره لعمران الدنيا إلى أجل أراده الله، فإذا عدل عن هذا القصد تعطل الكون وكانت تلك الشهوة بهيميّة محضة، ولهذا خصهم الله بالإسراف لأنه وضع الشيء بغير محله «وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ» تجاه تعنيفه لهم على قبح فعلهم ونصحه لهم بتركه «إِلَّا أَنْ قالُوا» بعضهم لبعض «أَخْرِجُوهُمْ» أي لوطا ومن آمن به «مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ٨٢» من صنيعكم ويتنزهون مما أنتم عليه. قال ابن عباس عابوهم بما يمدح به قال تعالى «فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ» لأنها لم تؤمن به وكانت تخبر قومها بمن يأتيه من الضيفان وتحرضهم عليهم لذلك «كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ ٨٣» الباقين مع المعذبين من قومها ولم يقل من الغابرات، لأنها هلكت مع الرجال المغلّب ذكرهم على النساء، والغبر البقاء يقال غبر في داره إذا بقي «وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً» عظيما مهولا لأنه مطر عذاب لا مطر رحمة، والننوين يدل على شدة فظاعته، وقلّ أن يأتي المطر بمعنى الغيث بل قد لا يوجد في القرآن إلا بمعنى العذاب، وأمطر بمعنى أرسل، ومطر بمعنى أصاب، فيكون مطر الرحمة وأمطر للعذاب «فَانْظُرْ» أيها العاقل المفكر «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ٨٤» فهي شيء عظيم لا تتصوره العقول، هذا ما قصه الله علينا من خبر لوط عليه السلام مع قومه.
مطلب قصة قوم لوط عليه السلام:
وقال الأخباريون كانت المؤتفكة خمس مدائن بين الشام والمدينة مخصبة ذات زروع وثمار، فآذاهم الناس بالأخذ منها فعرض لهم إبليس وقال لهم إذا فعلتم بهم كذا (ودعاهم إلى نفسه فلاطوا به علّمهم لعنه الله هذه الفعلة الخبيثة ابتداعا من حيث لم تخطر ببالهم، فهو أول من ليط به لأنه كان يظهر لهم على صورة البشر)

صفحة رقم 379

امتنعوا من التعدي على ثماركم ونجوتم بها، فأطاعوه وعملوا بما أشار به عليهم فهو أول من سن هذه السنة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وصاروا كلما مرّ بهم أحد تعاونوا عليه وفعلوا به، فكان لهم ما قال اللعين، لأن الناس امتنعت حتى من المرور على قراهم لأنهم رأوا ما لم يسمعوا به من الخزي والعار، وداموا عليه حتى استحكم فيهم هذا الفعل القبيح، واستحسنوه حتى صاروا يفعلونه ببعضهم وبنسائهم أيضا، فأهلكهم الله بعد أن وقع منهم التعدي على لوط وضيفانه من الملائكة، كما سيأتي في تفسير الآية ٧٧ من سورة هود في ج ٢، وكيفية إهلاكهم كما قال مجاهد أن جبريل عليه السلام نزل إلى الأرض فأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط فاقتلعها من تحت الثرى ورفعها إلى السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم أتبعوا بما أمطروا من الحجارة.
الحكم الشرعي: الحرمة القطعية ويكفر مستحله. قال في التتارخانية نقلا عن السراجية: اللواطة بمملوكه ومملوكته حرام، وكذا امرأته، إلا أنه لا يكفر مستحلّه، وهذا بخلاف اللواطة بالأجنبية والأجنبي فإنه يكفر مستحلّه قولا واحدا، قال الإمام الأعظم لا حدّ بوطء الدبر مطلقا وفيه التعزير ويقتل من تكرر منه على المفتى به كما في الأشباه. وقال الإمامان: إن فعل بالأجانب حدّ كحد الزنى، وإن في عبده وأمته وزوجته بنكاح صحيح أو فاسد فلا حدّ اجماعا، كما في الكافي وغيره بل يعزّر في ذلك كله ويقتل من اعتاده، وروي عن علي كرم الله وجهه أنه رجم لوطيا وهو أشبه بما قص الله تعالى من إهلاك قوم لوط بإمطار الحجارة عليهم، وقد أخرجه البيهقي وصححه الحاكم وعليه فيكون حدّه الرجم. هذا، وقد جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله سبعة من خلقه فوق سبع سموات فردد لعنته على واحد منها ثلاثا ولعن بعد كل واحدة لعنة لعنة، فقال ملعون ملعون ملعون من عمل عمل قوم لوط) الحديث. وجاء أيضا (أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخطه) وعدّ منهم من يأتي الرجل-. وزعم علي بن الوليد المعتزلي أنه لا يمتنع أن تجعل اللواطة في الجنة لزوال المفسدة، ولأنها من جملة

