يَعْنِي: قَالَ الْكُفَّارُ لِلْمُؤْمِنِينَ، ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ إِلَيْكُمْ، ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) ﴾
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ جَاحِدُونَ.
﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعَقْرُ هُوَ قَطْعُ عُرْقُوبِ الْبَعِيرِ، ثُمَّ جَعَلَ النَّحْرَ عَقْرًا لِأَنَّ نَاحِرَ الْبَعِيرِ يَعْقِرُهُ ثُمَّ يَنْحَرُهُ، ﴿وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ وَالْعُتُوُّ الْغُلُوُّ فِي الْبَاطِلِ، يُقَالُ: عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا: إِذَا اسْتَكْبَرُوا، وَالْمَعْنَى: عَصَوُا اللَّهَ وَتَرَكُوا أَمْرَهُ فِي النَّاقَةِ وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ. ﴿وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ أَيْ: مِنَ الْعَذَابِ، ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ وَهِيَ زَلْزَلَةُ الْأَرْضِ وَحَرَكَتُهَا وَأَهْلَكُوا بِالصَّيْحَةِ وَالرَّجْفَةِ، ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ﴾ قِيلَ: أَرَادَ الدِّيَارَ. وَقِيلَ: أَرَادَ فِي أَرْضِهِمْ وَبَلْدَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ وَحَّدَ الدَّارَ، ﴿جَاثِمِينَ﴾ خَامِدَيْنِ مَيِّتِينِ. قِيلَ: سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ مَوْتَى عَنْ آخِرِهِمْ.
﴿فَتَوَلَّى﴾ أَعْرَضَ صَالِحٌ، ﴿عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ بَعْدَمَا هَلَكُوا بِالرَّجْفَةِ؟
قِيلَ: كَمَا خَاطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُفَّارَ مِنْ قَتْلَى بَدْرٍ حِينَ أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ["وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ"] (١) مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ" (٢).
(٢) قطعة من حديث أنس بن مالك، أخرجه البخاري في المغازي، باب قتل أبي جهل: ٧ / ٣٠٠-٣٠١. وأخرج أيضا في الموضع نفسه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قليب بدر، فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول" فذُكِر لعائشة فقالت: إنما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت: "إنك لا تسمع الموتى" حتى قرأت الآية. فكان هذا مما استدركته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على ابن عمر رضي الله عنهما وأنه وهم في قوله "ليسمعون"، وإنما هو بلفظ "إنهم ليعلمون". قال البيهقي: العلم لا يمنع من السماع. والجواب عن الآية: أنه لا يُسْمِعُهم وهم موتى. ولكن الله أحياهم حتى سمعوا، كما قال قتادة. ولم ينفرد عمر ولا ابنه - رضي الله عنهما - بحكاية ذلك، بل وافقهما: أبو طلحة، وللطبراني من حديث ابن مسعود مثله بإسناد صحيح، ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه، وفيه: "قالوا يا رسول الله وهل يسمعون"؟ قال: "يسمعون كما تسمعون، ولكن لا يجيبون"، وفي حديث ابن مسعود: "ولكنهم اليوم لا يجيبون". ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" وأخرجه أحمد بإسناد حسن، فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار، لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة، لكونها لم تشهد القصة. انظر بالتفصيل: فتح الباري: ٧ / ٣٠٣-٣٠٤، الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي: ص (٩٩-١٠٠)، الروض الأنف للسهيلي: ٢ / ٧٤.
وَقِيلَ: خَاطَبَهُمْ لِيَكُونَ عِبْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُمْ.
وَقِيلَ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهَا: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ، وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أبلغتكم رسالة ١٣٢/ب رَبِّي فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ.
وَكَانَ قِصَّةُ ثَمُودٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَوَهْبٌ وغيرهما: أن عاد لَمَّا هَلَكَتْ وَانْقَضَى أَمْرُهَا عَمَّرَتْ ثَمُودُ بَعْدَهَا، وَاسْتُخْلِفُوا فِي الْأَرْضِ فَدَخَلُوا فِيهَا وَكَثُرُوا وَعَمَّرُوا، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَبْنِي الْمَسْكَنَ مِنَ الْمَدَرِ فَيَنْهَدِمُ وَالرَّجُلُ حَيٌّ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اتَّخَذُوا مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا، وَكَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ مَعَاشِهِمْ فَعَثَوْا وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ وَعَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ صَالِحًا وَكَانُوا قَوْمًا عَرَبًا، وَكَانَ صَالِحٌ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا وَأَفْضَلِهِمْ حَسَبًا وَمَوْضِعًا، فَبَعَثَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ غُلَامًا شَابًّا، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ حَتَّى شَمِطَ وَكَبِرَ لَا يَتْبَعُهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ، فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِمْ صَالِحٌ بِالدُّعَاءِ وَالتَّبْلِيغِ وَأَكْثَرَ لَهُمُ التَّحْذِيرَ وَالتَّخْوِيفَ سَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً تَكُونُ مِصْدَاقًا لِمَا يَقُولُ، فَقَالَ لَهُمْ: أَيَّ آيَةٍ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: تَخْرُجُ مَعَنَا غَدًا إِلَى عِيدِنَا، وَكَانَ لَهُمْ عِيدٌ يَخْرُجُونَ فِيهِ بِأَصْنَامِهِمْ فِي يَوْمٍ مَعْلُومٍ مِنَ السَّنَةِ فَتَدْعُو إِلَهَكَ وَنَدْعُو آلِهَتَنَا، فَإِنِ اسْتُجِيبَ لَكَ اتَّبَعْنَاكَ وَإِنِ اسْتُجِيبَ لَنَا اتَّبَعْتَنَا، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: نَعَمْ، فَخَرَجُوا بِأَوْثَانِهِمْ إِلَى عِيدِهِمْ، وَخَرَجَ صَالِحٌ مَعَهُمْ فَدَعَوْا أَوْثَانَهُمْ، وَسَأَلُوهَا أَنْ لَا يُسْتَجَابُ لِصَالِحٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدْعُو بِهِ، ثُمَّ قَالَ جُنْدَعُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَوَّاسٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ ثَمُودَ: يَا صَالِحُ أَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ -لِصَخْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْحِجْرِ يُقَالُ لَهَا الْكَاثِبَةُ -نَاقَةً مُخْتَرِجَةٍ جَوْفَاءَ وَبْرَاءَ عُشَرَاءَ
-وَالْمُخْتَرِجَةُ مَا شَاكَلَ الْبُخْتَ مِنَ الْإِبِلِ -، فَإِنْ فَعَلْتَ صَدَّقْنَاكَ وَآمَنَّا بِكَ، فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ صَالِحٌ مَوَاثِيقَهُمْ لَئِنْ فَعَلْتُ لَتُصَدِّقُنِّي وَلَتُؤْمِنُنَّ بِي، قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى صَالِحٌ رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا رَبَّهُ فَتَمَخَّضَتِ الصَّخْرَةُ تَمَخُّضَ النَّتُوجِ بِوَلَدِهَا، ثُمَّ تَحَرَّكَتِ الْهَضْبَةُ فَانْصَدَعَتْ عَنْ نَاقَةٍ عُشَرَاءَ جَوْفَاءَ وَبْرَاءَ كَمَا وَصَفُوا لَا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ جَنْبَيْهَا عِظَمًا إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ يَنْظُرُونَ ثُمَّ نَتَجَتْ سَقْيًا مِثْلَهَا فِي الْعِظَمِ، فَآمَنَ بِهِ جُنْدَعُ بْنُ عَمْرٍو وَرَهْطٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَرَادَ أَشْرَافُ ثَمُودَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَيُصَدِّقُوهُ فَنَهَاهُمْ ذُؤَابُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لَبِيدٍ وَالْحُبَابُ صَاحِبُ أَوْثَانِهِمْ وَرَبَابُ بْنُ صَمْغَرَ وَكَانَ كَاهِنَهُمْ وَكَانُوا مِنْ أَشْرَافِ ثَمُودَ.
فَلَمَّا خَرَجَتِ النَّاقَةُ قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ، لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، فَمَكَثَتِ النَّاقَةُ وَمَعَهَا سَقْيُهَا فِي أَرْضِ ثَمُودَ، تَرْعَى الشَّجَرَ وَتَشْرَبُ الْمَاءَ، فَكَانَتْ تَرِدُ الْمَاءَ غِبًّا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُهَا وَضَعَتْ رَأْسَهَا فِي بِئْرٍ فِي الْحِجْرِ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ النَّاقَةِ فَمَا تَرْفَعُ رَأْسَهَا حَتَّى تَشْرَبَ كُلَّ مَاءٍ فِيهَا، فَلَا تَدَعُ قَطْرَةً، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَهَا فَتَنْفَشِخُ حَتَّى تَفْحَجَ لَهُمْ فَيَحْلِبُونَ مَا شَاءُوا مِنْ لَبَنٍ، فَيَشْرَبُونَ وَيَدَّخِرُونَ، حَتَّى +يَمْلَئُوا أَوَانِيَهِمْ كُلَّهَا ثُمَّ تَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْفَجِّ الَّذِي وَرَدَتْ مِنْهُ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَصْدُرَ مِنْ حَيْثُ تَرِدُ، يَضِيقُ عَنْهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ كَانَ يَوْمُهُمْ فَيَشْرَبُونَ مَا شَاءُوا مِنَ الْمَاءِ وَيَدَّخِرُونَ مَا شَاءُوا لِيَوْمِ النَّاقَةِ، فَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ وَدَعَةٍ، وَكَانَتِ النَّاقَةُ تُصَيِّفُ إِذَا كَانَ الْحُرُّ بِظَهْرِ الْوَادِي، فَتَهْرُبُ مِنْهَا الْمَوَاشِي، أَغْنَامُهُمْ وَبَقْرُهُمْ وَإِبِلُهُمْ، فَتَهْبِطُ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي فِي حَرِّهِ وَجَدْبِهِ، وَتَشْتُو بِبَطْنِ الْوَادِي إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ، فَتَهْرُبُ مَوَاشِيهِمْ إِلَى [ظَهْرِ] (١) الْوَادِي فِي الْبَرْدِ وَالْجَدَبِ فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِمَوَاشِيهِمْ لِلْبَلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَعَتَوَا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَحَمَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى عَقْرِ النَّاقَةِ، فَأَجْمَعُوا عَلَى عَقْرِهَا.
وَكَانَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ ثَمُودَ إِحْدَاهُمَا يُقَالُ لَهَا عُنَيْزَةُ بِنْتُ غَنْمِ بْنِ مِجْلِزِ تُكَنَّى بِأُمِّ غَنْمٍ، وَكَانَتِ امْرَأَةَ ذُؤَابِ بْنِ عَمْرٍو وَكَانَتْ عَجُوزًا مُسِنَّةً، وَكَانَتْ ذَاتَ بَنَاتٍ حِسَانٍ وَذَاتَ مَالٍ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَامْرَأَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا صُدُوفُ بِنْتُ الْمَحْيَا وَكَانَتْ جَمِيلَةً غَنِيَّةً ذَاتَ مواشي كَثِيرَةٍ، وَكَانَتَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِصَالِحٍ وَكَانَتَا تُحِبَّانِ عَقْرَ النَّاقَةِ [لِمَا أَضَرَّتْ] (٢) بِهِمَا مِنْ مَوَاشِيهِمَا فَتَحَيَّلَتَا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ فَدَعَتْ صَدُوفُ رَجُلًا مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهُ الْحُبَابُ لِعَقْرِ النَّاقَةِ، وَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا إِنْ هُوَ فَعَلَ فَأَبَى عَلَيْهَا فَدَعَتِ ابْنَ عَمٍّ لَهَا يُقَالُ لَهُ مُصَدَّعُ بْنُ مُهَرِّجِ بْنِ الْمَحْيَا، وَجَعَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا عَلَى أَنْ يَعْقِرَ النَّاقَةَ وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَأَكْثَرِهِمْ مَالًا فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ وَدَعَتْ عُنَيْزَةُ بِنْتُ غَنْمٍ قِدَارَ بْنَ سَالِفٍ، وَكَانَ رَجُلًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ قَصِيرًا، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ لِزَانِيَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِسَالِفٍ، وَلَكِنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ سَالِفٍ، فَقَالَتْ: أُعْطِيكَ أَيَّ
(٢) ساقط من "أ".
بَنَاتِي شِئْتَ عَلَى أَنْ تَعْقِرَ النَّاقَةَ، وَكَانَ قِدَارٌ عَزِيزًا مَنِيعًا فِي قَوْمِهِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وَهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) (الشَّمْسُ-١٢)، انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي قَوْمِهِ مِثْلَ أَبِي زَمْعَةَ (١).
رَجَعْنَا إِلَى الْقِصَّةِ، قَالُوا: فَانْطَلَقَ قِدَارُ بْنُ سَالِفٍ وَمُصَدَّعُ بْنُ مُهَرِّجٍ فَاسْتَغْوَيَا غُوَاةَ ثَمُودَ فَاتَّبَعَهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ فَكَانُوا تِسْعَةَ رَهْطٍ، فَانْطَلَقَ قِدَارٌ وَصَدْعٌ وَأَصْحَابُهُمَا فَرَصَدُوا النَّاقَةَ حِينَ صَدَرَتْ عَنِ الْمَاءِ، وَقَدْ كَمَنَ لَهَا قِدَارٌ فِي أَصْلِ صَخْرَةٍ عَلَى طَرِيقِهَا، وَكَمَنَ لَهَا مُصَدَّعٌ فِي طَرِيقٍ آخَرَ فَمَرَّتْ عَلَى مُصَدَّعٍ، فَرَمَاهَا بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ بِهِ فِي عَضَلَةِ سَاقِهَا، وَخَرَجَتْ بِنْتُ غَنْمٍ عُنَيْزَةُ، وَأَمَرَتِ ابْنَتَهَا، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَسْفَرَتْ لِقِدَارٍ ثُمَّ ذَمَرَتْهُ (٢) فَشَدَّ عَلَى النَّاقَةِ بِالسَّيْفِ فَكَشَفَتْ عُرْقُوبَهَا فَخَرَّتْ وَرَغَتْ رُغَاةً وَاحِدَةً تُحَذِّرُ سَقْبَهَا (٣) ثُمَّ طَعَنَ فِي لُبَتِّهَا فَنَحَرَهَا، وَخَرَجَ أَهْلُ الْبَلْدَةِ وَاقْتَسَمُوا لَحْمَهَا وَطَبَخُوهُ، فَلَمَّا رَأَى سَقْبُهَا ذَلِكَ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى جَبَلًا مُنِيفًا يُقَالُ لَهُ: صِنْوٌ، وَقِيلَ: اسْمُهُ قَارَّةٌ، وَأَتَى صَالِحٌ فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكِ النَّاقَةَ فَقَدْ عُقِرَتْ، فَأَقْبَلَ وَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّمَا عَقَرَهَا فُلَانٌ وَلَا ذَنْبَ لَنَا، فَقَالَ صَالِحٌ: انظروا هل تدكرون فَصِيلَهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ فَعَسَى أَنْ يُرْفَعَ عَنْكُمُ الْعَذَابُ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَلَى الْجَبَلِ ذَهَبُوا لِيَأْخُذُوهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْجَبَلِ فَتَطَاوَلَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا تَنَالُهُ الطَّيْرُ.
وَجَاءَ صَالِحٌ فَلَمَّا رَآهُ الْفَصِيلُ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ رَغَا ثَلَاثًا، وَانْفَجَرَتِ الصَّخْرَةُ فَدَخَلَهَا. فَقَالَ صَالِحٌ لِكُلِّ رَغْوَةٍ أَجْلُ يَوْمٍ فَتَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: اتَّبَعَ السَّقْبَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنَ التِّسْعَةِ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ، وَفِيهِمْ مُصَدَّعُ بْنُ مُهَرِّجٍ وَأَخُوهُ ذَابُ بْنُ مُهَرِّجٍ، فَرَمَاهُ مُصَدَّعٌ بِسَهْمٍ فَانْتَظَمَ قَلْبَهُ، ثُمَّ جَرَّ بِرِجْلِهِ فَأَنْزَلَهُ، فَأَلْقَوْا لَحْمَهُ مَعَ لَحْمِ أُمِّهِ، وَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: انْتَهَكْتُمْ حُرْمَةَ اللَّهِ فَأَبْشِرُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَنِقْمَتِهِ، قَالُوا وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا صَالِحُ؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْأَيَّامَ فِيهِمْ: الْأَحَدُ أَوَّلٌ، وَالِاثْنَيْنِ أَهْوَنُ، وَالثُّلَاثَاءَ
(٢) الذمر: التحريض على القتال.
(٣) السقب: ولد الناقة ساعة يولد.
دبار والأربعاء ١٣٣/أجُبَارٌ، وَالْخَمِيسُ مُؤْنِسٌ وَالْجُمُعَةُ الْعَرُوبَةُ، وَالسَّبْتُ شِيَارٌ، وَكَانُوا عَقَرُوا النَّاقَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ حِينَ قَالُوا ذَلِكَ: تُصْبِحُونَ غَدَاةَ يَوْمِ مُؤْنِسٍ وَوُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةٌ، ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ وَوُجُوهُكُمْ مُحْمَرَّةٌ، ثُمَّ تُصْبِحُونَ يَوْمَ شِيَارٍ وَوُجُوهُكُمْ مُسْوَدَّةٌ، ثُمَّ يُصَبِّحُكُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ أَوَّلٍ.
فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ ذَلِكَ قَالَ التِّسْعَةُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ: هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ صَالِحًا فَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَجَّلْنَاهُ قَبْلَنَا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا قَدْ كُنَّا أَلْحَقْنَاهُ بِنَاقَتِهِ، فَأَتَوْهُ لَيْلًا لِيُبَيِّتُوهُ فِي أَهْلِهِ، فَدَمَغَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ، فَلَمَّا أَبْطَأُوا عَلَى أَصْحَابِهِمْ أَتَوْا مَنْزِلَ صَالِحٍ فَوَجَدُوهُمْ قَدْ رُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ، فَقَالُوا لِصَالِحٍ: أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ، ثُمَّ هَمُّوا بِهِ فَقَامَتْ عَشِيرَتُهُ دُونَهُ وَلَبِسُوا السِّلَاحَ، وَقَالُوا لَهُمْ: وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُونَهُ أَبَدًا فَقَدْ وَعَدَكُمْ أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ تَزِيدُوا رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ إِلَّا غَضَبًا وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَنْتُمْ مِنْ وَرَاءِ مَا تُرِيدُونَ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ لَيْلَتَهُمْ فَأَصْبَحُوا يَوْمَ الْخَمِيسَ وَوُجُوهُهُمْ مُصْفَرَّةٌ كَأَنَّمَا طُلِيَتْ بِالْخَلُوقِ، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، ذِكْرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، فَأَيْقَنُوا بِالْعَذَابِ وَعَرَفُوا أَنَّ صَالِحًا قَدْ صَدَقَهُمْ، فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ، وَخَرَجَ صَالِحٌ هَارِبًا مِنْهُمْ حَتَّى جَاءَ إِلَى بَطْنٍ مِنْ ثَمُودَ يُقَالُ لَهُمْ بَنِي غَنْمٍ، فَنَزَلَ عَلَى سَيِّدِهِمْ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نُفَيْلٌ وَيُكَنَّى بِأَبِي هُدْبٍ، وَهُوَ مُشْرِكٌ فَغَيَّبَهُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَغَدَوَا عَلَى أَصْحَابِ صَالِحٍ يُعَذِّبُونَهُمْ لِيَدُلُّوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ صَالِحٍ يُقَالُ لَهُ مُبْدِعُ بْنُ هَرَمٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيُعَذِّبُونَنَا لِنَدُلَّهُمْ عَلَيْكَ، أَفَنَدُلُّهُمْ؟ قَالَ: نَعِمَ، فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ، وَأَتَوْا أَبَا هُدْبٍ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: نَعِمَ عِنْدِي صَالِحٌ وَلَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، فَأَعْرَضُوا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ وَشَغَلَهُمْ عَنْهُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُخْبِرُ بَعْضًا بِمَا يَرَوْنَ فِي وُجُوهِهِمْ فَلَمَّا أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ أَلَّا قَدْ مَضَى يَوْمٌ مِنَ الْأَجَلِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الثَّانِي إِذَا وُجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةٌ كَأَنَّمَا خُضِبَتْ بِالدِّمَاءِ فَصَاحُوا وَضَجُّوا وَبَكَوْا، وَعَرَفُوا أَنَّهُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَلَّا قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مِنَ الْأَجَلِ وَحَضَرَكُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الثَّالِثَ إِذَا وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ كَأَنَّمَا طُلِيَتْ بِالْقَارِ، فَصَاحُوا جَمِيعًا: أَلَا قَدْ حَضَرَكُمُ الْعَذَابُ.
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْأَحَدِ خَرَجَ صَالِحٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ رَمَلَةَ فِلَسْطِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ تُكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا وَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ مَرَّةً وَإِلَى الْأَرْضِ مَرَّةً، لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الضُّحَى مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ أَتَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كل صاعقة، وصت كُلِّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ فِي الْأَرْضِ، فَقَطَّعَتْ قُلُوبَهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِلَّا هَلَكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ"ُ
إِلَّا جَارِيَةً مُقْعَدَةً يُقَالُ لَهَا ذَرِيعَةُ بِنْتُ سَالِفٍ، وَكَانَتْ كَافِرَةً شَدِيدَةَ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ، فَأَطْلَقَ اللَّهُ رِجْلَيْهَا بَعْدَمَا عَايَنَتِ الْعَذَابَ، فَخَرَجَتْ كَأَسْرَعِ مَا يُرَى شَيْءٌ قَطُّ حَتَّى أَتَتْ قزح، وهو واد الْقُرَى، فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا عَايَنَتْهُ مِنَ الْعَذَابِ وَمَا أَصَابَ ثَمُودَ، ثُمَّ اسْتَقَتْ مِنَ الْمَاءِ فَسُقِيَتْ فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ.
وَذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي عَقْرِ النَّاقَةِ وَجْهًا آخَرَ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ نَاقَتَكَ، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ فَقَالُوا: مَا كُنَّا نَفْعَلُ، فَقَالَ صَالِحٌ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا غُلَامٌ يَعْقِرُهَا فَيَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ، فَقَالُوا: لَا يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ إِلَّا قَتَلْنَاهُ، قَالَ: فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ، وَكَانَ لَمْ يُولَدْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنُهُ أَزْرَقَ أَحْمَرَ فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ وَرَأَوْهُ قَالُوا: لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاءً لَكَانُوا مِثْلَ هَذَا، فَغَضِبَ التِّسْعَةُ عَلَى صَالِحٍ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ، فَتَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهَّلَهُ، قَالُوا: نَخْرُجُ لِيَرَى النَّاسُ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ فَنَأْتِي الْغَارَ فَنَكُونُ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَخَرَجَ صَالِحٌ إِلَى مَسْجِدِهِ أَتَيْنَاهُ فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْغَارِ فَكُنَّا فِيهِ فَانْصَرَفْنَا إِلَى رَحْلِنَا فَقُلْنَا: مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، فَيُصَدِّقُونَنَا، يَظُنُّونَ أَنَا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ. وَكَانَ صَالِحٌ لَا يَنَامُ مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ، وَكَانَ يَبِيتُ فِي مَسْجِدٍ يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ صَالِحٍ، فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَاهُمْ فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ وَإِذَا أَمْسَى خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَاتَ فِيهِ فَانْطَلَقُوا فَدَخَلُوا الْغَارَ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمُ الْغَارُ فَقَتَلَهُمْ، فَانْطَلَقَ رِجَالٌ مِمَّنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَإِذَا هُمْ رَضْخٌ، فَرَجَعُوا يَصِيحُونَ فِي الْقَرْيَةِ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ مَا رَضِيَ صَالِحٌ أَنْ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَلَى عَقْرِ النَّاقَةِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ تَقَاسُمُ التِّسْعَةِ عَلَى تَبْيِيتِ صَالِحٍ بَعْدَ عَقْرِهِمُ النَّاقَةَ كَمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: فَلَمَّا وُلِدَ ابْنُ الْعَاشِرِ، يَعْنِي: قَذَارَ، شَبَّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ، وَشَبَّ فِي شَهْرٍ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ، فَلَمَّا كَبِرَ جَلَسَ مَعَ أُنَاسٍ يُصِيبُونَ مِنَ الشَّرَابِ، فَأَرَادُوا مَاءً يَمْزِجُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ شِرْبُ النَّاقَةِ، فَوَجَدُوا الْمَاءَ قَدْ شَرِبَتْهُ النَّاقَةُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: مَا نَصْنَعُ نَحْنُ بِاللَّبَنِ؟ لَوْ كُنَّا نَأْخُذُ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُهُ هَذِهِ النَّاقَةُ فَنَسْقِيهِ أَنْعَامَنَا وَحُرُوثَنَا كَانَ خَيْرًا لَنَا، فَقَالَ ابْنُ الْعَاشِرِ: هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أَعْقِرَهَا لَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَعَقَرُوهَا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زَكَرِيَّا ثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