اللهم اجعلنا ممن قبل دعوتك ودخل جنتك وَإِلى عادٍ اى وأرسلنا الى عاد وهم قوم من اهل اليمن وكان اسم ملكهم عادا فنسبوا اليه وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح أَخاهُمْ اى واحدا منهم فى النسب لا فى الدين كقولهم يا أخا العرب هُوداً عطف بيان لأخاهم وهو هود بن عبد الله بن رياح بن خلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وانما جعل الرسول من تلك القبيلة لانهم أفهم لكلامه واعرف بحاله فى صدقه وأمانته واقرب الى اتباعه قالَ استئناف وفى التفسير الفارسي [قبيله عاد مردم تن آور وبلند بالا بودند واز ايشان در تمام روى زمين در ان زمان قبيله عظيمه نبود ومردم بسيار بودند ومال فراوان داشتند وعمر در پرستش بت مى كذرانيدند حق سبحانه وتعالى هود را بديشان فرستاد پس هود بميان قبيله آمد وايشانرا بحق دعوت كرد] قال يا قَوْمِ (اى قوم من) اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ غيره بالرفع صفة لا له باعتبار محله وهو الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ ولكم خبره أَفَلا تَتَّقُونَ الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى ألا تتفكرون فلا تتقون عذاب الله تعالى قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ استئناف كما مر وانما وصف الملأ بالكفر إذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد وكتم إيمانه ولم يظهر الا عند مجيىء وقد عاد الى مكة يستغيثون كما سيجيئ قال
عصت عاد رسولهمو فأمسوا
عطاشا ما تبلهم السماء
لهم صنم يقال له صمود
يقابله صداء والبهاء
فبصرنا الرسول سبيل رشد
فأبصرنا الهدى وجلى العماء
وان اله هود هو الهى
على الله التوكل والرجاء
والملأ اشراف القوم وهو فى الأصل بمعنى الجماعة إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ اى متمكنا فى خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك. والسفاهة فى اللغة خفة الحلم والرأى وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ اى فيما ادعيت من الرسالة وفيه اشارة الى ان قلوب قوم هود وسخة خبيثة كقلوب قوم نوح لم يخرج منها الخبث الا نكدا فلما أراد هود عليه السلام ان يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة ولم تكن صالحة وقلما خرج منها إلا نبت التسفيه والتكذيب سلكوا طريق سلفهم وإخوانهم وصنعوا مثل حالتهم: وفى المثنوى
در زمين كر نى شكر ور خود نى است
باز كويد با تو انواع نبات
زانكه خاك اين زمين بإثبات
ترجمان هر زمين نبت وى است
قالَ اى هود عليه السلام سالكا طريق حسن المجادلة مع ما سمع منهم من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء وهكذا ينبغى لكل ناصح يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ اى شىء منها ولا شائبة من شوائبها والباء للملابسة او للظرفية وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ اى لكنى فى غاية الرشد والصدق لانى رسول رب العالمين فالاستدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه فى
صفحة رقم 185
الغاية القصوى من الرشد والصدق. والرشد هو الاهتداء لمصالح الدين والدنيا وهو انما يكون بالعقل التام أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ معروف بالنصح والامانة مشهور بين الناس بذلك قد سبق فى القصة المقدمة سرّ جمع الرسالات ومعنى النصح والفرق بين تبليغ الرسالة وتقرير النصيحة وفى قوله وانا لكم ناصح أمين تنبيه على انهم عرفوه بالأمرين لان الجملة الحالية انما يؤتى بها لبيان هيئة ذى الحال والشيء لا يوصف الا بما يعلم المخاطب اتصافه به أو لأن فى جعل ذكر متعلق النصح والامانة من قبل المهجور دلالة على انه أوحدي فيه موجد للحقيقتين كأنه صناعته أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ اى استبعدتم وعجبتم من ان جاءكم وحي من مالك أموركم ومربيكم عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ اى على لسان رجل من جنسكم لِيُنْذِرَكُمْ ويحذركم عاقبة ما أنتم عليه من الكفر والمعاصي فمن فرط الجهالة وغاية الغباوة عجبوا من كون رجل رسولا ولم يتعجبوا من كون الصنم شريكا وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ شروع فى بيان ترتيب احكام النصح والامانة والانذار وتفصيلها وإذ منصوب باذكروا على المفعولية دون الظرفية اى اذكروا وقت استخلافكم قال صاحب الفرائد يشكل هذا بقولهم إذ وإذا وقوعهما ظرفين لازم وأجيب بان باب الاتساع واسع قال المولى ابو السعود ولعله معطوف على مقدر كأن قيل لا تعجبوا من ذلك وتدبروا فى أموركم واذكروا وقت جعله تعالى إياكم خلفاء مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ اى فى مساكنهم او فى الأرض بان جعلكم ملوكا فان شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج الى شحر عمان قال فى التأويلات النجمية جعل الله الخلق بعضهم خلفاء عن بعض وجعل الكل خلفاء فى الأرض ولا يفنى جنسا منهم الا اقام قوما خلفاء عنهم من ذلك الجنس فاهل الغفلة إذا انقرضوا اخلف عنهم قوما واهل الوصلة إذا انقرضوا ودرجوا اخلف عنهم قوما وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ اى فى الإبداع والتصوير بالفارسي [وبيفزود شما] او فى الناس بَصْطَةً قامة وقوة فانه لم يكن فى زمانهم مثلهم فى عظم الاجرام كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة الصغير ستين ذراعا قال وهب كان رأس أحدهم كالقبة العظيمة وكان عين أحدهم يفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم والاشارة كما ان الله تعالى زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق فكما أوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود الى المبانى أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع الى المعاني قال الفرزدق
وقد تلتقى الأسماء فى الناس والكنى
كثيرا ولكن فرقوا فى الخلائق
جمع الخليقة وهى الطبيعة وفى هذا المعنى قال الخاقاني
نى همه يك رنك دارد در نيستانها وليك
از يكى نى قند خيزد وز دگر نى بوريا
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ جمع الى بمعنى النعمة وهو تعميم بعد تخصيص لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لكى يؤديكم ذلك اى ذكر النعم الى الشكر المؤدى الى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب ولما لم يبق للقوم جواب الا التمسك بالتقليد قالُوا مجيبين عن تلك النصائح الجليلة أَجِئْتَنا يا هود لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ اى لنخصه بالعبادة وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا
صفحة رقم 186