آيات من القرآن الكريم

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

ومنه «إرجاف» النفوس لكريه الأخبار أي تحريكها، وروي أن صيحة ثمود كان فيها من صوت كل شيء هائل الصوت، وكانت مفرطة شقت قلوبهم فجثوا على صدورهم والجاثم اللاطئ بالأرض على صدره مع قبض ساقيه كما يرقد الأرنب والطير، فإن جثومها على وجهها، ومنه قول جرير: [الوافر].

عرفت المنتأى وعرفت منها مطايا القدر كالحدأ الجثوم
وقال بعض المفسرين معناه حمما محترقين كالرماد الجاثم.
قال القاضي أبو محمد: وحيث وجد الرماد الجاثم في شعر فإنما هو مستعار لهيئة الرماد قبل هموده وتفرقه، وذهب صاحب هذا القول إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة.
وأخبر الله عز وجل بفعل «صالح» في توليه عنهم وقت «عقرهم» الناقة وقولهم ائْتِنا بِما تَعِدُنا وذلك قبل نزول العذاب وكذلك روي أنه عليه السلام خرج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب وهو الذي تقتضيه مخاطبته لهم، وأما لفظ الآية فيحتمل أن خاطبهم وهم موتى على جهة التفجع عليهم وذكر حالهم أو غير ذلك كما خاطب رسول الله ﷺ أهل قليب بدر، قال الطبري: وقيل لم تهلك أمة ونبيها معها، وروي أنه ارتحل بمن معه حتى جاء مكة فأقام بها حتى مات، ولفظة التولي تقتضي اليأس من خيرهم واليقين في إهلاكهم. وقوله: لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ عبارة عن تغليبهم الشهوات على الرأي، إذ كلام الناصح صعب مضاد لشهوة نفس الذي ينصح، ولذلك تقول العرب أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك.
قوله عز وجل:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٠ الى ٨٤]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)
«لوط» عليه السلام بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم وروي أنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام، ونصبه إما أَرْسَلْنا المتقدم في الأنبياء وإما بفعل مضمر تقديره واذكر لُوطاً واستفهامه لهم هو على جهة التوقيف والتوبيخ والتشنيع، والْفاحِشَةَ هنا إتيان الرجال في الأدبار، وروي أنه لم تكن هذه المعصية في أمم قبلهم.
قال القاضي أبو محمد: وإن كان لفظ الآية يقتضي هذا فقد كانت الآية تحتمل أن يراد بها ما سبقكم أحد إلى لزومها وتشهيرها وروي أنهم إن كانوا يأتي بعضهم بعضا، وروي أنهم إنما كانوا «يأتون» الغرباء قاله الحسن البصري، قال عمرو بن دينار ما زنا ذكر على ذكر قبل قوم «لوط»، وحكى النقاش: أن إبليس كان أصل عملهم بأن دعاهم إلى نفسه، وقال بعض العلماء عامل اللواط كالزاني، وقال مالك رحمه الله

صفحة رقم 424

وغيره: يرجم أحصن أو لم يحصن، وحرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجلا يسمى الفجأة حين عمل عمل قوم «لوط».
وقرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم «أنكم» على الخبر كأنه فسر الْفاحِشَةَ وقرأ ابن كثير أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة: «أإنكم» باستفهام آخر، وهذا لأن الأول استفهام عن أمر مجمل والثاني عن مفسر، إلا أن حمزة وعاصما قرءا بهمزتين، ولم يهمز أبو عمرو وابن كثير إلا واحدة وشَهْوَةً:
نصب على المصدر من قولك شهيت الشيء شهاه، والمعنى تدعون الغرض المقصود بالوطء وهو ابتغاء ما كتب الله من الولد وتنفردون بالشهوة فقط، وقوله: بَلْ أَنْتُمْ إضراب عن الإخبار عنهم أو تقريرهم على المعصية وترك لذلك إلى الحكم عليهم بأنهم قوم قد تجاوزوا الحد وارتكبوا الحظر، والإسراف الزيادة المفسدة.
وقرأ الجمهور «جواب» بالنصب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «جواب» بالرفع، ولم تكن مراجعة قومه باحتجاج منهم ولا بمدافعة عقلية وإنما كانت بكفر وصرامة وخذلان بحت في قولهم أَخْرِجُوهُمْ وتعليلهم الإخراج بتطهير المخرجين، والضمير عائد على «لوط» وأهله وإن كان لم يجر لهم ذكر فإن المعنى يقتضيهم، وروي أنه لم يكن معه غير ابنتيه وعلى هذا عني في الضمير هو وابنتاه، ويَتَطَهَّرُونَ معناه يتنزهون عن حالنا وعادتنا، قال مجاهد معناه يَتَطَهَّرُونَ عن أدبار الرجال والنساء، قال قتادة: عابوهم بغير عيب وذموهم بغير ذم، والخلاف في أهله حسبما تقدم.
واستثنى الله امرأة «لوط» عليه السلام من الناجين وأخبر أنها هلكت، والغابر الباقي هذا المشهور في اللغة، ومنه غير الحيض كما قال أبو كبير الهذلي: [الكامل]

ومبرأ من كل غبر حيضة وفساد من ضعة وداء مغيل
وغبر اللبن في الضرع بقيته، فقال بعض المفسرين: كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ في العذاب والعقاب أي مع الباقين ممن لم ينج، وقال أبو عبيدة معمر: ذكرها الله بأنها كانت ممن أسن وبقي من عصره إلى عصر غيره فكانت غابرة إلى أن هلكت مع قومها.
قال القاضي أبو محمد: فكأن قوله: إِلَّا امْرَأَتَهُ اكتفى به في أنها لم تنج ثم ابتدأ وصفها بعد ذلك بصفة لا تتعلق بها النجاة ولا الهلكة، والأول أظهر، وقد يجيء الغابر بمعنى الماضي، وكذلك حكى أهل اللغة غير بمعنى بقي وبمعنى مضى، وأما قول الأعشى: [السريع]
عض بما أبقى المواسي له من أمه في الزمن الغابر
فالظاهر أنه أراد الماضي وذلك بالنسبة إلى وقت الهجاء، ويحتمل أن يريد في الزمن الباقي وذلك بالنسبة إلى الحين هو غابر بعد الإبقاء، ويحتمل أن يعلق في الزمن بعض فيكون الباقي على الإطلاق والأول أظهر.
وقوله تعالى: وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ الآية، نص على إمطار وتظاهرت الآيات في غير هذه السورة أنه

صفحة رقم 425
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية