
٨ - قوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ يعني: يوم السؤال ﴿وَالْوَزْنُ﴾ ابتداء، وخبره ﴿الْحَقُّ﴾ (١) وابن عباس (٢) وعامة المفسرين (٣) على أن المراد بهذا الوزن أعمال العباد.
قال ابن الأنباري: (أكد الله به الاحتجاج على العباد وقطع به عذرهم وبين به (٤) لهم عدله وأنه لا يظلم أحدًا) (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ ورد الخبر (أن الله تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة فتوزن (٦) به أعمال العباد خيرها وشرها) (٧).
قال ابن عباس: (يوزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل (٨)
(٢) يأتي تخريجه فيما بعد.
(٣) ذكره مثله الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٥٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٢١٤، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٨٠/ ١٢٢، عن عمرو بن دينار والسدي.
(٤) لفظ: (به) ساقطة من (ب).
(٥) لم أقف عليه: وقال ابن الجوزي في زاد المسير ٣/ ١٧١ (في الميزان خمسة حكم - أحدها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، والثانية: إظهار علامة السعادة والشقاوة في الآخرة، والثالثة: تعريف العباد ما لهم من خير وشر، والرابعة: إقامة "الحجة" عليهم، والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم) اهـ.
(٦) في (ب): (فيوزن) بالياء.
(٧) لم أقف عليه بهذا اللفظ وهو مشهور من قول ابن عباس، وسيأتي تخريجه. وقال الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣١٩: (الأولى من هذا أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كفتان من حيث ينقل أهل الثقة فينبغي أن يقبل ذلك) اهـ.
(٨) في (ب): (فيثقل) بالياء.

حسناته على سيئاته، فذلك قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الناجون، قال: وهذا كما قال في سورة الأنبياء: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾) (١) [الأنبياء: ٤٧].
وقال مقاتل: (﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ وزن الأعمال يومئذ العدل ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ من المؤمنين وزن ذرة على سيئاته ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾) (٢). فأما كيفية وزن الأعمال فله وجهان:
أحدهما: أن أعمال المؤمن تتصور في صورة حسنة، وأعمال الكافر تتصور في صورة قبيحة فتوزن تلك الصورة كما ذكره ابن عباس.
والثاني: أن الوزن يعود إلى الصحف التي فيها أعمال العباد مكتوبة، وسئل رسول الله - ﷺ - عما يوزن (٣) يوم القيامة، فقال: "الصحف" (٤).
هذا الذي ذكرنا مذهب عامة المفسرين (٥) وأهل العلم في هذه الآية، وكان مجاهد والضحاك والأعمش (٦) يفسرون الوزن والميزان: (العدل
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠.
(٣) في (ب): (ما يوزن).
(٤) لم أقف عيه.
(٥) قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢٢٦: (يمكن الجمع بين الآثار الواردة في ذلك بأن يكون ذلك كله صحيح فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم). وانظر: "فتح الباري" ١٣/ ٥٣٧ - ٥٤٠.
(٦) ذكره الرازي في "تفسيره" ٨/ ٢٥، والقرطبي ٧/ ١٦٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٧٠ عن الأعمش.

والقضاء) ويذهبون إلى أن هذا تمثيل وتحقيق للقسط والعدل يومئذٍ، فقال مجاهد: (﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ والقضاء (١) يومئذٍ العدل) (٢).
وروى جويبر (٣) عن الضحاك (أن الميزان العدل) (٤). فعلى مذهب هؤلاء: الوزن والميزان عبارة عن العدل كما تقول: هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه أي: أنه يعادله ويساويه وليس هناك وزن في الحقيقة، وقد قال الشاعر:
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لقائِكُمُ ذا مِرَّةٍ | عِنْدى لكلِّ مُخَاصِمٍ ميزانُه (٥) |
قال أبو إسحاق: (وهذا كله في باب اللغة والاحتجاج سائغ (٧)،
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٨/ ١٢٢، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٤٠ بسند جيد.
(٣) جويبر -تصغير جابر-: جويبر بن سعيد الأزدي. ضعيف، تقدمت ترجمته.
(٤) ذكره الزجاج في "معانيه" ٢/ ٣١٩، والأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٦، والرازي في "تفسيره" ٨/ ٢٥، والقرطبي ٧/ ١٦٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٧٠.
(٥) لم أهتد إلى قائله، وهو في تفسير ابن الجوزي ٣/ ١٧٠، والرازي ١٤/ ٢٥، و"اللسان" ٨/ ٤٨٢٩ (وزن).
(٦) في (أ): (لا تزيد فيه ولا تكذب).
(٧) في (ب): (شائع) وقال القرطبي في "التذكرة" ص ٣٦٤: (وهذا القول مجاز وليس بشيء وإن كان شائعًا في اللغة للسنة الثابتة في الميزان الحقيقي ووصفه بكفتين ولسان وإن كل كفة منهما طباق السموات والأرض) اهـ. وقال أيضًا في "تفسيره" ٧/ ١٦٥: (قد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير =

والأولى من هذا (١) أن يتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان) (٢).
وقال ابن الأنباري: (والقول الأول هو اختيارنا لتتابع الأخبار به واتفاق أكثر أهل العلم عليه ولشهادة ظاهر القرآن له، قال: وإنما جمع الله تعالى فقال: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ ولم يقل: ميزانه من أجل أن العرب توقع الجمع على الواحد فيقولون: خرج إلى البصرة في السفن، وخرج إلى مكة على البغال. قال: ويجوز أن يكون جمع الميزان إذ (٣) كانت ﴿مَنْ﴾ في معنى (٤) جمع فصرف الكلام إلى معنى ﴿مَنْ﴾ يدل على صحة هذا قوله: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ بالجمع تغليبًا لمعنى ﴿مَنْ﴾ على لفظه) (٥).
وقال غيره: (الموازين هاهنا جمع موزون لا جمع ميزان وأراد بالموازين الأعمال الموزونة) (٦).
(١) في (ب): (والأولى أن يتبع من هذا).
(٢) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٣١٩.
(٣) في (ب): (إذا).
(٤) في (ب): (موضع).
(٥) ذكره بدون نسبة الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٥٨، وذكره الرازي في "تفسيره" ١٤/ ٢٦ عن الزجاج، وانظر: "معاني الفراء" ١/ ٣٧٣، و"تفسير الطبري" ٨/ ١٢٣.
(٦) انظر: "تفسير البغوي" ٣/ ٢١٦، و"الرازي" ١٤/ ٢٧، و"الدر المصون" ٥/ ٢٥٦.