صفحة رقم 380

الملاذ وليس هناك أذى أو قطع نسل ولذلك أبيح شرب الخمر فيها للذة إذ ليس هناك زوال عقل ولا عربدة، فقال له أبو يوسف القزويني الميل إلى الذكور عادة قبيحة والمحل (الدبر) لم يخلق للوطء، فلم تبحه شريعة ما، بخلاف الخمر فإنه خلق للشرب وأباحته بعض الشرائع قبل الإسلام، بل أوله كان مباحا، ومهما كان فلا يقاس قبح اللواط بالخمر.
مطلب رد أبي يوسف على المعتزلي:
وانكار قبح اللواطة مكابرة، وكانت الجاهلية مع ارتكابهم كافة المفاسد تعيّر بها فيقولون فلان معفر استه بمعرض الذم، وإذا كنت يا ابن الوليد ترضى به اليوم فهل ترضى به غدا في الجنة، وذلك لأنه كان مأبونا قد ألف ذلك واعتاده والعياذ بالله، فجرّه اعتياده إلى الجرأة على القول بأن هذه الفاحشة الخبيثة من ملاذ الجنة المطهرة من الأرجاس، قبحه الله وقبح فاعليها ومحبذيها. وقد صحح العلماء الأعلام أنها لا تكون في الجنة قطعا لأن الله سماها فاحشة هنا وخبثا في الآية ٧٣ من سورة الأنبياء في ج ٢، والجنة منزهة عن الفواحش والخبائث، قال بعض العارفين والله الذي لا إله إلا هو لو لم يذكر الله عمل قوم لوط في كتابه ما خطر ببالي كونه واقعا أو يقع، وذلك لطهارة سريرته وكماله، لأن الكامل لا يرى النقص، وألحق بعض العلماء السّحاق باللواطة، وبدأ أيضا في قوم لوط، لأن رجالهم لما استغني بعضهم ببعض بعد أن ألفوا اللواطة تركوا نساءهم، فصارت المرأة منهم تأتي الأخرى. جاء عن حذيفة رضي الله عنه قال: إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وعن أبي عمرة قال: قلت لمحمد بن علي، عذب الله نساء قوم لوط بعمل رجالهم، فقال له: الله أعدل من ذلك، استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فعذبهن كما عذبهم جزاء وفاقا.
وعن علي كرم الله وجهه قال على المنبر سلوني، فقال ابن الكواء هل تؤتى النساء في أعجازهن؟ فقال سفلت وسفّه الله بك، ألم تسمع قوله تعالى (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) هذا وإن العلماء صرحوا بأن حرمة اللواطة أشدّ من الزنى عقلا وطبعا وشرعا،

صفحة رقم 381

أما عقلا وطبعا فإن العقول السليمة والطبيعة الطاهرة لم تألفه لشدة قبحه فعلا ومحلا، وأما شرعا فلأن حرمة الزنا تزول بالتزويج والحد والشراء إذا كان المفعول به رقيقا ولا يمكن شيء من ذلك في اللواطة. وقول الإمام بعدم الحدّ تعليظا لأن الحد مطهر عنده، وبه قال أكثر العلماء، وعليه فيلقى الله من أجري عليه الحد خاليا مما عمله بخلاف ما لا حد فيه كاللواطة، فإنه يلقى الله فاعلها ملوثا بجرمه.
هذا، وإن بعض السفهاء والفسقة خبيثي النفوس نجسي العقيدة كابن الوليد المذكور أخزاهم الله جميعا وأذلهم، يفتخرون بمثل هذه الفعلة الفظيعة ومنهم يفعلها انتقاما انتقم الله منه في الدنيا والآخرة، ومن المفعول بهم من اتخذها مهنة، أهانه الله، ومنهم من يقدم نفسه لبعض الخبثاء أمثالهم من الموظفين ومن هو واسطة لهم لعنهم الله وأزال نعمه عنهم ليوظفه أضافه الله لإخوانه قوم لوط، وفضحهم في الدنيا وعذبهم في الآخرة، ومنهم من ابتلي بها والعياذ بالله حتى أنهم ليعطون مالا لمن يفعل بهم وهم كثيرون في زماننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، لأنهم تقوا بنعمتك على معصيتك. قال تعالى «وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً» بن ثوبب بن مدين بن إبراهيم عليهما السلام، أي أرسله إلى قومه ولد مدين ومدين صارا اسما للقبيلة، وكان عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، وكانوا كافرين ينقصون الكيل ويبخسون الميزان، فبادر بنصحهم وتحذيرهم عاقبة أمرهم «قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ» موعظة «مِنْ رَبِّكُمْ» فاتعظوا بها، ولم تذكر لسيدنا شعيب معجزة في القرآن والقول بأنه لم يكن له معجزة غلط لأن الفاء في قوله جل قوله «فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ» أتت لترتيب الأمر على مجيء البينة، والقول بأنها عاطفة على (اعْبُدُوا) بعيد لا يكاد يقوله عارف، وعدم ذكرها في القرآن لا يدل على عدم تخصيصه بشيء من المعجزات التي لا بد لكل نبي منها دلالة على صدق دعوته مما من شأنه أن يعجز البشر على مثله، ومن المعلوم أن ليس كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن العظيم وما من عموم إلا وقد خصص، وروي أنه لما كان موسى عليه السلام عنده

صفحة رقم 382

يرعى بغنمه حاربت عصاه التنين، وهذه العصا أعطاه إياها شعيب عليه السلام وهي عصا آدم، وقد وقعت على يد موسى سبع مرات وهو عند شعيب، وقد وعد موسى بأن يكون له الدرع من أولاد غنمه، فولدت كلها درعا، وهذه معجزة أيضا إذ لم يسبق أن أغناما كثيرة تلد كلها درعا على نمط واحد، ولم يكن موسى إذ ذاك نبيا لتكون هذه المعجزات له، فتكون كلها لشعيب. هذا، وبعد أن أهلك الله قومه أرسله إلى أصحاب الأيكة فأهلكهم الله بعذاب يوم الظلة كما سيأتي في الآية ١٨٩ من سورة الشعراء الآتية، ولم يبعث الله نبيا مرتين غيره فهذا من خصائصه أيضا وهي فضيلة عظيمة، وقيل إنه بعث مرة ثالثة إلى أصحاب الرّس المبينة في الآية ١٢ من سورة ق المارة، وإن إهلاك قومه مرتين لعدم اجابتهم دعوته بعد معجزة أيضا.
مطلب في عمى شعيب عليه السلام:
وهنا مسألة وهي أن العلماء نصّوا على أن الأنبياء سالمون من كل عيب ونقص حسي أو معنوي، ولا شك أن العمى نقص حسي، ومما هو شائع أن سيدنا شعيب كان أعمى، فإذا صح ذلك فيكون هذا طارئا عليه بعد النبوة كبلاء أيوب وعمى يعقوب عليهم السلام، إلا أن بلاء أيوب وعمى يعقوب زالا بحياتهما بنص القرآن لأنه من جملة ما ابتلى به أصفياءه ليختبرهم أي ليظهر للناس حالهم معه مع وجود البلاء وإلا فهو عالم بهم قبل، فلو كان عمى شعيب من هذا أقيل لذكره الله في القرآن كما ذكر بلاء غيره، وإذ لم يذكره فلا محل للقول بعماه، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية ٨٤ من سورة يوسف في ج ٢ والآية ٢٥ من سورة القصص الآتية، فظهر من هذا أنه لو كان أعمى حقيقة لما أغفله القرآن، وعليه فإن القول بعماه غير صحيح، قال تعالى «وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ: أَشْياءَهُمْ» حقوقهم في الكيل والوزن والذرع وغيره أي لا تقصوها، أدوها كاملة وافية فإنه أبرأ الذمة.
وأمرأ للقلب «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» بأن تسلبوا أو تقتلوا أو تؤذوا المارة والقارّة من العباد «بَعْدَ إِصْلاحِها» ببعثة الرسل الذين أقاموا فيها العدل بين الناس وحاربوا الفساد والظلم، بل اسلكوا طريقهم أيها الناس في الإصلاح النافع

صفحة رقم 383

ذكره في الدارين «ذلِكُمْ» عدم البخس والنقص والإفساد «خَيْرٌ لَكُمْ» عند بارئكم وأنمى لأموالكم وأصلح لنفوسكم «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٨٥» بالله وما أقوله لكم عنه «وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ» طريق عام أو خاص والباء هنا للملاصقة والملابسة، والأولى أن تكون بمعنى، على، لمناسبة فعل قعد، أي لا تقعدوا على مطلق طريق بدلالة التنوين «تُوعِدُونَ» من آمن بي وتهدّدونه لتعيدوه إلى الكفر الذي أنتم عليه وتمنعون الآخرين من الإيمان بالله وبما جئتكم به منه «وَتَصُدُّونَ» العامة والخاصة «عَنْ» سلوك «سَبِيلِ اللَّهِ» المستقيمة الحقة «مَنْ آمَنَ» به «وَتَبْغُونَها» أي طريق الله العادلة «عِوَجاً» مائلة عن الصواب، وتلتمسون الزيغ لها وتصفونها للناس بالاعوجاج وعدم الاستقامة لئلا يسلكونها، راجع الآية ٤٥ المارة والآية الأولى من سورة الكهف في ج ٢، قال ابن عباس كانوا يجلسون على الطريق فيخبرون من أتى إليهم أن شعيبا كذاب فلا يفتننكم عن دينكم، وهكذا كانت قريش تفعل بمحمد صلّى الله عليه وسلم كما سيأتي في الآية ٧٠ من سورة النمل الآتية أيضا «وَاذْكُرُوا» يا قوم توالي نعم الله عليكم وأفضاله «إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ» في العدد والعدد والقوة والمال والأولاد والعز لأن كثر المشدد يدل على التكثير، قالوا إن مدين بن ابراهيم تزوج بنت لوط فرمى في نسلها البركة وهذا مما يستوجب شكر الله، يا قوم فمالكم تكفرون به ولا تفكرون بعاقبة أمركم فتلتفتوا «وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ٨٦» من الأمم السالفة حيث أهلكهم الله حينما كذبوا رسلهم «وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» في التوحيد والتصديق بالنبوة والمعاد واجتناب المناهي وامتثال الأوامر «وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا» بشيء من ذلك أو اختلفتم بينكم من أجل الإيمان بذلك وعدمه «فَاصْبِرُوا» انتظروا أيها المعاندون «حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا» وتروا حكمه كيف يعزّ المؤمن ويذل الكافر «وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ٨٧» لأنه منزه عن الجور والحيف في حكمه وهو الحاكم الحقيقي الذي لا معقب لحكمه ولا رادّ له، وما سمي الناس حكاما إلا مجازا «قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ» جوابا لنصحه وتهديده، والله إن لم ترتدع

صفحة رقم 384

«لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا» ما دمت مناوئا لنا ولآلهتنا وعاداتنا «أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا» فتكون مثلنا تعمل ما نعمل وتترك ما أنت عليه، كلفوه عليه السلام اختيار أحد الأمرين مع أنه لم يكن على ملتهم قط حتى يكلفوه العودة إليها. ولكن الذين آمنوا به كانوا على ملتهم فخاطبوه تبعا لهم، وقال بعض المفسرين إنّ عاد بمعنى صار واستشهد بقول القائل:

فإن لم تك الأيام تحسن مرة اليّ فقد عادت لهن ذنوب
أي صارت وعليه يكون المعنى أو لتصيرنّ على ملتنا «قالَ» لهم شعيب عليه السلام على طريق الاستفهام الإنكاري «أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ ٨٨» أي أتريدون أن نفعل أحد الأمرين كرها لأن الواو هنا للحال، وكأنهم قالوا له نعم كرها فقال عليه السلام «قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً» فيما وعظناكم به «إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ» الضالة المهلكة «بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها» واتضح لنا بطلانها وقد نظم نفسه في جملة المؤمنين مع أنه كان بريئا مما كانوا عليه لأن الكفر على الأنبياء محال، ولكنه تكلم بلسان قومه المؤمنين مجريا الكلام على حكم التغليب «وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها» وهي ملة الكفر ونترك الحق الذي نحن عليه «إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا» خذلاننا ومنعنا من الطاقة القدسية، فحينئذ يمضي فينا قضاؤه وقدره تنفيذا لسابق علمه، وهذا القول من شعيب على لسان قومه المؤمنين أيضا الذين لا يقدرون أن يردوا عليهم لضعفهم وهو من قبيل الاستسلام لمشيئة الله، لأن الأنبياء والكاملين دائما يخافون العاقبة وانقلاب الأمر لعلمهم ان الإله لا يقيد ولا يسأل عما يفعل، فإن العبد كلما ازداد قربا من ربه ازداد خوفا منه ومعرفة بعظمته. قال الخليل عليه السلام «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ» الآية ٣٥ من سورة ابراهيم في ج ٢ وكان محمد صلّى الله عليه وسلم يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ومن المعلوم بداهة ان ابراهيم يجتنب الأصنام وان محمدا ثابت قلبه على دين ربه، وعليه يكون معنى الاستثناء: إلا أن يكون قد سبق في علمك ومشيئتك أن نعود فيها. يدل على هذا قوله «وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً» ت (٢٥)

صفحة رقم 385
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية