آيات من القرآن الكريم

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرٍ بِهَا وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ" (١). وَقَالَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَأَنْ يَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ (٢).
وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجْرِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْقَرْيَةَ وَلَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِمْ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَلَا تَسْأَلُوا رَسُولَكُمُ الْآيَاتِ، هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا رَسُولَهُمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّاقَةَ فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ وُرُودِهَا، وَأَرَاهُمْ مُرْتَقَى الْفَصِيلِ مِنَ الْقَارَةِ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَعَقَرُوهَا، فَأَهْلَكَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا يُقَالُ لَهُ أَبُو رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ كَانَ فِي حَرَمِ الله، فمنعه ١٣٣/ب حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ فَدُفِنَ وَدُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأَرَاهُمْ قَبْرَ أَبِي رِغَالٍ، فَنَزَلَ الْقَوْمُ فَابْتَدَرُوا بِأَسْيَافِهِمْ وَحَفَرُوا عَنْهُ وَاسْتَخْرَجُوا ذَلِكَ الْغُصْنَ (٣).
وَكَانَتِ الْفِرْقَةُ الْمُؤْمِنَةُ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ خَرَجَ بِهِمْ صَالِحٌ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، فَلَمَّا دَخَلُوهَا مَاتَ صَالِحٌ فَسَمَّى حَضْرَمَوْتَ ثُمَّ بَنَى الْأَرْبَعَةُ آلَافٍ مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا حَاصُورَاءُ، قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُوفِي بِمَكَّةَ، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَأَقَامَ فِي قَوْمِهِ عِشْرِينَ سَنَةً.
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلُوطًا﴾ أَيْ: وَأَرْسَلْنَا لُوطًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ لُوطًا. وَهُوَ لُوطُ بْنُ هَارَانَ بْنِ تَارِخَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ، ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ وَهُمْ أَهْلُ سَدُومٍ وَذَلِكَ أَنَّ لُوطًا شَخَصَ مِنْ أَرْضِ بَابِلٍ [سَافَرَ] (٤) مَعَ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُؤْمِنًا بِهِ مُهَاجِرًا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ إِبْرَاهِيمُ فِلَسْطِينَ وَأَنْزَلَ

(١) أخرجه البخاري في الأنبياء، باب قول الله تعالى: "وإلى ثمود أخاهم صالحا": ٦ / ٣٧٨، ومسلم في الزهد، باب "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم" برقم (٢٩٨١) : ٤ / ٢٢٨٦ بلفظ قريب.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء، باب قول الله تعالى: "وإلى ثمود أخاهم صالحا": ٦ / ٣٧٨.
(٣) أخرجه الطبري في التفسير: ٨ / ٢٣٠ (طبع الحلبي)، والإمام أحمد في المسند مختصرا: ٣ / ٢٩٦، وصححه الحاكم: ٢ / ٣٤٠-٣٤١، ووافقه الذهبي، وعزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط والبزار وأحمد، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح وعزاه أيضا ابن حجر لابن حبان. انظر: مجمع الزوائد: ٧ / ٣٧-٣٨، الكافي الشاف ص (٦٥)، الدر المنثور: ٣ / ٤٩٢.
(٤) ساقط من "ب".

صفحة رقم 254

لُوطًا الْأُرْدُنَ، فَأَرْسَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَهْلِ سَدُومٍ فَقَالَ لَهُمْ، ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ يَعْنِي: إِتْيَانَ الذُّكْرَانِ، ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مَا يُرَى ذَكَرٌ عَلَى ذَكَرٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَانَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ.
﴿إِنَّكُمْ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَفْصٌ (إِنَّكُمْ) بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، ﴿لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾ فِي أَدْبَارِهِمْ، ﴿شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ﴾ فَسَّرَ تِلْكَ الْفَاحِشَةَ يَعْنِي أَدْبَارَ الرِّجَالِ أَشْهَى عِنْدَكُمْ مِنْ فُرُوجِ النِّسَاءِ، ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ مُجَاوَزُونَ الْحَلَالَ إِلَى الْحَرَامِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ لَهُمْ ثِمَارٌ وَقُرَى لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مِثْلُهَا فَقَصَدَهُمُ النَّاسُ فَآذَوْهُمْ، فَعَرَضَ لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ، فَقَالَ: إِنْ فَعَلْتُمْ بِهِمْ كَذَا نَجَوْتُمْ، فَأَبَوْا فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِمُ النَّاسُ قَصَدُوهُمْ فَأَصَابُوهُمْ غِلْمَانًا صِبَاحًا، فَأَخَذُوهُمْ وَقَهَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَخْبَثُوا وَاسْتَحْكَمَ ذَلِكَ فِيهِمْ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا لَا يَنْكِحُونَ إِلَّا الْغُرَبَاءَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ إِبْلِيسُ، لِأَنَّ بِلَادَهُمْ أَخْصَبَتْ فَانْتَجَعَهَا أَهْلُ الْبُلْدَانِ، أَيْ: فَتَمَثَّلَ لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَابٍّ، ثُمَّ دَعَا إِلَى دُبُرِهِ، فَنُكِحَ فِي دُبُرِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَاءَ أَنْ تَحْصِبَهُمْ وَأَمْرَ الْأَرْضَ أَنْ تَخْسِفَ بِهِمْ.

صفحة رقم 255
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية