آيات من القرآن الكريم

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

عَذَابُنَا، ﴿بَيَاتًا﴾ لَيْلًا ﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ مِنَ الْقَيْلُولَةِ، تَقْدِيرُهُ: فَجَاءَهَا بَأْسُنَا لَيْلًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوْ نَهَارًا وَهُمْ قَائِلُونَ، أَيْ نَائِمُونَ ظَهِيرَةً، وَالْقَيْلُولَةُ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُمْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا وَهُمْ غَيْرُ مُتَوَقِّعِينَ لَهُ إِمَّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَ"أَوْ" لِتَصْرِيفِ الْعَذَابِ، مَرَّةً لَيْلًا وَمَرَّةً نَهَارًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى مَنْ أَهْلَكْنَاهُمْ لَيْلًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَهْلَكْنَاهُمْ نَهَارًا.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا؟ فَكَيْفَ يَكُونُ مَجِيءُ الْبَأْسِ بَعْدَ الْهَلَاكِ؟ قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: "أَهْلَكْنَا" أَيْ: حَكَمْنَا بِإِهْلَاكِهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا. وَقِيلَ: فَجَاءَهَا بَأْسُنَا هُوَ بَيَانُ قَوْلِهِ "أَهْلَكْنَاهَا" مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَعْطَيْتَنِي فَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَحْسَنْتَ إِلَيَّ فَأَعْطَيْتَنِي، فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا بَدَلًا مِنَ الْآخَرِ.
﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (٧) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) ﴾
﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ﴾ أَيْ: قَوْلُهُمْ وَدُعَاؤُهُمْ وَتَضَرُّعُهُمْ، وَالدَّعْوَى تَكُونُ بِمَعْنَى الِادِّعَاءِ وَبِمَعْنَى الدُّعَاءِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ الْعَرَبُ اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دَعْوَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ فِي دُعَائِهِمْ، ﴿إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا﴾ عَذَابُنَا، ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ مَعْنَاهُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى رَدِّ الْعَذَابِ، وَكَانَ حَاصِلَ أَمْرِهِمُ الِاعْتِرَافُ بِالْجِنَايَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُ الِاعْتِرَافُ.
﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي: الْأُمَمَ عَنْ إِجَابَتِهِمُ الرُّسُلَ، وَهَذَا سُؤَالُ تَوْبِيخٍ لَا سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ، يَعْنِي: لَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا عَمِلُوا فِيمَا بَلَّغَتْهُمُ الرُّسُلُ، ﴿وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ عَنِ الْإِبْلَاغِ.
﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ﴾ أَيْ: لَنُخْبِرَنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَنْطِقُ عَلَيْهِمْ كِتَابُ أَعْمَالِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ). (الْجَاثِيَةِ، ٢٩)، ﴿وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾ عَنِ الرُّسُلِ فِيمَا بَلَّغُوا، وَعَنِ الْأُمَمِ فِيمَا أَجَابُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ يَعْنِي: يَوْمَ السُّؤَالِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ وَالْقَضَاءُ يَوْمَئِذٍ الْعَدْلُ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: أَرَادَ بِهِ وَزْنَ الْأَعْمَالِ بِالْمِيزَانِ، وَذَاكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْصِبُ مِيزَانًا لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ كُلُّ كِفَّةٍ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.

صفحة رقم 214
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية