
رسالات ربي من التوحيد الخالص، والإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وما فيه من جنة ونار، وثواب وعقاب، وأبلغكم الأحكام العامة، من عبادات ومعاملات..
وأنصح لكم وأحذركم عقاب الله، وأذكركم به.
وأعلم من الله ما لا تعلمون، فوعظى لم يكن عن جهل، وأنذركم عاقبة الشرك، كل ذلك عن علم.. أكذبتم وعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم، على لسان رجل منكم؟ وذلك أنهم يتعجبون من نبوة نوح- عليه السلام- ويقولون: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، وكيف يكون الرسول بشرا! ولو شاء ربك لأنزل ملائكة؟ ومهمتى لكم أنى أحذركم عاقبة الكفر وأنذركم بين يدي عذاب شديد، لينذركم، ولتتقوا عذاب يوم عظيم.
أما هؤلاء الكفار فقد كذبوه وأصروا على تكذيبه وخالفوا أمر ربهم ولجوا في طغيانهم يعمهون، ولم يؤمن معه إلا قليل، وكان عاقبتهم أنه نجى نوحا والذين آمنوا معه برحمة منه، فركبوا في السفينة ونجوا من الغرق.
وأغرق الذين كذبوا بآيات الله، وكفروا بها، ولا غرابة في ذلك فهم قوم عمون عن الهدى والرشاد، قد طمس الله على قلوبهم وختم عليها.
فإياكم يا أمة الدعوة أن تكونوا مثلهم، حذار ثم حذرا أن تسيروا على منوالهم، وفي سورة هود تفصيل أوسع لهذه القصة.
قصة هود عليه السلام [سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٥ الى ٧٢]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)

المفردات:
أَخاهُمْ المراد: واحد من أشرافهم، كما قالوا: يا أخا العرب. فِي سَفاهَةٍ السفاهة: خفة حلم وسخافة عقل. خُلَفاءَ المراد: خلفتموهم في الأرض. آلاءَ واحدها: إلى، وهي النعمة. رِجْسٌ
: عذاب، من الارتجاس: وهو الاضطراب. وَقَعَ عَلَيْكُمْ: حق عليكم ووجب.
غَضَبٌ: انتقام. أَتُجادِلُونَنِي المجادلة: المماراة والمخاصمة. دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا: آخرهم، والمراد استئصالهم جميعا.
عاد: قبيلة كبيرة كانت تسكن الأحقاف: (الرمل) فيما بين عمان إلى حضر موت باليمن وكانت لهم أصنام يعبدونها، وكانوا ذوى قوة وشدة، قالوا مَنْ

أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
؟ وقد بعث الله إليهم هودا، وكان من أوسطهم نسبا، وأشرفهم حسبا، وقد دعاهم إلى عبادة الله، فكفروا وعصوا وأفسدوا في الأرض، فأمسك الله عنهم القطر، وأرسل إليهم ريحا فيها عذاب أليم. تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ [سورة الأحقاف آية ٢٥].
المعنى:
وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا، وهو واحد من أنفسهم! ليفهموه، ويفهم منهم، ويعرفوا شمائله وأخلاقه، فيكون ذلك أقرب إلى تصديقه.
ماذا قال لهم؟ قال: يا قوم اعبدوا الله وحده، لا تعبدوا غيره، فما لكم من إله غيره، أعميتم فلا تتقون ربكم؟ وتبتعدون عما يسخطه من الشرك والمعاصي، ولعله قال في مرة أخرى: أَفَلا تَعْقِلُونَ؟ كما في سورة هود.
وماذا قالوا له؟ قال الملأ الذين كفروا من قومه خاصة: إنا لنراك في سفاهة وحماقة، خفة وسخافة عقل حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر، مهما كان ذلك الدين، عجبا لهم!! حيث جعلوا السفاهة ظرفا له للإشارة إلى تمكنه فيها، كما قال قوم نوح: إنا لنراك في ضلال مبين، وقالوا له: إنا لنظنك ونعلم أنك واحد من الكاذبين الذين يكذبون على الله!! ماذا أجابهم هود؟ قال: يا قومي ويا أهلى، ليس بي سفاهة ولا حماقة، حيث دعوتكم إلى دين التوحيد الخالص، والعبادة الصادقة، ولكني رسول من رب العالمين، قد اختارني الله لأداء هذه المهمة واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام ١٢٤] وفي إجابته- عليه السلام- لهم، حيث نفى عن نفسه السفاهة فقط ولم ينسبها لهم- مع أنهم أضل الناس، وأسفه الناس، بل وأحقر الناس- أدب حسن، وخلق عظيم، صنعه الله على عينه، ليكون مثلا أعلى يحتذيه عباده الصالحون، يا قوم أنا رسول رب العالمين، مهمتى أبلغكم رسالات ربي، في التكاليف وأمور الدين، وأنا لكم ناصح أمين كما عرفتموني من قبل، ما كذبتكم في شيء فكيف أكذب على الله؟

أكذبتم وعجبتم لأن جاءكم ذكر من ربكم ووعظ على لسان رجل منكم لينذركم بأسه ويخوفكم عقابه؟! واذكروا فضل الله عليكم ونعمه، إذ جعلكم ورثة نوح، وزادكم بسطة في أجسامكم، وقوة في أبدانكم-
روى أنهم كانوا طوالا أقوياء- اذكروا هذا واتقوا الله واحذروا أن يقع عليكم العذاب، مثل ما وقع على قوم نوح فأهلكهم.
فاذكروا نعمة الله واشكروه واعبدوه وحده، واهجروا الأوثان والأصنام لعلكم تفلحون.
ماذا ردوا عليه؟ قالوا: أجئتنا لأجل أن نعبد الله وحده ونترك ما كان يعبد آباؤنا؟
إن هذا لشيء عجاب!! فجئنا بما تعدنا من العذاب- فنحن مستعجلون- إن كنت من الصادقين في دعواك، وهذا منتهى الغرور، فأجابهم هود بقوله:
قد قضى عليكم ربكم بعذاب شديد، وقد كان عذابهم ريحا صرصرا (شديدة الصوت) عاتية تنزع الناس وترميهم صرعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ «١».
عجبا لكم!! أتخاصمونني في أشماء لا مسميات لها ولا حقائق، وضعتموها أنتم وآباؤكم، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا حجة لكم فيها ولا برهان، وتتركون عبادة الرحيم الرحمن؟
وإذا سرتم على هذا المنوال ولم تغيروا طريقكم فانتظروا عذابا من الله شديدا إنى معكم من المنتظرين، وقد نزل بهم كما مر، ونجاه الله والذين معه برحمة منه، واستأصل الكافرين وقطع دابرهم: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ.