آيات من القرآن الكريم

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

تُفَضِّلُ لَذَّةَ السَّاعَاتِ وَالْأَيَّامِ، عَلَى هَنَاءِ الْمَعِيشَةِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي عَشَرَاتِ الْأَعْوَامِ؟ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُقَالُ فِي أَحْوَالِ الْحُزْنِ الْمُخْتَلِفَةِ خِطَابًا لِلْمَوْتَى بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ، بَلْ عُهِدَ مِنْهُمْ مُخَاطَبَةُ الدِّيَارِ، وَالطُّلُولِ وَالْآثَارِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ نِدَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ بَعْدَ دَفْنِهِمْ فِي الْقَلِيبِ " يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ! وَفُلَانُ ابْنَ
فُلَانٍ! أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ " قَالَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ - أَوْ فِيهَا - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنِقْمَةً حَسْرَةً وَنَدَمًا اهـ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا خَصَّ اللهُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمُتَعَذِّرِينَ لِعُبَّادِ الْقُبُورِ بِدُعَاءِ أَصْحَابِهَا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ يَقِيسُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا وَرَدَ مِنْ حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ فِي الْبَرْزَخِ أَنَّ كُلَّ مَنْ دَعَا مَيِّتًا مِنَ الصَّالِحِينَ يَسْمَعُ مِنْهُ وَيَقْضِي حَاجَتَهُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أُمُورَ عَالَمِ الْغَيْبِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِيهَا.
(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).

صفحة رقم 452

قِصَّةُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
خَيْرُ مَا يُعْرَفُ بِهِ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ (صَلَّى الله عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ) كَمَا فِي كُتُبِ الْأَنْسَابِ وَسِفْرِ التَّكْوِينِ، وَفِيهِ أَنَّ اسْمَ وَالِدِهِ (حَارَانُ) وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي (أُوَرِ الْكَلْدَانِيِّينَ) وَهِيَ فِي طَرْفِ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ جَنُوبِ الْعِرَاقِ الْغَرْبِيِّ مِنْ وِلَايَةِ الْبَصْرَةِ - وَكَانَتْ تِلْكَ
الْبُقْعَةُ تُسَمَّى أَرْضَ بَابِلَ. وَأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ سَافَرَ مَعَ عَمِّهِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ إِلَى مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى جَزِيرَةَ قُورَا، وَمِنْهُ مَا يُسَمَّى الْآنَ بِجَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ مَكَانٌ تُحِيطُ بِهِ دِجْلَةُ فَقَطْ (وَهُنَالِكَ كَانَتْ مَمْلَكَةُ أَشُورَ) فَإِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ مِنْ سُورِيَّةَ. ثُمَّ أَسْكَنَهُ إِبْرَاهِيمُ فِي شَرْقِ الْأُرْدُنِ بِاخْتِيَارِهِ لَهَا لِجَوْدَةِ مَرَاعِيهَا، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ - الْمُسَمَّى بِعُمْقِ السَّدِيمِ بِقُرْبِ الْبَحْرِ الْمَيِّتِ الَّذِي سُمِّيَ بِبَحْرِ لُوطٍ أَيْضًا - الْقُرَى أَوِ الْمُدُنُ الْخَمْسُ: سَدُومُ وَعَمُورَةُ وَأَدْمَةُ وَصَبُوبِيمُ وَبَالِعُ الَّتِي سُمِّيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صُوغَرَ لِصِغَرِهَا، فَسَكنَ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَاصِمَتِهَا سَدُومَ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ الْآنَ أَيْنَ كَانَتْ تِلْكَ الْقُرَى مِنْ جِوَارِ بَحْرِ لُوطٍ إِذْ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، فَمِنَ الْمُؤَرِّخِينَ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْبَحْرَ غَمَرَ مَوْضِعَهَا وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَتْ عَمُورَةُ تَلِي سَدُومَ فِي الْكِبَرِ وَفِي الْفَسَادِ، وَهُمَا اللَّتَانِ يَحْفَظُ اسْمَهُمَا النَّاسُ إِلَى الْآنِ.
وَاسْمُ لُوطٍ مَصْرُوفٌ وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا لِكَوْنِهِ ثُلَاثِيًّا سَاكِنَ الْوَسَطِ كَنُوحٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنْ مَادَّةِ لَاطَ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ لَوْطًا أَيْ لَصَقَ بِهِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقُولُ: إِنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ لُوطٍ بِالْعِبْرَانِيَّةِ " سَتْرٌ " فَهِيَ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ مَعْنَى مَادَّتِهَا الْعَرَبِيَّةِ عَنْ مَادَّتِهَا الْعِبْرِيَّةِ وَالسِّرْيَانِيَّةِ أُخْتَيِ الْعَرَبِيَّةِ الصُّغْرَيَيْنِ، عَلَى أَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْهُ فَإِنَّ اللُّصُوقَ ضَرْبٌ مِنَ السَّتْرِ. وَيُرَاجَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي لُغَةِ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ (٧٤ س ٦) [ص ٤٤٥ وَمَا بَعْدَهَا ج ٧ ط الْهَيْئَةِ] قَالَ تَعَالَى:
(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) النَّسَقُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَأَرْسَلْنَا لُوطًا - وَلَكِنْ حُذِفَ هُنَا مُتَعَلِّقُ الْإِرْسَالِ وَرُكْنُهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْعِبَادَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِمَّا ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، أَيْ أَرْسَلْنَاهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَنْكَرَ عَلَى قَوْمِهِ فِعْلَ الْفَاحِشَةِ فِيمَا بَلَغَهُمْ مِنْ دَعْوَى الرِّسَالَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ لُوطًا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ وَاذْكُرْ لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ مُوَبِّخًا لَهُمْ: أَتَفْعَلُونَ الْفِعْلَةَ الْبَالِغَةَ مُنْتَهَى الْقُبْحِ وَالْفُحْشِ؟ (مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) بَلْ هِيَ مِنْ مُبْتَدَعَاتِكُمْ فِي الْفَسَادِ، فَأَنْتُمْ فِيهَا قُدْوَةُ سُوءٍ، فَعَلَيْكُمْ وِزْرُهَا وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ يَتْبَعَكُمْ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ نَحْوِيٌّ أَوْ بَيَانِيٌّ يُؤَكِّدُ التَّوْبِيخَ بِبَيَانِ أَنَّهُ فَسَادٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَلِهِدَايَةِ الدِّينِ مَعًا، وَ " الْبَاءُ " فِي قَوْلِهِ: (بِهَا) لِلتَّعْدِيَةِ أَوِ الْمُلَابَسَةِ أَوِ الظَّرْفِيَّةِ - أَقْوَالٌ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَحَدٍ)
يُفِيدُ تَأْكِيدَ النَّفْيِ وَعُمُومَهُ الْمُسْتَغْرِقَ

صفحة رقم 453
تفسير المنار
عرض الكتاب
المؤلف
محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني
الناشر
1990 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية