آيات من القرآن الكريم

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

من أهل عصر النبي وبيئته قبل البعثة بالإضافة إلى ما يسمعونه من أخبارهم جيلا عن جيل كانوا يعرفون بلاد ثمود وآثارها معرفة عيانية وكانوا يرون فيها فيما يرون آثار تدمير رباني. على ما تفيده آية سورة العنكبوت هذه: وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) ولا تزال آثار هذه البلاد المدمّرة باقية إلى اليوم.
وفيها آثار بيوت ومقابر منحوتة في الجبال وعليها نقوش بلغة ثمود التي كانت لهجة عربية قديمة بعيدة عن الفصحى. وهذا مما يظهر ما في البيانات التي يرويها المفسرون من خيال حيث رووا فيما رووا أن لغتهم كانت عربية فصحى.
ونحت ثمود بيوتا في الصخور والجبال تكرر ذكره في سور سابقة وآتية. أما اتخاذهم من السهول قصورا فهو هنا جديد وللمرة الوحيدة. وبلاد ثمود ليست جبلية صخرية كلها ففيها أيضا سهول ومنبسطات. وفي العبارة القرآنية توضيح لصورة واقعية كان السامعون يعرفونها سماعا ومشاهدة كما هو المتبادر.
وعلى كل حال فالمتبادر أن الكلام هو بسبيل تذكير قوم صالح عليه السلام بما أنعم الله عليهم من قوة وتمكين ونشاط وعمران.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٠ الى ٨٤]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)
. (١) مسرفون: موغلون في الاعوجاج.
(٢) الغابرين: الذاهبين الهالكين.
وهذه حلقة رابعة من السلسلة احتوت قصة لوط عليه السلام وقومه وقد

صفحة رقم 422

ذكرت في سور سابقة وعلقنا عليها بما اقتضى. والجديد فيها صراحة إقبال قوم لوط على إتيان الذكور وخبر إهلاك زوجته مع الهالكين. وقد تكرر ذلك في السور التي ذكرت القصة بعد هذه السورة. ولقد ذكرت القصة بما فيها الخبران في سفر التكوين على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة. والمتبادر أن سامعي القرآن يعرفون ذلك عن طريق اليهود. وعبارة السفر المذكور عن زوجة لوط أنها التفتت إلى ورائها فصارت قضيب ملح. وفي آية سورة هود عبارة إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ [٨١] وفي آية سورة النمل عبارة: إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٧٥) وفي آية سورة التحريم [١٠] نسبت إليها خيانة زوجها. وليس بين ما ورد في القرآن وفي سفر التكوين تعارض أو تغاير في المدى العام. ونعتقد أن ما ذكر في القرآن كان متداولا بين اليهود وواردا في بعض قراطيسهم. وفي ذكر هلاك هذه الزوجة مع الهالكين الذين استحقوا الهلاك بسبب بغيهم وانحرافهم عظة قرآنية بليغة ومستمرة التلقين وهي أن القرابة وصلة الدم مهما اشتدّت لا يمكن أن تغني الإنسان شيئا إذا كان سيء العمل والتصرف وأن أحدا لا يغني عن أحد وكل نفس رهينة بما كسبت. وهذا المعنى قد تكرر في آيات كثيرة مرت أمثلة عديدة منها بحيث يصحّ أن يقال إنه من المبادئ القرآنية المحكمة. وفي آية سورة التحريم المذكورة آنفا صراحة بالنسبة لزوجة لوط. وقد نزلت لتكون مثلا وهذا نصها:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠).
وعذاب قوم لوط المعبّر عنه هنا بجملة وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً عبر عنه في سورة القمر التي مرّ تفسيرها بجملة إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً وفي سورة هود بهذه الآية: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) وقد ورد في الإصحاح (١٩) من سفر التكوين هذه العبارة: (وأمطر الربّ على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من السماء وقلب تلك المدن وكل البقعة

صفحة رقم 423

وجميع سكان المدن ونبت الأرض) مما فيه تساوق وتوافق.
استطراد إلى جريمة اللواط
ولقد استطرد المفسرون «١» إلى جريمة اللواط في الإسلام في سياق هذه الآيات التي يشار فيها إليها لأول مرة بصراحة فذكروا أن العلماء مجمعون على تحريمها وأوجبوا عقوبة الزنا على الفاعل والمفعول به وأوردوا أحاديث نبوية في ذلك منها حديث رواه أصحاب السنن عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» «٢». وحديث رواه الترمذي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط» «٣».
ويلحظ أن الحديث الأول رتّب العقوبة متساوية على الفاعل والمفعول به بدون تفريق بين محصن وغير محصن للفاعل الذي يكون هذا واردا بالنسبة إليه. وقد يكون مردّ الحكمة النبوية في ذلك إلى بشاعة الجريمة وغير طبيعتها وإنسانيتها والله أعلم.
على أن هناك أقوالا أخرى في صدد هذه الجريمة وعقوبتها وردت في كتب التفسير. من ذلك عن علي أن اللوطي يقتل ثم يحرق لعظم المعصية. وعن عمرو بن عثمان أنه يلقى عليه حائط. وعن ابن عباس أنه يلقى من أعلى بناء في البلد. وهذه الأقوال في معنى القتل الوارد في الحديث النبوي. ومن ذلك قول يروى عن الشافعي وآخرين أن عقوبة اللواط هي نفس عقوبة الزنا فإن كان الفاعل محصنا رجم وإن كان غير محصن جلد مائة جلدة على ما سوف يأتي شرحه مسهبا في سياق تفسير الآية الثانية من سورة النور. ولم يذكر الراوي رأي هؤلاء في عقوبة المفعول به إذا لم يكن مكرها. والمتبادر أنه يجلد لأن مسألة الإحصان وغير

(١) انظر تفسير ابن كثير ورشيد رضا مثلا.
(٢) التاج ج ٣ ص ٢٥.
(٣) المصدر نفسه.

صفحة رقم 424
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية