آيات من القرآن الكريم

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

٨ - قوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ يعني: يوم السؤال ﴿وَالْوَزْنُ﴾ ابتداء، وخبره ﴿الْحَقُّ﴾ (١) وابن عباس (٢) وعامة المفسرين (٣) على أن المراد بهذا الوزن أعمال العباد.
قال ابن الأنباري: (أكد الله به الاحتجاج على العباد وقطع به عذرهم وبين به (٤) لهم عدله وأنه لا يظلم أحدًا) (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ ورد الخبر (أن الله تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة فتوزن (٦) به أعمال العباد خيرها وشرها) (٧).
قال ابن عباس: (يوزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل (٨)

(١) انظر "معاني الفراء" ١/ ٣٧٣، و"إعراب النحاس" ١/ ٦٠٠، و"المشكل" ١/ ٢٨٢.
(٢) يأتي تخريجه فيما بعد.
(٣) ذكره مثله الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٥٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٢١٤، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٨٠/ ١٢٢، عن عمرو بن دينار والسدي.
(٤) لفظ: (به) ساقطة من (ب).
(٥) لم أقف عليه: وقال ابن الجوزي في زاد المسير ٣/ ١٧١ (في الميزان خمسة حكم - أحدها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، والثانية: إظهار علامة السعادة والشقاوة في الآخرة، والثالثة: تعريف العباد ما لهم من خير وشر، والرابعة: إقامة "الحجة" عليهم، والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم) اهـ.
(٦) في (ب): (فيوزن) بالياء.
(٧) لم أقف عليه بهذا اللفظ وهو مشهور من قول ابن عباس، وسيأتي تخريجه. وقال الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣١٩: (الأولى من هذا أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كفتان من حيث ينقل أهل الثقة فينبغي أن يقبل ذلك) اهـ.
(٨) في (ب): (فيثقل) بالياء.

صفحة رقم 23

حسناته على سيئاته، فذلك قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الناجون، قال: وهذا كما قال في سورة الأنبياء: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾) (١) [الأنبياء: ٤٧].
وقال مقاتل: (﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ وزن الأعمال يومئذ العدل ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ من المؤمنين وزن ذرة على سيئاته ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾) (٢). فأما كيفية وزن الأعمال فله وجهان:
أحدهما: أن أعمال المؤمن تتصور في صورة حسنة، وأعمال الكافر تتصور في صورة قبيحة فتوزن تلك الصورة كما ذكره ابن عباس.
والثاني: أن الوزن يعود إلى الصحف التي فيها أعمال العباد مكتوبة، وسئل رسول الله - ﷺ - عما يوزن (٣) يوم القيامة، فقال: "الصحف" (٤).
هذا الذي ذكرنا مذهب عامة المفسرين (٥) وأهل العلم في هذه الآية، وكان مجاهد والضحاك والأعمش (٦) يفسرون الوزن والميزان: (العدل

(١) ذكره السمرقندي في "تفسيره" ١/ ٥٣١ والثعلبي ١٨٧ ب، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٥٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٣١٥، وابن الجوزي ٣/ ١٧١، والرازي ١٤/ ٢٤، والقرطبي ٧/ ١٦٦، وغيرهم، وذكره السيوطي في "الدر" ٨/ ١٢٩، ١٣٠، وقال: (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وأخرجه أبو الشيخ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس) اهـ.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠.
(٣) في (ب): (ما يوزن).
(٤) لم أقف عيه.
(٥) قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢٢٦: (يمكن الجمع بين الآثار الواردة في ذلك بأن يكون ذلك كله صحيح فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم). وانظر: "فتح الباري" ١٣/ ٥٣٧ - ٥٤٠.
(٦) ذكره الرازي في "تفسيره" ٨/ ٢٥، والقرطبي ٧/ ١٦٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٧٠ عن الأعمش.

صفحة رقم 24

والقضاء) ويذهبون إلى أن هذا تمثيل وتحقيق للقسط والعدل يومئذٍ، فقال مجاهد: (﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ والقضاء (١) يومئذٍ العدل) (٢).
وروى جويبر (٣) عن الضحاك (أن الميزان العدل) (٤). فعلى مذهب هؤلاء: الوزن والميزان عبارة عن العدل كما تقول: هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه أي: أنه يعادله ويساويه وليس هناك وزن في الحقيقة، وقد قال الشاعر:

قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لقائِكُمُ ذا مِرَّةٍ عِنْدى لكلِّ مُخَاصِمٍ ميزانُه (٥)
أراد: عندي لكل مخاصم كلام يُعادل كلامه؛ فجعل الوزن مثلًا للعدل، والميزان مثلا للكتاب الذي فيه أعمال العباد من حيث أنه لا يزيد (٦) فيه ولا يكذب ويخبر بما له وما عليه، فكنى عن الكتب بالموازين، وجعل ما يكثر في الكتاب من الحسنات بمنزلة ما يثقل في الميزان.
قال أبو إسحاق: (وهذا كله في باب اللغة والاحتجاج سائغ (٧)،
(١) لفظ: (الواو) ساقطة من (ب).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٢٢، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٤٠ بسند جيد.
(٣) جويبر -تصغير جابر-: جويبر بن سعيد الأزدي. ضعيف، تقدمت ترجمته.
(٤) ذكره الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣١٩، والأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٦، والرازي في "تفسيره" ٨/ ٢٥، والقرطبي ٧/ ١٦٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٧٠.
(٥) لم أهتد إلى قائله، وهو في تفسير ابن الجوزي ٣/ ١٧٠، والرازي ١٤/ ٢٥، و"اللسان" ٨/ ٤٨٢٩ (وزن).
(٦) في (أ): (لا تزيد فيه ولا تكذب).
(٧) في (ب): (شائع) وقال القرطبي في "التذكرة" ص ٣٦٤: (وهذا القول مجاز وليس بشيء وإن كان شائعًا في اللغة للسنة الثابتة في الميزان الحقيقي ووصفه بكفتين ولسان وإن كل كفة منهما طباق السموات والأرض) اهـ. وقال أيضًا في "تفسيره" ٧/ ١٦٥: (قد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير =

صفحة رقم 25

والأولى من هذا (١) أن يتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان) (٢).
وقال ابن الأنباري: (والقول الأول هو اختيارنا لتتابع الأخبار به واتفاق أكثر أهل العلم عليه ولشهادة ظاهر القرآن له، قال: وإنما جمع الله تعالى فقال: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ ولم يقل: ميزانه من أجل أن العرب توقع الجمع على الواحد فيقولون: خرج إلى البصرة في السفن، وخرج إلى مكة على البغال. قال: ويجوز أن يكون جمع الميزان إذ (٣) كانت ﴿مَنْ﴾ في معنى (٤) جمع فصرف الكلام إلى معنى ﴿مَنْ﴾ يدل على صحة هذا قوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ بالجمع تغليبًا لمعنى ﴿مَنْ﴾ على لفظه) (٥).
وقال غيره: (الموازين هاهنا جمع موزون لا جمع ميزان وأراد بالموازين الأعمال الموزونة) (٦).

= تأويل، وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصًا) اهـ. ونحوه ذكر ابن عطية في "تفسيره" ٥/ ٤٣٢، والشوكاني ٢/ ٢٧٧، وصديق خان ٤/ ٣٠٥، والقاسمي ٧/ ٢٦١٧.
(١) في (ب): (والأولى أن يتبع من هذا).
(٢) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣١٩.
(٣) في (ب): (إذا).
(٤) في (ب): (موضع).
(٥) ذكره بدون نسبة الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٥٨، وذكره الرازي في "تفسيره" ١٤/ ٢٦ عن الزجاج، وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٧٣، و"تفسير الطبري" ٨/ ١٢٣.
(٦) انظر: "تفسير البغوي" ٣/ ٢١٦، و"الرازي" ١٤/ ٢٧، و"الدر المصون" ٥/ ٢٥٦.

صفحة رقم 26
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية