
من عذاب الله ونقمته، استعجالا منهم للعذاب= (إن كنت من المرسلين)، يقول: إن كنت لله رسولا إلينا، فإن الله ينصر رسله على أعدائه، فعجَّل ذلك لهم كما استعجلوه، يقول جل ثناؤه: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين).
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود = (الرجفة)، وهي الصيحة.
* * *
و"الرجفة"،"الفعلة"، من قول القائل:"رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا"، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:
إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْبُ مِنْ كِبَرٍ | كَالنَّسْرِ أَرْجُفُ، وَالإنْسَانُ مَهْدُودُ (١) |
وَقَدْ يَكُونُ الصِّبَى مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ | يَوْمًا، وتَقْتَادُنِي الهِيفُ الرَّعَادِيدُ |
يَا قَلَّ خَيْرُ الغَوَانِي، كيف رُغْنَ بِهِ | فَشُرْبُهُ وَشَلٌ فِيهِنَّ تَصْرِيدُ |
أَعْرَضْنَ مِنْ شَمَطٍ في الرَّأْسِ لاحَ بِهِ | فَهُنّ مِنْهُ، إِذَا أَبْصَرْنَهُ، حِيدُ |
قَدْ كُنَّ يَعْهَدْنَ مِنِّي مَضْحَكًا حَسَنًا | وَمَفْرِقًا حَسَرَتْ عَنْهُ العَنَاقِيدُ |
فَهُنَّ يَشْدُونَ مِنِّي بَعْضَ مَعْرِفَةٍ، | وَهُنَّ بالوُدِّ، لا بُخْلٌ ولا جُودُ |
قَدْ كَانَ عَهْدِي جَدِيدًا، فَاسْتُبِدَّ بِهِ، | وَالعَهْدُ مُتَّبَعٌ مَا فِيهِ، مَنشُودُ |
لا أَنْتَ بَعْلٌ يُسْتَقَادُ لَهُ، | وَلا الشَّبَابُ الَّذِي قَدْ فَاتَ مَرْدُودُ |
هَلْ لِلشَّبَابِ الذي قَدْ فَاتَ مرْدُودُ ؟ | أَمْ هَلْ دَوَاءٌ يَرُدُّ الشِّيبَ مَوْجُودُ ؟ |
لَنْ يَرْجِعَ الشِّيبُ شُبَّانًا، وَلَنْ يَجِدُوا | عِدْلَ الشَّبَابِ، مَا أَوْرَقَ العُودُ |
إِنَّ الشَّبَابَ لَمَحْمُودٌ بَشَاشَتُهُ | والشَّيْبُ مُنْصَرفٌ عَنْهُ وَمَصْدُودُ |

وإنما عنى بـ"الرجفة"، ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة، فيما ذكر أهل العلم.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٤٨٢٨-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:"الرجفة"، قال: الصيحة.
١٤٨٢٩-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٤٨٣٠-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فأخذتهم الرجفة)، وهي الصيحة.
١٤٨٣١-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: (فأخذتهم الرجفة)، قال: الصيحة.
* * *
وقوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين)، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود= (في دارهم)، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.
* * *
ولذلك وحَّد"الدار" ولم يجمعها فيقول" في دورهم"= وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر: ١-٢].
* * *