
٨٤ - قوله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ الآية. يقال: مطرتنا السماء وأمطرتنا، والأول أفصح (١) وأمطرهم الله مطرًا وعذابًا، وكذلك أمطر عليهم (٢). قال ابن عباس (٣) والمفسرون (٤): (أمطر الله عليهم حجارة من السماء). كما قال في آية أخرى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: ٧٤].
٨٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾. قال المفسرون (٥):
(١) انظر: "العين" ٧/ ٤٢٥، و"الجمهرة" ٢/ ٧٦٠ و ٣/ ١٢٥٩، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤١٢، و"الصحاح" ٢/ ٨١٨، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٣٣٢، و"المجمل" ٣/ ٨٣٤، و"المفردات" ص ٧٧٠، و"اللسان" ٧/ ٤٢٢٣ (مطر).
(٢) قال السمين في "الدر" ٥/ ٣٧٤ - ٣٧٥ قال بعضهم: (مطر في الرحمة، وأمطر في العذاب، وهذا مردود بقوله تعالى: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤] فإنهم إنما عنوا بذلك الرحمة وهو من أمطر رباعيًا وَمَطَر وأمْطَر بمعنى واحد يتعديان لواحد يقال: مطرتهم السماء وأمطرتهم، و (أمطرنا) ضُمِّن معنى (أرسلنا) ولذلك عدي بعلى) اهـ. بتصرف.
(٣) "تنوير المقباس" ٢/ ١٠٩، وذكره ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٢٢٨.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٢٣٧، والسمرقندي ١/ ٥٥٣، والبغوي ٣/ ٢٥٦، وابن عطية ٥/ ٥٧٣.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٢٣٧، والسمرقندي ١/ ٥٥٤، والبغوي ٣/ ٢٥٦، وابن عطية ٥/ ٥٧٣، وابن الجوزي ٣/ ٢٢٨، وقال ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢٥٨: (مدين تطلق على القبيلة وهم من سلالة مدين بن إبراهيم، وعلى المدينة وهي التي بقرب معان من طريق الحجاز وهم أصحاب الأيكة) اهـ. وانظر: "تاريخ الطبري" ١/ ٣٢٦ - ٣٢٧، و"عرائس المجالس" ص ١٦٤ - ١٦٥، و"معجم البلدان" ٥/ ٧٧، ٧٨، و"الكامل" لابن الأثير ١/ ١٥٧، و"البداية والنهاية" ١/ ١٨٤، وقال الخازن ٢/ ٢٦١: (أكثر المفسرين على أن مدين اسم رجل وهو الصحيح لقوله =

(مدين: اسم ولدٍ لإبراهيم، وهو مدين بن إبراهيم الخليل، وشعيب بعث إلى أولاد مدين، ومدين صار اسمًا للقبيلة، كما يقال: بكر وتميم). قال الزجاج: (ولم يصرف (مدين) لأنه اسم للقبيلة، وهو أعجمي) (١).
وقوله تعالى: ﴿أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾. قال عطاء عن ابن عباس: (هو شعيب ابن توبة بن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن) (٢).
وقوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. قال بعض أهل التفسير: (البينة شعيب) ومعناه: قد جئتكم بالرسالة، ومجيء البينة هاهنا مجيء شعيب. وبهذا قال الفراء؛ فإنه قال: (لم يكن له آية إلا (٣) النبوة) (٤)، وأنكر الزجاج ذلك وجعله (غلطًا فاحشًا؛ لأن شعيبًا دعا إلى أنه رسول، ولا سبيل إلى علم ذلك إلا بمعجزة (٥). ولو ادعى مدعٍ النبوة بغير آية
(١) قال الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣٥٣: (مدين لا ينصرف لأنه اسم للقبيلة أو البلدة، وجائز أن يكون أعجميًّا) اهـ.
وقال النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٦٢٥: (لم تنصرف لأنها اسم مدينة وقيل: إنها اسم قبيلة وقيل: للعجمة وأصحها الأول) اهـ. وانظر: "الفريد" ٢/ ٣٣١، و"الدر المصون" ٥/ ٣٧٥.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٩٤ أ، والبغوي ٣/ ٢٥٦ من قول عطاء فقط، والمشهور أنه شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه السلام. انظر: "تاريخ الطبري" ١/ ٣٢٥، و"تفسيره" ٨/ ٢٣٧، و"عرائس المجالس" ص ١٦٤، و"الكامل" لابن الأثير ١/ ١٥٧، و"البداية والنهاية" ١/ ١٨٥، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" ٦/ ٣١٩.
(٣) في (أ): (لم يكن له آية النبوة) ثم صحح في الهامش (إلى إلا النبوة).
(٤) "معاني الفراء" ١/ ٣٨٥.
(٥) في (ب): (إلا المعجزة).

لم تقبل منه (١)، ومعجزة شعيب لم تذكر في القرآن) (٢).
وقال عطاء عن ابن عباس: (﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ يريد موعظة) (٣) ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾. قال المفسرون: (إن قوم شعيب كانوا أهل كفر بالله وبخس للمكيال والميزان (٤). فأمرهم شعيب بتوحيد الله وإتمام الكيل والوزن) (٥).
قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾. أي: بعد إصلاح الله تعالى إياها ببعثه شعيب. وهذا معنى قول ابن عباس (٦)، وإلى هذا أشار الزجاج، فقال: (أي: لا تعملوا فيها بالمعاصي وبخس الناس بعد أن أصلحها الله عز وجل بالأمر بالعدل، وإرسال الرسول) (٧). وتفسير هذا
(٢) هذا كله كلام الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣٥٣ - ٣٥٤، وقال ابن كثير في "البداية" ١/ ١٨٥: (﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ (أي: دلالة، وحجة واضحة، وبرهان قاطع على صدق ما جئتكم به، وأنه أرسلني، وهو ما أجرى الله على يديه من المعجزات التي لم تنقل إلينا تفصيلاً، وإن كان هذا اللفظ قد دل عليها إجمالًا) اهـ. وانظر: "تفسير البغوي" ٣/ ٢٥٦، والزمخشري ٢/ ٩٣، وابن عطية ٥/ ٥٧٤، والرازي ١٤/ ١٧٣.
(٣) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٠٨ من قول عطاء فقط. وانظر "الخازن" ٢/ ٢٦١.
(٤) في (ب): (وبخس المكيال والميزان).
(٥) انظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ٥٥٥، والرازي ١٤/ ١٧٤، وفي "الدر المنثور" ٣/ ١٨٩، أن ابن عباس قال: (كانوا قومًا طغاة بغاة أهل بخس في مكايلهم وموازينهم مع كفرهم بربهم وتكذيبهم نبيهم) اهـ. ملخصًا.
(٦) ذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٨٩، وانظر: "تهذيب تاريخ ابن عساكر" ٦/ ٣١٩ - ٣٢٠.
(٧) "معاني الزجاج" ٢/ ٣٥٤، ونحوه ذكره الطبري في "تفسيره" ٨/ ٢٣٧، والنحاس =