آيات من القرآن الكريم

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

قوله تعالى: ﴿وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾ القصة.
اختلف في «مَدْيَنَ» : فقيل: أعجميٌّ، فمنعه للعُجْمَةِ والعلمية، وهو مدين بن إبراهيم - عليه السلام - فسُمِّيت به القبيلة.

صفحة رقم 209

وقيل: هو عربيٌّ اسم بلد، قاله الفرَّاءُ، وأنشد: [الكامل]

٢٥١٨ - رُهْبَانُ مَدْيَنَ والَّذينَ عَهِدْتُهُمْ يَبْكُونَ مِنْ حَذَرِ العَذَابِ قُعُودَا
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ كَلامَهَا خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودَا
فمنعهُ للعَلِميَّة والتَّأنيث.
ولا بدّ حينئذ من حذف مضاف، أي: وإلى أهل مدين، ولذلك أعاد الضَّمير في قوله: «أخَاهُم» على الأهل، ويجوز أن يراد بالمكان سَاكِنُوه، فروعي ذلك بالنِّسْبَةِ إلى عود الضمير عليه وعلى تقدير كونه عربياً قالوا: فهو شاذ، إذ كان من حقِّه الإعلال كمتاع ومقام، ولكنهم شذُّوا فيه كما شذوا في مَرْيم ومَكْوذَة، وليس بشاذٍ عند المبرِّد، لعدم جَرَيَانِهِ على الفعل، وهو حقٌّ وإن كان الجمهور على خلافه.
قوله: «شُعَيْباً» يجوز أن يكون تصغير شَعْب أو شِعْب هكذا قالوا، والأدبُ ألاَّ يقالَ ذلك، بل هذا موضوضعٌ على هذه الزِّنَةِ، وأمَّا أسماءُ الأنْبِيَاءِ فلا يدخلُ فيها تصغيرٌ ألْبَتَّةَ، إلا ما نطق به القرآن على صيغة تشبهه كشُعَيْب عليه السلام، وهو عربي لا أعجمي.

فصل


قال عطاء: «هو شعيبُ بْنُ نويب بنِ مَدْينَ بنِ إبراهيمَ».
وقال ابْنُ إسحاقَ: «هو شُعَيْبُ بْنُ ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم، وأم ميكائيل بنت لوط».
وقيل: هو شُعَيْبُ بنُ ميرون بن مدْينَ، وكان شعيب أعمى، ويقال له: «خِطِيبُ الأنْبِيَاء» لحسن مراجعته قومه وكان أهل كفر وبخس للكَيْلِ والميزان، وهم أصحاب الأيكة.
﴿قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾ وهذا أصل معتبر في شرائع جميع الأنبياء.
﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ واعلم أنَّ المراد من البيِّنَةِ هنا المعجزة، ولم تذكر في القرآن. كما لم يذكر في القرآن كثير من مُعْجِزاتِ رسُولِنَا.
قال الزمخشريُّ: «ومن معجزات شعيب أنَّهُ دفع إلى موسى عصاه وصارت ثعباناً، وأيضاً قال لموسى - عليه [الصلاة] والسلام -: هذه الأغنام تلد أوْلاداً فيها سواد وبياض، وقد وهبتها لك، فكان الأمر كذلك».

صفحة رقم 210

قوله: ﴿فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾.
اعلم أنَّ قوم شُعَيْبٍ كانوا مشغوفين بالبَخْسِ والتَّطْفيف.
فإن قيل: «الفاء» في قوله: «فأوفوا» توجب أن يكون الأمر بإيفاء الكيل كالتعليل لما سبق ذكره، وهو قوله: ﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فكيف وجهه؟
فالجوابُ: كأنَّهُ يقول لهم: البخس والتطفيف عبارة عن الخيانة بالشَّيءِ القليل، وهو مستقبح في العقل، ومع ذلك فقد جاءت البينة والشريعة بتحريمه فلم يبق فيه عذر «فَأْفُوا الكَيْلَ».
وقال هنا: «الكَيْلَ» ولم يقل: «المِكْيَالَ» كما في سورة هود [٨٤] ؛ لأنَّهُ أراد بالكيل آلة الكيل وهو المكيال، أو يسمى ما يكال به الكيل كما يقال: «العيش» لما يعاش به.
قوله: ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ﴾ قد تقدّم معنى هذه اللفظة في قوله: ﴿وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وهو يتعدّى لاثنين، وهما «النَّاس» و «أشياءهم»، أي: لا تنقصوهم أشياءهم ولا يظلموهم، ويدخلُ فيه المَنْعُ من الغَصْبِ، والسرقة والرشوة، وقطع الطريق، وانتزاع الأموال بطريق الحيل.
قوله: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾.
وذلك أنَّهُ لما كان أخذُ أموال النَّاس بغير رضاهم يوجب المُنازَعَة والخصومة، وهما يوجبان الفَسَادَ، لا جَرَمَ قال بعده: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾.
وقيل: أراد المَنْعَ من كلِّ فسادٍ.
وقيل: أراد بقوله: ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ﴾ المنع من فساد الدُّنيا، وبقوله: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض﴾ المنع من فساد الدِّين.
واختلفوا في معنى «بَعْدَ إصْلاحِهَا» : فقيل: بعد أن صلحت ببعثة الرسل.
وقيل: بعد أن أصلحها بتكثير النّعَمِ.
ثم قال: «ذَلِكُمْ» وهو إشارةٌ إلى ما تقدَّم من الأمر والنهي «خَيْرٌ لَّكُمْ» في الآخرة ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ مصدِّقين بما أقول.

صفحة رقم 211
اللباب في علوم الكتاب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان
سنة النشر
1419 - 1998
الطبعة
الأولى، 1419 ه -1998م
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية